العلاقة بين آل البيت النبوي وبين الشيخين الكريمين أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعاً علاقة خاصة يسودها الود والانسجام والمحبة والاحترام، ويتبادل طرفاها محبة خالصة لله، يشهد بذلك سيرتهم العملية والقولية، فالسيرة العملية هي في دخولتهم في طاعتهم وبيعتهم لهم، وائتمارهم بأمرهم، وأخذهم ما أعطوا، وامتناعهم عما منعوا، فلم يحدث أن خرج أحد من آل البيت النبوي على أحد الخليفتين، ولم يحدث أن امتنع أي من آل البيت النبوي عن طاعتهما، وكانت علاقاتهم الاجتماعية مستقرة فيتزوج عمر من ابنة علي، ويسمي علي أبناءه بأسماء الخليفيتين أبي بكر وعمر، وكذلك فعل غيره من آل البيت تزوجوا من أولاد الخليفتين، وزوجوهم، ولم تشهد العلاقة بينهم أي توترات سوى ما حدث عند موت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين اعترضت فاطمة - رضي الله عنها - على أبي بكر - رضي الله عنه - عدم تقسيمه ميراث النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعلمها - رضي الله عنها - أنه فعل ذلك بناء على وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: ( لا نورث ما تركناه صدقة ) متفق عليه فأخذت في نفسها واعتزلته، وسنعرض لذلك بالتفصيل في معرض الرد على من زعم أن هناك عداءً مستحكما بين آل البيت النبوي وبين الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
وأما السيرة القولية فنذكر في ذلك آثاراً صحيحة وردت عن أئمة آل البيت يعلنون فيها حبهم وولائهم للشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ولا ينقمون عليهما دينا ولا خلقاً .
فعن زر بن حبيش، عن أبي جحيفة قال: سمعت علياً يقول: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد نبيها ؟ أبو بكر، ثم قال: ألا أخبركم بخير هذه الأمة بعد أبي بكر ؟ عمر . رواه أحمد في فضائل الصحابة . فهذه شهادة من عليٍّ رضي الله عنه بخيرية أبي بكر وعمر، ولم يكتف بهذا القول حتى حذر كل من يفضله عليهما بأن يجلده حدَّ المفتري فعن الحكم بن جحل قال: سمعت علياً يقول: " لا يفضلني أحد على أبي بكر وعمر إلا جلدته حد المفتري " رواه أحمد .
ويثني علي على عمر - رضي الله عنهما - في مواطن كثيرة منها أن أبا بكر أراد أن يستخلف أحد الصحابة فاستشار الصحابة في ذلك وقال لهم: إني قد عهدت عهداً، أفراضون أنتم به ؟ فقال القوم جميعاً: نعم، إلا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: لا، إلا أن يكون عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وعندما أُتي عمر - رضي الله عنه - بسيف كسرى ومنطقته وزبرجده قال: إن أقواماً أدوا هذا لذوو أمانة، فقال علي - رضي الله عنه - : إنك عففت فعفت الرعية .
وكان علي – رضي الله عنه – يكثر من لبس بردٍ - ثوب - فسئل عن ذلك فقال: " إنه كسانيه خليلي وصفيي وصديقي وخاصتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إن عمر ناصَحَ الله، فنصحه الله، قال : ثم بكى " فأي حب هذا الذي يحمله علي - رضي الله عنه - لأخيه عمر- رضي الله عنه - وأي ذكرى يحملها له في قلبه فيبكي عند ذكراه .
وهذا عبد الله بن جعفر – رضي الله عنه - يشهد برحمة أبي بكر – رضي الله عنه - بآل بيت محمد - صلى الله عليه وسلم - فيقول بكل غبطة وسرور: " رحم الله أبا بكر، كان لنا والياً، فنعم الوالي كان لنا، ما رأينا حاضنا قط كان خيرا منه، إنا لجلوس عنده يوماً في البيت إذ جاءه عمر ومعه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقاموا بالباب فاستأذن عمر، وكان الاستئذان ثلاثاً، فاستأذن مرة فلم يؤذن له، ثم استأذن الثانية فلم يؤذن له، فلما كان الثالثة استأذن فقال له أبو بكر: ادخل، فدخل ومعه أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر: يا خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حبستنا بالباب، استأذنا مرتين فلم تأذن لنا، وهذه الثالثة. فقال: إن بني جعفر كان بين أيديهم طعام يأكلونه؛ فخفت أن تدخلوا فتشركوهم في طعامهم ) فهذه هي رحمة أبي بكر بآل بيت محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا عجب من ذلك فهو – رضي الله عنه – يصرّح بالقول: " لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إليَّ أن أصل من قرابتي " متفق عليه وكيف لا يرحم الصديق قرابة حبيبه وصاحبه محمد - صلى الله عليه وسلم - وقد سمع قول الحق سبحانه: { قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى }(الشورى: 23 ).
ولما ثارت بعض الشكوك حول علاقة الشيخين بآل البيت سأل الكثيرون آل البيت عن ذلك فكان جوابهم صريحاً وقاطعاً: نتولى الشيخين ونترضى عنهما، فهذا سالم بن أبي حفصة،يقول: سألت أبا جعفر وجعفراً، عن أبي بكر، وعمر، - رضي الله عنهما - فقالا لي: تولهما وابرأ من عدوهما، وإنهما كانا إمامي هدى . وعن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: " تولوا أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما، فما أصابكم من ذلك فهو في عنقي ". وعن كثير النواء، قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي: أخبرني عن أبى بكر وعمر أظلما من حقكم شيئاً أو ذهبا به ؟ فقال: لا ومنـزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ما ظلما من حقنا ما يزن حبة خردل، قال: قلت: أفأتولاهما جعلني الله فداك ؟ قال: نعم يا كثير تولهما في الدنيا والآخرة - قال -: وجعل يصك عنق نفسه ويقول: وما أصابك فبعنقي - قال: ثم قال: برئ الله ورسوله من المغيرة بن سعيد وبيان ، فإنهما كذبا علينا أهل البيت " . وعن سالم بن أبي حفصة، قال: دخلت على جعفر بن محمد أعوده وهو مريض فقال: " اللهم إني أحب أبا بكر وعمر وأتولاهما، اللهم إن كان في نفسي غير هذا فلا تنالني شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - " وعن سالم بن أبي حفصة، قال: قال لي جعفر بن محمد: يا سالم أيسب الرجل جده ؟ أبو بكر - رضي الله عنه - جدي لا نالتني شفاعة محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة إن لم أكن أتولاهما وأبرأ من عدوهما " . وعن ابن أبي حازم، عن أبيه، قال: سئل علي بن الحسين رضي الله عنه عن أبي بكر، وعمر، - عليهما السلام - ومنـزلتهما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال: كمنزلتهما اليوم، هما ضجيعاه ". وعن محمد بن علي بن الحسين، عن أبيه، قال: أتاني نفر من أهل العراق فقالوا في أبي بكر وعمر، ثم ابتركوا - تنقصوا - في عثمان، فلم يتزكوا، فلما فرغوا، قال لهم علي بن الحسين: ألا تخبروني أنتم المهاجرون الأولون الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا ؟ قالوا: لا، قال: فأنتم الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم ؟ قالوا: لا، قال: أما أنتم فقد برأتم أن تكونوا من أحد هذين الفريقين، وأنا أشهد أنكم لستم من الذين قال الله عز وجل: { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } " وعن بسام بن عبد الله الصيرفي، قال: سألت أبا جعفر قلت: ما تقول في أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - ؟ فقال: والله إني لأتولاهما وأستغفر لهما، وما أدركنا أحدا من أهل بيتي إلا وهو يتولاهما ". وعن حفص بن قيس، قال: سألت عبد الله بن الحسن، عن المسح على الخفين ؟ فقال: امسح فقد مسح عمر بن الخطاب، قلت: إنما أسألك أنت أتمسح ؟ قال: ذلك أعجز لك حين أخبرك عن عمر، وتسألني عن رأيي، فعمر - رضي الله عنه - كان خيراً مني وملء الأرض مثلي، قلت: يا أبا محمد إن ناساً يقولون: إن هذا منكم تقية. فقال لي ونحن بين القبر والمنبر: اللهم إن هذا قولي في السر والعلانية ؟ فلا تسمعن قول أحد بعدي، ثم قال: هذا الذي يزعم أن علياً كان مقهوراً، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بأمر فلم ينفذه، وكفى بهذا إزراء على علي - عليه السلام - ومنقصة أن يزعم قوم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره بأمر ، فلم ينفذه " . وعن محمد بن علي، قال: " أجمع بنو فاطمة - عليهم السلام - على أن يقولوا في أبي بكر وعمر أحسن ما يكون من القول " روى هذه الآثار جميعها الدارقطني في فضائل الصحابة وغيره .
فهذا موقف آل البيت عليهم السلام من الشيخين الكريمين وزيري رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخليفتيه من بعده أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - وهذه أقوالهم فيهما،كلها مدح وثناء، وذكر لمحاسنهما، والاحتجاج بأقوالهما وأفعالهما، بل وتبرؤٌ من كل من يعاديهم أو من يتهمهم بمعاداة آل البيت فكيف يقال: إن هناك عداءً مستحكما بينهما، سبحانك هذا بهتان عظيم .