بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا
محمد وآله وصحبه وسلم تسليما
كتاب القسامة
اختلف العلماء في القسامة في أربعة مواضع تجري مجرى الأصول لفروع هذا الباب :
المسألة الأولى : هل يجب
الحكم بالقسامة أم لا ؟
الثانية : إذا قلنا بوجوبها هل يجب بها الدم أو الفدية أو دفع مجرد الدعوى .
[ ص: 742 ] المسألة الثالثة : هل يبدأ بالأيمان فيها المدعون أو المدعى عليهم ، وكم عدد الحالفين من الأولياء ؟
المسألة الرابعة : فيما يعد لوثا يجب به أن يبدأ المدعون بالأيمان .
المسألة الأولى
[ هل يجب الحكم بالقسامة ؟ ]
أما وجوب الحكم بها على الجملة فقال : به جمهور فقهاء الأمصار (
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وسفيان وداود وأصحابهم وغير ذلك من فقهاء الأمصار ) ، وقالت طائفة من العلماء
nindex.php?page=showalam&ids=15959سالم بن عبد الله وأبو قلابة nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=13382وابن علية : لا يجوز الحكم بها .
عمدة الجمهور ما ثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - من حديث
حويصة ومحيصة وهو حديث متفق على صحته من أهل الحديث ، إلا أنهم مختلفون في ألفاظه على ما سيأتي بعد .
وعمدة الفريق الثاني لوجوب الحكم بها أن القسامة مخالفة لأصول الشرع المجمع على صحتها :
فمنها : أن الأصل في الشرع أن لا يحلف أحد إلا على ما علم قطعا أو شاهد حسا ، وإذا كان ذلك كذلك ، فكيف يقسم أولياء الدم وهم لم يشاهدوا القتل بل قد يكونون في بلد والقتل في بلد آخر ، ولذلك روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
أبي قلابة أن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز أبرز سريره يوما للناس ثم أذن لهم فدخلوا عليه فقال : ما تقولون في القسامة ؟ فأضب القوم وقالوا : نقول إن القسامة القود بها حق قد أقاد بها الخلفاء ، وقال : ما تقول يا أبا قلابة ونصبني للناس ، فقلت : يا أمير المؤمنين عندك أشراف العرب ورؤساء الأجناد ، أرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا على رجل أنه زنى
بدمشق ولم يروه أكنت ترجمه ؟ قال : لا قلت : أفرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا عندك على رجل أنه سرق
بحمص ولم يروه أكنت تقطعه ؟ قال : لا . وفي بعض الروايات : قلت : فما بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أقدت بشهادتهم ؟ قال : فكتب
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز في القسامة : إنهم إن أقاموا شاهدي عدل أن فلانا قتله فأقده ، ولا يقتل بشهادة الخمسين الذين أقسموا ، قالوا :
ومنها ، أن من الأصول أن
الأيمان ليس لها تأثير في إشاطة الدماء .
ومنها ، أن من الأصول " أن
البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " .
ومن حجتهم أنهم لم يروا في تلك الأحاديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حكم بالقسامة وإنما كانت حكما جاهليا فتلطف لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليريهم كيف لا يلزم الحكم بها على أصول الإسلام ، ولذلك قال لهم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006840أتحلفون خمسين يمينا ( أعني : لولاة الدم وهم الأنصار ؟ ) قالوا : كيف نحلف ولم نشاهد ؟ قال : فيحلف لكم اليهود ، قالوا : كيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ قالوا : فلو كانت السنة أن يحلفوا وإن لم يشهدوا لقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هي السنة . وإذا كانت هذه الآثار غير نص في القضاء بالقسامة والتأويل يتطرق إليها فصرفها بالتأويل إلى الأصول أولى .
وأما القائلون بها وبخاصة
مالك فرأى أن سنة القسامة سنة منفردة بنفسها مخصصة للأصول كسائر السنن المخصصة ، وزعم أن العلة في ذلك حوطة الدماء ، وذلك أن القتل لما كان يكثر وكان يقل قيام
[ ص: 743 ] الشهادة عليه لكون القاتل إنما يتحرى بالقتل مواضع الخلوات جعلت هذه السنة حفظا للدماء ، لكن هذه العلة تدخل عليه في قطاع الطريق والسراق ، ذلك أن السارق تعسر الشهادة عليه ، وكذلك قاطع الطريق ، فلهذا أجاز
مالك شهادة المسلوبين على السالبين مع مخالفة ذلك للأصول ، وذلك أن المسلوبين مدعون على سلبهم والله أعلم .