الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عزل شارون ديبلوماسياً وإرهاقه أمنياً أو كشف العجز العربي ؟

عزل شارون ديبلوماسياً وإرهاقه أمنياً أو كشف العجز العربي ؟

عزل شارون ديبلوماسياً وإرهاقه أمنياً أو كشف العجز العربي ؟

حرّكت المبادرة السعودية التي أطلقها الأمير عبد الله بن عبد العزيز المياه الراكدة في بحيرة التسوية السلمية، على نحو غير مسبوق تقريباً منذ رحيل رابين ، إذا استثنينا قمة كامب ديفيد الثانية بكل ملابساتها. والسبب في ذلك أنها بدت مبادرة شجاعة ومنطقية في الوقت نفسه.

فهي شجاعة ؛ لأنها انطلقت من طرف رئيس في المنظومة العربية، طالما نأى بنفسه، إلا نادراً، عن الحديث المباشر في التعاون الإقليمي عند ازدهار الخطاب الطوباوي حول مستقبل الشرق الأوسط في منتصف التسعينيات . ولم يتورط من قبل في تفاعلات يمكن نسبتها إلى مفهوم التطبيع ، بمعناه الضيق أو حتى الواسع. فضلاً عن أنه الطرف الذي يمثل، على قدر يفوق غيره نسبياً، ما يمكن تسميته بـ " المرجعية الدينية " للوجود السياسي العربي، ولو علي المستوى الرمزي، وهي المرجعية الأساسية إلى المرجعية القومية، لهذا الوجود. وجميعها عوامل أعطت الطرح السعودي للتطبيع الكامل في مقابل السلام الشامل، نوعاً من الجدة والبكارة السياسية، لم يتوافر لأي مبادرة يمكن إطلاقها مثلاً من مصر - على مركزيتها في الصراع ومحوريتها في السلام - أو من الأردن - على انغماسها الإقليمي وارتباطها الجيوسياسي بالصراع والسلام - لأن الطرفين متورطان سلفاً، ومن الأساس، في عملية التسوية، ويمارسان علاقات رسمية مع إسرائيل وإن كانت مجمدة فعلياً.

وهي منطقية لأنها، على رغم بساطة الفرض الذي تقوم عليه " التطبيع الكامل في مقابل السلام الشامل " ، تحوي تقريباً كل المرجعيات القانونية والسياسية للصراع، ثم للتسوية العربية - الإسرائيلية. ولذا احتفظت لدى العرب بأصالتها نتيجة عدم تفريطها بالحقوق، ونالت الاهتمام لدى الطرف الإسرائيلي، لجدتها وجاذبيتها وهو الأمر الذي انعكس في شكل واضح في ردود الفعل المباشرة إزاءها . فالتأييد العربي كان ملموساً على شتى المستويات تقريباً، خصوصاً من قِبل مصر والأردن، ما أعطاها شرعية عربية مؤكدة. وكذا كان التأييد الأوروبي المبدئي والشغوف بالتساؤل، علي لسان خافيير سولانا، عن التفاصيل والأبعاد وآليات التنفيذ. بينما حمل الموقف الأميركي طابع الالتباس بين الاهتمام المبدئي والنزوع إلي عزل سورية عن المبادرة.

أما الموقف الإسرائيلي فجاء خليطاً من القبول الحذر، النازع إلى محاولة تقليص حدود الطموح العربي إلى السلام الشامل لدى بيريز الذي أعلن صعوبة تراجع إسرائيل إلى حدود 4 حزيران (يونيو) 1967 ، ومن القبول المراوغ النازع إلى استهلاكها - أي المبادرة - بالامتصاص والاحتواء والإغراق في التساؤل عن التفاصيل الصغيرة ، بل وابتزاز لقاء سعودي - إسرائيلي مباشر (ما يعني موقفاً تطبيعياً مسبقاً) لدى شارون.

ولكن السؤال المهم هو: هل تكفي شجاعة المبادرة ومنطقيتها لإنجاحها ؟ وتقترب الإجابة هنا من حد النفي ، ليس بسبب التوجه الأميركي إلى استبعاد سورية، ولكن بالأساس بسبب الموقف الإسرائيلي المتعنت من العملية برمتها، النازع منذ سنوات إلى الخروج منها، وتبني أجندة أولويات أخرى بعيدة تماماً من فكرة الانسحاب إلى حدود 4 حزيران الذي تطالب به المبادرة . فإسرائيل تماطل منذ سنوات في تنفيذ اتفاقات وتلبية متطلبات فلسطينية أقل بكثير مما تطالب به المبادرة من سلام شامل له منطقه ومقتضياته، على رغم ارتباط هذه الاتفاقات بخطوات تطبيعية مهمة كانت إسرائيل قد حققتها قبل انتفاضة الأقصى .

لذا فالمخاوف والشكوك تبدو عميقة في إنجاز هذه المبادرة هدفها النهائي. إذ لن تشفع لها شجاعتها ومنطقيتها في تغيير المزاج والأجندة الإسرائيلية. ولكن يجب ألا يثير ذلك الفتور العربي نحوها ؛ لأنه لا يقلل من أهميتها الديبلوماسية والإعلامية على السواء. فلو افترض عجزها عن تحقيق السلام، فإنها من الممكن أن تسهم في عزل شارون وفضح إسرائيل دولياً. وعلى الأقل قد يكون في إمكانها وقف التدهور الحادث للقضية الفلسطينية إعلامياً وسياسياً، منذ كارثة أيلول (سبتمبر) التي أحسن شارون اغتنامها، والإساءة إلى سمعة الانتفاضة في الخارج ... وهو هدف يبقى مهماً.

فإذا أسقط شارون بالعزل والحصار الديبلوماسي والإعلامي العربي خارجياً، وبالإرهاق الأمني والارتباك السياسي الذي تفرضه الانتفاضة داخلياً، فإنه لن يسقط وحده، إنما يسقط معه خيار شمشون في تجلياته ورموزه وانتماءاته الدينية والسياسية والعسكرية، ما يفتح الباب أمام خيار واسع بديل سيكون أقرب بالتأكيد إلى روح السلام. وهو خيار يمكن تحديد ملامحه بدقة، ويمكن القول : إنه يستند إلى أرضية حركات السلام وكتلة ميرتس، ويتغذى بمواقف ضباط وجنود الاحتياط الرافضين الخدمة في الأراضي المحتلة.

غير أن الهدف البديل نفسه قد يصبح إنجازه متعذراً هو الآخر إذا لم تحسن المنظومة العربية إدارة المبادرة. فإذا كانت هذه تمثل آلية لعزل شارون فإنها، من ناحية أخرى، قد تكون آلية لكشف العجز العربي الكامل فيما لو رفضتها إسرائيل في شكل سافر وفج يشوبه نوع من التحدي وهو أمر محتمل. فإذا حدث هذا كان من الواجب على العالم العربي أن يمارس حزمة إجراءات عقابية متوسطة الشدة في مواجهة الرفض الإسرائيلي، تراوح بين الإعلام والديبلوماسية والسياسية وهو أمر يحتاج إلى بحث وترتيب وتفاوض عربي شاق ، مجاله هو القمة العربية المقبلة، وما يستتبعها من اجتماعات نرجوها أن تمتلك حس التوجه وروح المسؤولية . وأولى الاستجابات وأهمها - في اعتقادنا - يتعلق بتحدي السؤال الأكثر أهمية الآن . ماذا لو رفضت إسرائيل المبادرة ؟

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة