الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بناء المنهجية الشرعية

بناء المنهجية الشرعية

تتصف كثير من العلوم والمعارف بحدود طبيعية تشكل إطاراً محدداً يسهم في تحديد منهجية واضحة، وأدوات خاصة في التعامل معها، ولا يؤثر على هذه الحدود اتساع تطبيقات هذه العلوم والمعارف والتقاؤها مع احتياجات الناس.


وتبقى هذه العلوم لها أدواتها ومنهجيتها الخاصة، ويبقى المختصون وحدهم هم من يدير النقاش والحوار فيها.

إن احتياج عامة الناس إلى مسائل الطب، والتطبيقات الهندسية، والحاسوبية ونحوها... كل ذلك لم يُحوِّل هذه العلوم إلى ثقافة اجتماعية وساحة فكرية للآراء الشخصية، ولم يؤدِّ إلى أن تتجاوز مساحة الفكر والرأي تقويم الممارسات، والأفكار العامة.

وحين ننتقل إلى مجال العلوم الشرعية نجد فارقاً مهماً.

فدائرة احتياج الناس لتفصيلات الأحكام الشرعية أوسع من أي علم آخر؛ إذ كل مسلم ومسلمة يحتاجون إلى تفصيلات العديد من الأحكام الشرعية، بغضِّ النظر عن مستوى التعليم والتخصص والتدين.


كما أن تطبيقات المسائل الشرعية ليست قاصرة على العبادات وعلاقة العبد بربه فقط، بل هي تشمل مجالات حياة الناس الأسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

والأكثر تعقيداً أن القضية الواحدة يتداخل فيها الجانب الشرعي بالاجتماعي بالفكري، وليس كل الناس قادراً على الفصل بين التداخلات، وتحديد ما ينتمي لكل مجال.

ومن النتائج لهذا التداخل اختلاط الأدوات والمنهجية؛ فيتم نقاش الأحكام الشرعية من خلال أدوات فكرية، أو اجتماعية وإنسانية؛ فالمختص بالدراسات الإنسانية والاجتماعية - على سبيل المثال - يصعب عليه الانفصال من الأدوات المنهجية الخاصة بالظاهرة الاجتماعية، والتي ليست قاصرة على مجرد الممارسة العلمية البحثية فحسب، بل هي تمثل إطاراً لتفكيره ورؤيته للظواهر والمواقف.


والأمر أوسع بالنسبة للمفكر والمثقف؛ إذ هو يتعامل مع الشأن العام بدائرته الواسعة؛ لذا فهو حين يتجرد ويسعى للحق قد لا يستطيع الفصل بين أدوات معالجة القضايا الفكرية والثقافية، وأدوات البحث في المسائل الشرعية؛ فكيف حين يكون لديه هوى ظاهر أو خفي؟

ويزداد الأمر حين يضاف إلى ذلك ما يتصف به عدد من المثقفين والمفكرين من زهوٍ وشعور بأن من حقهم التحدث في كل صغيرة وكبيرة.

إن المنهجية الشرعية، وأدوات البحث في مسائل الشريعة واضحة لدى المختصين من طلاب العلم، وكثيراً ما يأتي الحديث عنها والإشارة إليها عند احتدام الجدل والنقاش في بعض قضايا الشأن العام.

لكن حين ننتقل إلى الدائرة الأوسع: المتدينين من غير طلاب العلم، والخيِّرين من المثقفين وأصحاب التخصصات الأخرى، والعامة... تختلط الأوراق، ويتعامل عدد من هؤلاء مع المسائل الشرعية من خلال أدوات ومنهجية أخرى.


وليس الإشكال في الخلاف، أو حتى في ضعف الاقتناع ببعض مواقف طلبة العلم وفتاواهم، إنما الإشكال الأكبر في ضياع المنهجية الشرعية، وفي استحداث أدوات جديدة في التعامل مع المسائل والفتاوى الشرعية.


وهذا يؤكد الحاجة إلى تأصيل المنهجية الشرعية، ولتبسيط الأدوات الشرعية لعامة الناس، لا لأجل أن يجتهدوا - فليسوا أهلاً لذلك - لكن لتكون معيناً لهم في فهم المسائل والفتاوى الشرعية، وفي إدارة النقاش والحوار حولها، ولتمثل إطاراً ومرجعية للنقاش.


ولا بد من أن يتجاوز طلبة العلم الشرعي مجرد الرد والتعقيب، أو المطالبة بألا يتحدث إلا أهل العلم؛ فالبوصلة تسير في اتجاه آخر، وقد تكون ممارسات بعض الغيورين مدعاة لرجحان الكفة الأخرى.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة