صفحة جزء
[ تضمين الراكب والسائق والقائد ]

ومن أنواع الخطأ المختلف فيه ، اختلافهم في تضمين الراكب والسائق والقائد فقال الجمهور : هم ضامنون لما أصابت الدابة ، واحتجوا في ذلك بقضاء عمر على الذي أجرى فرسه فوطئ آخر بالعقل . وقال أهل الظاهر : لا ضمان على أحد في جرح العجماء ، واعتمدوا الأثر الثابت فيه عنه - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة أنه قال - عليه الصلاة والسلام - : " جرح العجماء جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس " .

فحمل الجمهور الحديث على أنه لم يكن بالدابة راكب ولا سائق ولا قائد ; لأنهم رأوا أنه إذا أصابت الدابة أحدا وعليها راكب أو لها قائد أو سائق ; فإن الراكب لها أو السائق أو القائد هو المصيب ولكن خطأ .

واختلف الجمهور فيما أصابت الدابة برجلها ، فقال مالك : لا شيء فيه إن لم يفعل صاحب الدابة بالدابة شيئا يبعثها به على أن ترمح برجلها ، وقال الشافعي : يضمن الراكب ما أصابت بيدها أو برجلها ، وبه قال ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، وسويا بين الضمان برجلها أو بغير رجلها ، وبه قال أبو حنيفة ، إلا أنه استثنى الرمحة بالرجل أو بالذنب ، وربما احتج من لم يضمن رجل الدابة بما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - : " الرجل جبار " ولم يصح هذا الحديث عند الشافعي ورده .

وأقاويل العلماء فيمن حفر بئرا فوقع فيه إنسان متقاربة ، قال مالك : إن حفر في موضع جرت العادة الحفر في مثله لم يضمن وإن تعدى في الحفر ضمن ، وقال الليث : إن حفر في أرض يملكها لم يضمن وإن حفر فيما لا يملك ضمن ، فمن ضمن عنده فهو من نوع الخطأ .

وكذلك اختلفوا في الدابة الموقوفة ، فقال بعضهم : إن أوقفها بحيث يجب له أن يوقفها لم يضمن ، وإن لم يفعل ضمن ، وبه قال الشافعي ، وقال أبو حنيفة : يضمن على كل حال ، وليس يبرئه أن يربطها بموضع يجوز له أن يربطها فيه ، كما لا يبرئه ركوبها من ضمان ما أصابته وإن كان الركوب مباحا .

واختلفوا في الفارسين يصطدمان فيموت كل واحد منهما ، فقال مالك ، وأبو حنيفة وجماعة : على كل واحد منهما دية الآخر وذلك على العاقلة ، وقال الشافعي وعثمان البتي : على كل واحد منهما نصف دية صاحبه ; لأن كل واحد منهما مات من فعل نفسه وفعل صاحبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية