[ ص: 127 ] المسألة الحادية عشرة
بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان صحيح لا إشكال في صحته ; لأنه لذلك بعث ، قال تعالى :
وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] ولا خلاف فيه .
وأما بيان الصحابة فإن أجمعوا على ما بينوه ; فلا إشكال في صحته أيضا ،
[ ص: 128 ] كما أجمعوا على
الغسل من التقاء الختانين المبين لقوله تعالى :
وإن كنتم جنبا فاطهروا [ المائدة : 6 ] وإن لم يجمعوا عليه ; فهل يكون بيانهم حجة ، أم لا ؟ هذا فيه نظر وتفصيل ، ولكنهم يترجح الاعتماد عليهم في البيان من وجهين : أحدهما : معرفتهم باللسان العربي فإنهم عرب فصحاء ، لم تتغير ألسنتهم ولم تنزل عن رتبتها العليا فصاحتهم ; فهم أعرف في فهم الكتاب والسنة من غيرهم ، فإذا جاء عنهم قول أو عمل واقع موقع البيان ; صح اعتماده من هذه الجهة .
والثاني : مباشرتهم للوقائع والنوازل وتنزيل الوحي بالكتاب والسنة ; فهم أقعد في فهم القرائن الحالية وأعرف بأسباب التنزيل ; ويدركون ما لا يدركه غيرهم بسبب ذلك ، والشاهد يرى ما لا يرى الغائب .
فمتى جاء عنهم تقييد بعض المطلقات أو تخصيص بعض العمومات فالعمل عليه صواب ، وهذا إن لم ينقل عن أحد منهم خلاف في المسألة ، فإن خالف بعضهم ; فالمسألة اجتهادية
[ ص: 129 ] مثاله قوله عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337773لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر فهذا التعجيل يحتمل أن يقصد به إيقاعه قبل الصلاة ، ويحتمل أن لا ; فكان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان يصليان المغرب قبل أن يفطرا ، ثم يفطران بعد الصلاة بيانا أن هذا التعجيل لا يلزم أن يكون قبل الصلاة ، بل إذا كان بعد الصلاة ; فهو تعجيل أيضا ، وأن التأخير الذي يفعله أهل المشرق شيء
[ ص: 130 ] آخر داخل في التعمق المنهي عنه ، وكذلك ذكر عن
اليهود أنهم يؤخرون الإفطار ; فندب المسلمون إلى التعجيل .
وكذلك لما قال عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337774لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه احتمل أن تكون الرؤية مقيدة بالأكثر وهو أن يرى بعد
[ ص: 131 ] غروب الشمس فبين
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان أن ذلك غير لازم فرأى الهلال في خلافته قبل الغروب ، فلم يفطر حتى أمسى وغابت الشمس .
وتأمل ; فعادة
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس في موطئه وغيره الإتيان بالآثار عن الصحابة مبينا بها السنن ، وما يعمل به منها وما لا يعمل به ، وما يقيد به مطلقاتها ، وهو دأبه ومذهبه لما تقدم ذكره .
ومما بين كلامهم اللغة أيضا ، كما نقل
مالك في دلوك الشمس وغسق الليل كلام
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وفي معنى السعي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أعني قوله تعالى :
فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع [ الجمعة : 9 ] وفي معنى الإخوة أن السنة مضت أن الإخوة اثنان فصاعدا كما تبين بكلامهم
[ ص: 132 ] معاني الكتاب والسنة .
لا يقال : إن هذا المذهب راجع إلى تقليد الصحابي ، وقد عرفت ما فيه من النزاع والخلاف ; لأنا نقول : نعم ، هو تقليد ، ولكنه راجع إلى ما لا يمكن الاجتهاد فيه على وجهه ; إلا لهم لما تقدم من أنهم عرب وفرق بين من هو عربي الأصل والنحلة وبين من تعرب غلب التطبع شيمة المطبوع وأنهم شاهدوا من أسباب التكاليف وقرائن أحوالها ما لم يشاهد من بعدهم ، ونقل قرائن الأحوال على ما هي عليه كالمتعذر ; فلابد من القول بأن فهمهم في الشريعة أتم وأحرى بالتقديم ، فإذا جاء في القرآن أو في السنة من بيانهم ما هو موضوع موضع التفسير ، بحيث لو فرضنا عدمه لم يمكن تنزيل النص عليه على وجهه ; انحتم الحكم بإعمال ذلك البيان لما ذكر ، ولما جاء في
[ ص: 133 ] السنة من اتباعهم والجريان على سننهم ، كما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337775عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، وتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وغير ذلك من الأحاديث ; فإنها عاضدة لهذا
[ ص: 134 ] المعنى في الجملة أما إذا علم أن الموضع موضع اجتهاد لا يفتقر إلى ذينك الأمرين ; فهم ومن سواهم فيه شرع سواء ; كمسألة العول ، والوضوء من النوم ، وكثير من مسائل الربا التي قال فيها
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا آية الربا ; فدعوا الربا والريبة ، أو كما قال ; فمثل هذه المسائل موضع اجتهاد للجميع لا يختص به الصحابة دون غيرهم من المجتهدين ، وفيه خلاف بين العلماء أيضا ; فإن منهم من يجعل
قول الصحابي ورأيه حجة يرجع إليها ويعمل عليها من غير نظر ; كالأحاديث والاجتهادات النبوية ، وهو مذكور في كتب الأصول ; فلا يحتاج إلى ذكره هاهنا