الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل أرسل المسيح إلى الناس كافة ؟

هل أرسل المسيح إلى الناس كافة ؟

هل أرسل المسيح إلى الناس كافة ؟

من الخصائص التي اختص بها نبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم – دون سائر الأنبياء – عليهم السلام - عموم بعثته إلى الناس كافة، قال تعالى: { وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } وقال - صلى الله عليه وسلم - في بيان هذه الخصوصية: ( وكان النبي يبعث إلى قومه، وبعثت إلى الناس كافة ). وهو دليل صريح على أن جميع الأنبياء السابقين لم تكن دعواتهم عالمية، وإنما دعوات خاصة بأقوامهم، وهذا الأمر خالف فيه النصارى وادعوا أن دعوة المسيح – عليه السلام – دعوة عالمية للبشرية جمعاء .

أدلة النصارى على عالمية دعوى عيسى

واستندوا في تقرير هذا على شواهد متعددة من الإنجيل، من هذه الشواهد ما جاء في إنجيل "مرقس" (إصحاح: 16: 15- 16) من قول المسيح – عليه السلام - لتلاميذه: " اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا – وادعوا – بالإنجيل للخليقة كلها، من آمن واعتمد خَلُص، ومن لم يؤمن يدن " قالوا: وهذا دليل صريح على عالمية دعوة المسيح، وعموم بعثته إلى البشرية جمعاء .

واستدلوا كذلك بقول المسيح – عليه السلام - كما في سفر (أعمال الرسل: الإصحاح:1: 8 ):"‎ لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم، وفي كل اليهودية، والسامرة، وإلى أقصى الأرض" قالوا: وهذا أيضاً دليل صريح على عالمية دعوته إذ لم يخصها باليهود فقط، بل بكل الناس، حتى أقاصي الأرض وأطرافها .

أدلة من يقولون بقصر دعوة المسيح على اليهود خاصة

ويستدل المعترضون على عموم دعوة المسيح بأدلة من الإنجيل نفسه، تدل على أن المسيح لم يرسل إلا لبني إسرائيل وحدهم، دون سائر الأمم، ويقولون: إن هذا الأمر قرره المسيح قولاً وعملاً فطيلة حياته كلها لم يدع إلا في مجامع اليهود، ولم يدخل تجمعا آخر لغيرهم، بل كان يؤكد انحصار رسالته فيهم، ويوصي تلامذته بألا يخرجوا من مدن اليهود ولا يتعدوها، وإليك أخي القاريء النصوص الصريحة في ذلك، ففي إنجيل متى ( إصحاح4: 23):" وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلّم في مجامعهم – أي مجامع اليهود – ويكرز – يدعوا - ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض، وكل ضعف في الشعب – أي اليهودي – " . وفي إنجيل لوقا (إصحاح 4: 15): ( وكان – أي المسيح - يعلم في مجامعهم – أي مجامع اليهود – ممجداً من الجميع )، وقد يقول قائل إن دعوته في مجامع اليهود لا يعني أنه لا يدعوا في غيرها، فالجواب أن على من يقول ذلك أن يثبت أنه دعا غير اليهود، وأنى له ذلك ؟ والمسيح يصرّح أنه لم يبعث إلا لخراف بيت إسرائيل الضالة، كما جاء في إنجيل متى ( إصحاح 15/24): " لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ". بل إنه – عليه السلام – أمر تلاميذه ألا يخرجوا في دعوتهم عن مدن إسرائيل، ففي إنجيل متى – إصحاح: 10/ 5-6 ) ( هؤلاء الاثنى عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة ) وفي إنجيل متى: إصحاح:10/ 23):( ومتى طردوكم في هذه المدينة، فاهربوا إلى الأخرى، فإني الحق أقول لكم لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان ) فهذه أدلة صريحة من أقوال المسيح وعمله تؤيد وتوافق ما جاء به القرآن والسنة من اختصاص نبي الإسلام بالدعوة العالمية دون سائر إخوانه الأنبياء .

