الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أوباما بين "إسرائيل" والكونجرس الأميركي

أوباما بين "إسرائيل" والكونجرس الأميركي

أوباما بين "إسرائيل" والكونجرس الأميركي

من يقرأ تصريحات إدارة أوباما على مدى الأسبوعين الماضيين يجد فجوة كبيرة بينها وبين "إسرائيل" وفجوة أخرى بينها وبين الكونجرس الأميركي. ففي لقاء أوباما نتنياهو كان واضحاً أن الرجلين لا يتحدثان لبعضهما البعض وانما يتحدثان بالتوازي.فكل منهما شرح مطولاً وجهة نظره ورؤيته للمستقبل ثم تركا للجمهور الحكم على حجم الهوة بينهما. وطوال الفترة التي تلت ذلك اللقاء اتبعت إدارة أوباما منهجاً جديداً على السياسة الأميركية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي.

فرغم حرص رموزها الشديد على انتقاء الألفاظ كلما تعلق الأمر ب"إسرائيل" والتأكيد المستمر على دعمها والحفاظ على أمنها يبدو أن إدارة أوباما قد قررت أن تدير خلافها مع "إسرائيل" في العلن وليس في السر في تلك المرحلة المبكرة للغاية من عمر الإدارة.

فباستثناء بوش الأب الذي أدار معركتي ضمانات القروض وصفقة الإف 16 للسعودية في العلن واللتين كانتا في العامين الأخيرين من ولايته الوحيدة، فإن جل الرؤساء الأميركيين قد فضلوا إدارة خلافهم مع "إسرائيل" خلف الأبواب المغلقة.

وكيفية إدارة الخلاف بين البلدين مسألة بالغة الأهمية في العلاقات الأميركية الإسرائيلية. فطالما أصرت "إسرائيل" وأنصارها في واشنطن على ضرورة أن يدار الخلاف في السر. ومن هنا فإن علانية الخلاف الحالي تثير حفيظة الكثير من الإسرائيليين الذين يعتبرونها شكلاً من أشكال المواجهة.

ومن يستمع للمؤتمر الصحافي الذي عقده أوباما مع محمود عباس يتأكد أن للهوة بين "إسرائيل" وأميركا أبعاداً متعددة. فلعل أهم ما قاله أوباما في ذلك المؤتمر هو تأكيده على محورية القضية الفلسطينية واعتبارها مفتاحاً لحل الكثير من المشكلات والأزمات التي تعانى منها المنطقة برمتها بل أكثر من ذلك ربط أوباما كل ذلك بالمصلحة الأميركية ذاتها.

فقد قال أوباما: «إن غياب السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يمثل عائقاً أمام عدد كبير من مجالات التعاون وأمام التوصل إلى استقرار دائم لشعوب المنطقة وللولايات المتحدة». وهذا النوع من الخطاب بالغ الأهمية فقد كافحت "إسرائيل" طويلاً ونجحت بالذات في عهد بوش على جعل احتلال الأرض لا علاقة له على الإطلاق بأية مشكلات في المنطقة.

ومن اللافت للانتباه أيضاً أن كلمة الإرهاب لم ترد مطلقاً على لسان أوباما طوال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع أبى مازن. حتى حين تحدث عن حماس التي تظل وفق التكييف الأميركي ضمن ما يسمى بالحركات «الإرهابية» فإن أوباما لم يتحدث إلا عن ضرورة اعترافها ب"إسرائيل".

ولعل هذه المسألة تحديداً تكشف عن حجم الهوة بين أوباما والكونجرس الأميركي أيضاً، إذ يبدو الكونجرس الذي تحكمه أغلبية ديمقراطية وكأنه لا يزال يعيش في عصر بوش الابن. فهو بفعل نفوذ إيباك، اللوبي الليكودي المناصر ل"إسرائيل"، يستخدم المنطق نفسه الذي استخدمه بوش.

فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. فمنذ المؤتمر السنوي للجنة العامة للشؤون الأميركية الإسرائيلية إيباك الذي عقد أول مايو عكف أنصار "إسرائيل" على إعداد مسودة خطاب يوقع عليه أعضاء الكونجرس ويوجه إلى أوباما بخصوص القضية الفلسطينية.

وقد كتب مسؤولو إيباك منطوق الخطاب ونجحوا في الحصول على توقيع الأعضاء عليه وتم إرساله لأوباما. وقيام إحدى جماعات المصالح بصياغة خطاب أو حتى مشروع قانون يضع عليه أعضاء الكونجرس أسماءهم مسألة مألوفة في واشنطن إلا أن الجديد هذه المرة هو أن أعضاء الكونجرس الذين تولوا الحصول على توقيع زملائهم لم يهتموا برفع اسم إيباك من على الخطاب الأصلي في إشارة بالغة الدلالة تدل على أن وجود اسم إيباك من عدمه مسألة تحصيل حاصل إذ يعلم القاصي والداني من الفاعل الأصلي وراء الخطاب!

وقد وقع على الخطاب عدد ضخم من الأعضاء وصل إلى 76 عضواً من أصل مئة في مجلس الشيوخ و329 من أصل 435 في مجلس النواب. وقد طالب الأعضاء الرئيس الأميركي بأن يدير الخلاف مع "إسرائيل" إذا ما حدث في السر لا في العلن وطالبوه أيضاً بألا تتدخل الولايات المتحدة في التفاصيل في سير المفاوضات وهو تعبير يقصد به عادة عدم الضغط على "إسرائيل".

وما لا يقل أهمية عن ذلك هو الصيغة التي يراها أولئك الأعضاء لمستقبل الصراع ومفاتيح حله. فبينما ركزت إدارة أوباما على قضية الاستيطان بينما لا تزال مواقفها من الموضوعات الأخرى غير واضحة فإن أعضاء الكونجرس قدموا صيغة تبدو فيها "إسرائيل" كالحمل الوديع الذي سوف «يخوض المخاطرة الأكبر من أجل السلام». ومن هنا يركز الأعضاء في خطابهم على المطلوب من الفلسطينيين ومن العرب فقط إذ على الفلسطينيين وقف «الإرهاب» وعلى العرب التطبيع مع "إسرائيل" ودعم «المعتدلين» الفلسطينيين. ولا يطلب الخطاب أي شيء على الإطلاق من "إسرائيل". فبمجرد أن يقوم الفلسطينيون والعرب بالمطلوب سوف يتحقق السلام!

بعبارة أخرى، فإن الكونجرس الذي يشهد انتخابات تشريعية العام القادم لا يزال يشهد هيمنة من جانب إيباك رغم وجود تيار محدود ولكن يتنامى يناهضها. فرغم أن عدد الموقعين ضخم بالفعل إلا أنه أقل بكثير من العدد التي كانت تحصل عليه إيباك عادة في مثل هذه الحملات.

ورغم أن الخطابات التي يوجهها الكونجرس للرئيس الأميركي ليست ملزمة إلا أنها تمثل ضغطاً عليه ومؤشراً على احتمالية المواجهة معه. بعبارة أخرى، فإن معركة أوباما في مواجهته مع "إسرائيل" لم تبدأ بعد إذ سوف تجيب الأيام القادمة التي سوف تشهد إعلانه عن مبادرته التفصيلية بشأن التسوية عن الكثير من الأسئلة حول طبيعة تلك المعركة وآفاقها. فهي معركة لا تدور فقط بين الإدارة و"إسرائيل" وإنما بين الإدارة والكونجرس في الوقت نفسه. لكن لعل أهم خطوات أوباما الذكية التي اتخذها تحسباً لمثل هذه المعركة هو أنه قرر أن يديرها علناً في مرحلة مبكرة للغاية من حكمه. فهي الفترة التي يتمتع فيها بشعبية كبيرة وتلك الشعبية هي الرادع الوحيد الذي يجعل أعضاء الكونجرس يفكرون أكثر من مرة قبل تحديه علناً.

ــــــــــــــــــــــ

البيان الإماراتية

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة