بقلم حمد الماجد
من اللافت أن تكون صلاة الاستخارة، هي التي شرحت صدر "توني بلير" لاحتلال العراق!! وأن هذه الصلاة – مختلة الشروط والأركان - هي التي كانت وراء الحماسة اللافتة لرئيس الوزراء البريطاني السابق والممثل الحالي للجنة الرباعية المعنية بملف الشرق الأوسط، الآن نفهم لماذا كان دفاع بلير عن مشاركة بلاده في احتلال العراق مستميتاً، حتى بعد ظهور نتائج الاحتلال المخزية؟ لقد كان بلير ومستشاروه المتحمسون للغزو، كلما هاجمهم الإعلام البريطاني، أو سخط عليهم البرلمان، أو استقال وزير احتجاجاً على الغزو، كما فعل "روبن كوك"، أو نظم الشعب البريطاني تظاهرة مليونية سخطاً على الاحتلال والمحتلين، جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا.
توني بلير رجل يكتم إيمانه بكاثوليكيته وحماسته لدينه خلال فترة رئاسته للحكومة البريطانية، ولولا مخافة أن يتهمه البريطانيون بالجنون لأعلن إيمانه على الملأ، كما ذكر ذلك خلال فيلم وثائقي بعنوان «سنوات عهد بلير» بثته مؤخراً قناة (بي. بي. سي 1)، وقد اختصر الكاتب البريطاني "جون همفري" اشمئزاز المجتمع البريطاني من تدين زعمائه السياسيين بقوله : «نفضل سياسيينا بدون اتصال مع الرب». ويذكر "توني بلير" أن إيمانه الديني لعب دوراً كبيراً في عمله السياسي، لكنه فضل عدم الكشف عن هذا الأمر أثناء رئاسته لتجنب أي جدل، ولا أدري كيف فات على هذا السياسي المتدين أن الناس سيكون قلقها أشد حول تأثير كاثوليكيته على نشاطه السياسي الجديد في منطقة الشرق الأوسط والتي تغلي أصلاً على صفيح ديني أيديولوجي ساخن؟
تدين الرئيس عند المجتمع الأمريكي ميزة، وتدين الرئيس في نظرة المجتمع البريطاني منقصة، لهذا صرح به الأول وأخفاه الثاني، وبعبارة أخرى التدين السياسي «سري» على الطريقة البريطانية و«جهري» على الطريقة الأمريكية، ولهذا حين زالت أسباب «التقية» صدع بلير بإيمانه بل اعترف بتأثير تدينه على قراراته السياسية، وتذكر مصادر مقربة منه أنه كان في أسفاره يطلب من معاونيه يوم الأحد وبشكل دائم أن يبحثوا له عن كنيسة لكي يحضر القداس. يقول "اليستر كامبل" المتحدث السابق باسم بلير إن تدين "توني" أثر بشكل كبير على موضوعات حديثه وقراءاته، وكذلك الأشياء التي كان يشعر أنها مهمة، وأكد "بيتر مندلسون"، حليفه السياسي والمفوض الاوروبي الحالي للتجارة، تدين بلير وقال إن الإنجيل لا يفارق بلير، فهو يأخذه معه أينما ذهب.
يذهب "بلير" بإنجيله أو لا يذهب، يصلي الاستخارة أو لا يستخير أصلاً، كل هذا لا يعنينا وهو بالتأكيد شأن خاص "بتوني"، لكن الذي يقلقنا في منطقة الشرق الأوسط، هو نمو وتأثير الهوس الديني على بعض القادة الغربيين وعلى رأسهم قسيس الحكومة الأمريكية "جورج بوش"، الذي أعلن اتصاله المباشر بالسماء وتواصله مع الوحي بدون واسطة والذي أعلن عن نزول وحي من السماء يحثه على احتلال العراق.
العلاقة التي تجمع بين بوش وبلير تجاوزت الشراكة السياسية إلى «الأخوة الدينية» الحميمة، ومن الطريف أن أحد الصحفيين الغربيين وهو "ديفيد فروست"، سأل "توني بلير" إن كان يحرص على الصلاة جماعة مع الرئيس الأمريكي جورج بوش؟ وفي ظني أنهما لو صليا جماعة ستكون من أخطر الصلوات، لأنهما وهما قد صليا منفردين أقدما على احتلال العراق بوحي من الله لأمريكي!! وبعد استخارة من البرطاني، فماذا لو صليا جماعة؟
( يدعوا من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد يدعوا لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير)
__________
الشرق الأوسط بتصرف