ويبقى على النصارى – إن تمسكوا بأقوالهم - أن يجيبوا عما أوردناه من نصوص تبين خصوصية دعوة المسيح، وإجابة البعض على ذلك بمرحلية الدعوة، وأن دعوة المسيح في بداياتها كانت دعوة مختصة باليهود، ثم شملت العالم أجمع، فقول مردود عليه، وذلك أن المرحلية في دعوة الشخص إنما تأتي ضمن فترات حياته، لا بعد وفاته ومماته، والنص الذي يذكرونه للاستدلال به على عموم دعوة المسيح – عليه السلام – إنما قاله المسيح بعد قيامته من الأموات – وفق معتقد النصارى – وهو أمر تثار حوله الشكوك والشبهات، وفي كلام المسيح ما ينقضه ويبطله، حيث صرح المسيح بالرفع إلى السماء، ففي إنجيل (يوحنا: إصحاح: 7/ 33 -34): ( فقال لهم يسوع: أنا معكم زماناً يسيراً بعدُ، ثم أمضي إلى الذي أرسلني، ستطلبونني ولا تجدونني، وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا ) فإذا كان المسيح - وفق نص كلامه - قد رفع إلى السماء ولم يصلب، فلا شك أن من جاءهم بعد حادثة الصلب والدفن لم يكن المسيح !! بل شخصاً آخر يشبهه أو شيطاناً أراد فتنتهم .

ومن أقوى المطاعن الواردة في نص – الأمر بتعميد جميع الأمم - أن كثيرا من تلامذة المسيح لم يعملوا به، ففي سفر أعمال الرسل إصحاح 11: 19: ( أما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب استفانوس فاجتازوا إلى فينيقية وقبرس وأنطاكية وهم لا يكلمون أحداً بالكلمة إلا اليهود فقط ) فهذا فعل تلامذة المسيح لم يعلموا أحدا إلا اليهود فقط فلو كان نص التعميم صحيحا لكانوا عملوا به وطبقوه . بل إن بطرس وهو من كبار تلامذة المسيح عندما دخل على غير اليهود أُنكر عليه، فلم يحتج على فعله بما نسبوه للمسيح من قوله بتعميد جميع الأمم، وإنما احتج بأن روح القدس حل عليهم، وقال معللا موقفه: ( فإن كان الله قد أعطاهم الموهبة – حلول روح القدس عليهم - كما لنا أيضاً بالسوية مؤمنين بالرب يسوع المسيح فمن أنا . أقادر أن أمنع الله ؟!!)(أعمال الرسل – إصحاح 17:11) ولا شك أن تعليل موقفه بهذا الشعور - حلول روح القدس عليهم - أضعف من اعتماده على نص صريح كالذي ذكروه لو وجد .

أما النص الآخر الذي يستدلون به فهو ما ورد في سفر أعمال الرسل: الإصحاح:1: 8:"‎ لكنكم ستنالون قوة متى حل "الروح القدس" عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى أقصى الأرض ". فالرد عليه أن الشهادة شيء، وعالمية الدعوة شيء آخر، والنص إنما دل على أن تلاميذ المسيح – عليه السلام – وأتباعه سيشهدون له في أقاصي الأرض وأطرافها، والمرء إنما يحتاج للشهادة لإزالة تهمة قيلت في حقه، وهذا ينطبق على السيد المسيح – عليه السلام - الذي قيل في حقه ما لا يجوز غلواً وجفاء، وهذا الغلو والجفاء بلغ العالمين شرقاً وغرباً، فلا غرو أن يحتاج للشهادة في حقه بالحق، ليبرأ مما ألصقه به محبوه ومبغضوه، وهذا ما قام به النبي - صلى الله عليه وسلم – وأتباعه، إذ شهدوا للمسيح بالرسالة والنبوة على خلاف ما تقوله اليهود الجفاة، ونفوا عنه الألوهية والربوبية على خلاف ما تقوله النصارى الغلاة، وفي ذلك أعظم الشهادة له في العالم أجمع .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة