الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التهدئة بين فتح وحماس

التهدئة بين فتح وحماس

تصور البعض أن حركة حماس في قطاع غزة، تقوم بما كانت تقوم به حركة فتح من خلال السلطة الوطنية الفلسطينية. وأن ما كانت ترفضه حركة حماس من قبل، أصبحت تقوم به الآن. وتلك الصورة يراد منها القول بأن حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية عام 2006، ووصولها للسلطة، لم تعد حركة مقاومة، بل أصبحت حركة سياسية تبحث عن السلطة. والهدف من ذلك تصوير حركة حماس، وكأنها مثل النخبة النافذة في حركة فتح. وهذا الأمر يهدف في الواقع إلى تشويه حركة حماس، لصالح فريق التفاوض مع إسرائيل في حركة فتح. والأمر على هذا النحو يبدو وكأنه نوع من اللعب بالألفاظ والكلمات، ويفتقد للدقة وللمصداقية. فإذا كانت تلك المعركة تدور حول التهدئة، فيجب وضع الأمور في نصابها، وتحديد معنى التهدئة في كل حالة، وإعادة ترتيب الأحداث بصورة تساعد على فهمها.
فحركة حماس وغيرها من حركات المقاومة الإسلامية والوطنية، وافقت على التهدئة في العديد من المرات، وكانت تلك التهدئة بطلب من السلطة الوطنية الفلسطينية. وتحققت التهدئة في عام 2005، وكانت هدنة من طرف واحد، ولم تلتزم بها دولة الاحتلال الإسرائيلي. والتهدئة هي مطلب لحركات المقاومة في مراحل محددة، وهي أيضا مطلب شعبي في بعض المراحل. ومعنى ذلك أن الموافقة على التهدئة في أي مرحلة من المراحل، ليست وقفا للمقاومة أو تخليا عن خيار المقاومة. وتلك حالة طبيعة بالنسبة لكل حركات المقاومة عبر التاريخ، فحركة المقاومة تمارس دورها صعودا وهبوطا حسب ظروفها على الأرض. ونخلص من هذا أن حركات المقاومة، ومنها حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، لم ترفض كل مطالب التهدئة، بل وافقت وتجاوبت مع بعضها، وعندما تسعى حركة حماس إلى اتفاق تهدئة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، فإن هذا لا يكون خروجا على خط المقاومة، ولكنه يمثل مرحلة من مراحل الصراع مع العدو.
ولكن هناك أمر مهم في اتفاق التهدئة بين حركة حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلي، والذي جرى من خلال المفاوضات غير المباشرة عبر الوسيط المصري. فتلك المفاوضات ارتبطت أساسا بفك الحصار عن قطاع غزة، وفتح المعابر الحدودية، وهدفها في النهاية فتح كل المعابر خاصة معبر رفح الحدودي بين قطاع غزة ومصر. ومعنى هذا أن الهدف الرئيسي للتهدئة ليس استراحة للمقاومة، مع مشروعية ذلك، ولكن فك الحصار عن قطاع غزة، ووقف عملية تجويع شعب غزة، والذي يتعرض لعملية إبادة جماعية. ويضاف لهذا أن عمليات المقاومة التي تتم من داخل قطاع غزة لا يمكن لها الاستمرار بنفس القوة، مع تدني الحالة المعيشية لسكان القطاع. ويلاحظ هنا أهمية الحاضن الاجتماعي لحركات المقاومة، فالمقاومة تتم من خلال بنية تنظيمية تعتمد على السند الاجتماعي والبيئة الاجتماعية التي تحميها. مما يجعل استمرار عمل المقاومة مع التدهور الشديد في الأحوال المعيشية للقطاع صعبا. ولهذا تظهر أهمية ما قامت به حركة حماس، عندما حاولت التوصل إلى تهدئة متبادلة، تؤدي إلى فك الحصار وفتح المعابر. وبهذا يتحقق لقطاع غزة، بفرض نجاح التهدئة، فترة لاستعادة قدراته المعيشية، وترميم آثار الحصار، وتجنب المزيد من الضربات من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي. والتهدئة في كل الأحوال، هي مرحلة مؤقتة، وتلك المرحلة يراد منها إعادة بناء القدرات المعيشية والحياتية، وإعادة بناء قدرات وتجهيزات المقاومة، استعدادا لمرحلة جديدة من الصراع والمواجهة.
بهذا المعنى نحاول فهم ما قامت به حركة حماس، من الموافقة على التهدئة. فقد تصرفت بوصفها حركة مقاومة تقود شعبها، وتتحمل المسئولية عنه، كما تتحمل مسئولية المقاومة ضد الاحتلال. وتلك صورة تختلف عن صورة النخبة التي تريد الحفاظ على السلطة. لهذا نجد أطرافا متعددة تريد إحراج حركة حماس، وذلك بإطلاق الصواريخ من قطاع غزة، حتى تدفع حماس لموقف يستغل ضدها، ويظهرها وكأنها أصبحت ضد المقاومة، وأنها تقبض على المقاومين، مثلها مثل السلطة الوطنية. وكأن الهدف هو الوصول إلى نتيجة مفادها أنه لا فرق بين حركة حماس، وبين النخبة الحاكمة في رام الله. تلك العملية في تصوري لن تنجح، لأن خداع الناس غير ممكن، والحقيقة تكون واضحة على الأرض، مهما روجت وسائل الإعلام لصور مغرضة.
لكن الأهم من كل ذلك، هو حقيقة التهدئة والغرض منها. ففريق السلطة وقيادات فتح منذ اتفاق أوسلو، يحاول تحقيق تهدئة، هي في حقيقتها هدنة نهائية، بغرض التوقف عن المقاومة وحل المشكلة من خلال التفاوض. ويصبح الطرف الفلسطيني يتفاوض بدون أن يكون في يده سلاح، لأنه لا يحتاج لورقة يضغط بها على الاحتلال، بعد أن سلم كل أوراقه في أوسلو واعتمد فقط على ما يمكن أن يقوم به الطرف الأمريكي من ضغوط على الإسرائيلي، رغم أن الأمريكي منحاز بشدة للإسرائيلي. أما التهدئة التي تعرفها حركة حماس والجهاد الإسلامي، وبقية الفصائل الوطنية المقاومة، هي نوع آخر. فهي مجرد فترة استرخاء من العمليات القتالية، تحقق أهدافا لكل طرف. وهي غالبا مرحلة تحتاجها حركات المقاومة لبناء قدراتها، ويحتاجها العدو عندما يفشل في تحقيق أهدافه من عملياته ضد المقاومة. وبهذا تكون تهدئة حماس، مرحلة من مراحل المقاومة، أما تهدئة السلطة وقيادات فتح، فهي مرحلة لإنهاء المقاومة. وهذا فرق كبير، ونقول:إنه الفرق الرئيس بين مشروع المقاومة الذي تحمله حركة حماس وغيرها من فصائل المقاومة، وبين مشروع التسوية والاستسلام، الذي تحمله قيادات فتح والسلطة الوطنية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصريون

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

قراءات وتحليلات

أساليب التعذيب النفسي في السجون الإسرائيلية

إنّ تعذيب النفوس يمكن أن يكون أكثر قسوة من تعذيب الأجساد، فلقد ابتكر أساتذةُ التعذيب الإسرائيليون الكثيرَمن الوسائل...المزيد