الجنس الثالث
[ حكم
المكاتب إذا مات قبل أن يؤدي الكتابة ]
وأما حكمه إذا مات قبل أن يؤدي الكتابة ، فاتفقوا على أنه إذا مات دون ولد قبل أن يؤدي من الكتابة شيئا أنه يرق . واختلفوا إذا مات عن ولد ،
فقال
مالك : حكم ولده كحكمه ، فإن ترك مالا فيه وفاء للكتابة أدوه وعتقوا ، وإن لم يترك مالا وكانت لهم قوة على السعي بقوا على نجوم أبيهم حتى يعجزوا أو يعتقوا ، وإن لم يكن عندهم لا مال ولا قدرة على السعي رقوا ، وأنه إن فضل عن الكتابة شيء من ماله ورثوه على حكم ميراث الأحرار ، وأنه ليس يرثه إلا ولده الذين هم في الكتابة معه دون سواهم من وارثيه إن كان له وارث غير الولد الذي معه في الكتابة . وقال
أبو حنيفة : إنه يرثه بعد أداء كتابته من المال الذي ترك جميع أولاده الذين كاتب عليهم أو ولدوا في الكتابة وأولاده الأحرار وسائر ورثته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : لا يرثه بنوه الأحرار ولا الذين كاتب عليهم أو ولدوا في الكتابة ، وماله لسيده وعلى أولاده الذين كاتب عليهم أن يسعوا من الكتابة في مقدار حظوظهم منها ، وتسقط حصة الأب عنهم ، وبسقوط حصة الأب عنهم قال
أبو حنيفة ، وسائر الكوفيين . والذين قالوا بسقوطها قال بعضهم : تعتبر القيمة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقيل : بالثمن ، وقيل : حصته على مقدار الرءوس . وإنما قال هؤلاء بسقوط حصة الأب عن الأبناء الذين كاتب عليهم لا الذين ولدوا في الكتابة ; لأن من ولد له أولاد في الكتابة فهم تبع لأبيهم .
وعمدة
مالك أن المكاتبين كتابة واحدة بعضهم حملاء عن بعض ، ولذلك من عتق منهم أو مات لم تسقط حصته عن الباقي . وعمدة الفريق الثاني أن الكتابة لا تضمن . وروى
مالك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان في موطئه مثل قول الكوفيين .
[ ص: 706 ] وسبب اختلافهم ماذا يموت عليه المكاتب ؟ فعند
مالك أنه يموت مكاتبا ، وعند
أبي حنيفة أنه يموت حرا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه يموت عبدا . وعلى هذه الأصول بنوا الحكم فيه .
فعمدة الشافعية أن العبودية والحرية ليس بينهما وسط ، وإذا مات المكاتب فليس حرا بعد ; لأن حريته إنما تجب بأداء كتابته وهو لم يؤدها بعد ، فقد بقي أنه مات عبدا لأنه لا يصح أن يعتق الميت .
وعمدة الحنفية أن العتق قد وقع بموته مع وجود المال الذي كاتب عليه ; لأنه ليس له أن يرق نفسه ، والحرية يجب أن تكون حاصلة له بوجود المال لا بدفعه إلى السيد .
وأما
مالك فجعل موته على حالة متوسطة بين العبودية والحرية وهي الكتابة ، فمن حيث لم يورث أولاده الأحرار منه جعل له حكم العبيد ، ومن حيث لم يورث سيده ماله حكم له بحكم الأحرار ، والمسألة في حد الاجتهاد .
ومما يتعلق بهذا الجنس اختلافهم في أم ولد المكاتب إذا
مات المكاتب وترك بنين لا يقدرون على السعي وأرادت الأم أن تسعى عليهم ، فقال
مالك : لها ذلك ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي والكوفيون : ليس لها ذلك .
وعمدتهم أن أم الولد إذا مات المكاتب مال من مال السيد ، وأما
مالك فيرى أن حرمة الكتابة التي لسيدها صائرة إليها وإلى بنيها .
ولم يختلف قول
مالك أن المكاتب إذا ترك بنين صغارا لا يستطيعون السعي ، وترك أم ولد لا تستطيع السعي أنها تباع ويؤدى منها باقي الكتابة . وعند
أبي يوسف ،
ومحمد بن الحسن أنه لا يجوز بيع المكاتب لأم ولده ، ويجوز عند
أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي .
واختلف أصحاب
مالك في
أم ولد المكاتب إذا مات المكاتب وترك بنين ووفاه كتابته ، هل تعتق أم ولده أم لا ؟ فقال
ابن القاسم : إذا كان معها ولد عتقت وإلا رقت ، وقال
أشهب : تعتق على كل حال . وعلى أصل
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي كل ما ترك المكاتب مال من مال سيده لا ينتفع به البنون في أداء ما عليه من كتابته كانوا معه في عقد الكتابة ، أو كانوا ولدوا في الكتابة ، وإنما عليهم السعي . وعلى أصل
أبي حنيفة يكون حرا ولا بد ، ومذهب
ابن القاسم كأنه استحسان .