الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يسن عند الاحتضار

  • الكاتب:
  • التصنيف:المقالات

ما يسن عند الاحتضار

يسن عند الاحتضار مراعاة السنن الآتية :
1- تلقين المحتضَر "لا إله إلا الله" لما رواه مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
[ لقنوا موتاكم : لا إله إلا الله ] ، وروى أبو داود - وصححه الحاكم - عن معاذ ابن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ] .
والتلقين إنما يكون في حالة ما إذا كان لا ينطق بلفظ الشهادة . فإن كان ينطق بها فلا معنى لتلقينه .
والتلقين إنما يكون في الحاضر العقل القادر على الكلام ، فإن شارد اللب لا يمكن تلقينه ، والعاجز عن الكلام يردد الشهادة في نفسه ، قال العلماء : وينبغي ألا يلح عليه في ذلك . ولا يقول له : قل لا إله إلا الله خشية أن يضجر ، فيتكلم بكلام غير لائق ؛ ولكن يقولها بحيث يُسمعه مُعرضاً له ، ليفطن له فيقولها .
وإذا أتى بالشهادة مرة لا يعاود التلقين ، ما لم يتكلم بعدها بكلام آخر ، فيعاد
التعريض له به ليكون آخر كلامه.
وجمهور العلماء على أن المحتضر يقتصر في تلقينه على لا إله إلا الله لظاهر الحديث ويرى جماعة أنه يلقن الشهادتين ؛ لأن المقصود تذكر التوحيد وهو يتوقف عليهما.
2- توجيهه إلى القبلة ، مضطجعاً على شقه الأيمن ، لما رواه البيهقي والحاكم وصححه عن أبي قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ، سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه ؟ فقالوا : تُوفي ، وأوصى بثلث ماله لك ، وأن يوجه للقبلة لمّا احتُضر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : [ أصاب الفطرة ، وقد رددت ثلث ماله على ولده ] ، ثم ذهب فصلى عليه وقال: [ اللهم اغفر له وارحمه وأدخله جنتك وقد فعلت ] قال الحاكم : ولا أعلم في توجيه المحتضر إلى القبلة غيره.
وروى أحمد : أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم عند موتها استقبلت القبلة ثم توسدت يمينها.
وهذه الصفة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم النائم أن ينام عليها ، والتي يكون عليها الميت في قبره . وفي رواية عن الشافعي : أن المحتضر يستلقي على قفاه، وقدماه إلى القبلة ، وترفع رأسه قليلاً ليصير وجهه إليها ، والأول الذي ذهب إليه الجمهور أولى .
3- قراءة سورة يس ، لما رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن مَعْقِل بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ يس قلب القرآن ، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غُفر له وأقرؤوها على موتاكم ] .
قال ابن حبان : ( أراد بذلك مَن حضرته المنية ، لا أن الميت يقرأ عليه ، ويؤيد هذا المعنى ما رواه أحمد في مسنده عن صفوان قال : كانت المَشْيَخَة ( أي الشيوخ) يقولون: إذا قرئت "يس" عند الموت خُفف عنها بها ، وأسنده صاحب مسند الفردوس إلى أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ما من ميت يموت فتقرأ عنده يس إلا هوّن الله عليه ].
4- تغميض عينيه إذا مات ، لما رواه مسلم : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أبي سلمة رضي الله عنهما ، وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : [ إن الروح إذا قبض تبعه القصر ] .
5- تسجيته صيانة له عن الانكشاف ، وستراً لصورته المتغيرة عن الأعين ، فعن عائشة رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم حين توفي سُجي ببُرْد حَبَرة ( يعني غُطي بثوب مخطط ) [ رواه البخاري ومسلم ].
ويجوز تقبيل الميت إجماعاً فقد قبّـل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثـمان بن مظعون وهو ميت ، وأكبّ أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته فقبّله بين عينيه وقال: ( يا نبيّاه ، يا صفيّاه ) .
6- المبادرة بتجهيزه متى تحقق موته ، فيسرع وليه بغسله ودفنه مخافة أن يتغير ، والصلاة عليه ، لما رواه أبو داود . عن الحصين بن وحوح أن طلحة بن البراء مرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقال : [ إني لا أرى طلحة إلا قد حدث فيه الموت ، فآذنوني به وعجلوا ، فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهرَيْ أهله ] .
ولا ينتظر به قدوم أحد إلا الولي : فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغير ، روى أحمد والترمذي عن علي رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ، [ يا علي : ثلاث لا تؤخرها : الصلاة إذا أتت ، والجنازة إذا حضرت ، والأيم إذا وجدت كفئاً ] .
7- قضاء دينه ، لما رواه أحمد وابن ماجه والترمذي ، وحسنّه ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ] أي إن أمرها موقوف لا يحكم لها بنجاة ولا بهلاك ، أو محبوسة عن الجنة ، وهذا فيمن مات وترك مالاً يقضى منه دينه . أما من لا مال له ومات عازماً على القضاء ، فقد ثبت أن الله تعالى يقضي عنه ، ومثله من مات وله مال وكان محبَّاً للقضاء ، ولم يقض من ماله ورثته ، فعند البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ] ، وروى أحمد والطبراني عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ يدعى بصاحب الدين يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز وجل فيقول : يا ابن آدم : فيم أخذت هذا الدين ؟ وفيم ضيعت حقوق الناس ؟ فيقول :
يا رب إنك تعلم أني أخذته فلم آكل، ولم أشرب ، ولم أضيّع ، ولكن أتى عليّ إما حَرَق ، وإما سَرَق ، وإما وضيعة ، فيقول الله: صدق عبدي ، وأنا أحق من قضى عنك ؛ فيدعو الله بشيء فيضعه في كفة ميزانه ، فترجح حسناته على سيئاته ، فيدخل الجنة بفضل رحمته ].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يمتنع عن الصلاة على المديون ، فلما فتح الله عليه البلاد ، وكثرت الأموال صلى على من مات مديوناً وقضى عنه ، وقال في حديث البخاري: [ أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن مات وعليه دين ، ولم يترك وفاءً ، فعلينا قضاؤه ، ومن ترك مالاً فلورثته ]
وفي هذا ما يدل على أن من مات مديناً استحق أن يُقضى عنه من بيت مال المسلمين، ويؤخذ من سهم الغارمين "أحد مصارف الزكاة" وأن حقه لا يسقط بالموت.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة

لا يوجد مواد ذات صلة