دعا الدكتور محمد سيد محمد إلى إنشاء مركز عالمي للإعلام بالإسلام والدعوة الإسلامية ، مؤكداً أن الواقع الثقافي المعاصر في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين الميلادي شهد طوراً جديداً من أطوار الدعوة الإسلامية يبحث عن وسائله وأدواته ومنهجه. فكيف ندعو إلى الخير، وكيف نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في ضوء الواقع المعاصر ؟! وما هو منهج الدعوة في هذا الطور الجديد ؟
وقال الأستاذ الدكتور محمد سيد محمد عميد المعهد العالي الكندي للإعلام بالقاهرة في كتابه الجديد الصادر حديثاً 2009 بعنوان: "أمة تدعو إلى الخير" عن رابطة الجامعات الإسلامية، أن المسلمين يتعرضون لهجمة ثقافية، وليس أمامنا إلا أن نتحاور بالعقل والمنطق والخطاب المستنير، وأن نحاول وأن نصبر وأن نتقدم، إن ما تدعو إليه هذه الدراسة بإيجاز شديد هو أن نتحرى كيفية الدعوة في عالمنا المعاصر.
لقد شغلت قضية الخير والشر الفلاسفة والحكماء والإنسان بصفة عامة منذ بداية الحياة البشرية، ومفهوم الخير الذي نحاول الإمساك به هو مفهوم الخير الذي جاءنا من القرآن الكريم، والذي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن تقوم فرقة منا بالدعوة إليه، مصداقاً لقوله تعالى: "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون".
وتمثل الوصايا العشر التي ورد ذكرها في التوراة، وجاءت في أواخر سورة الأنعام في القرآن الكريم قاسماً مشتركاً لمعنى الخير الذي تحتاجه البشرية ، ولذلك فقد استفاض المؤلف الدكتور محمد سيد محمد فيها في المحور الأول من الفصل الأول من كتابه الذي بين أيدينا الآن.
ويتناول المؤلف تعريف مفهوم العقيدة والدعوة والحضارة والثقافة أيضاً في الفصل الأول من الكتاب الذي وقع في 365 صفحة ويعد مرجعاً شاملاً ومهماً للمهتمين والمتخصصين في الدعوة الإسلامية والإعلام الإسلامي وحوار الحضارات والثقافات؛ ولذلك فقد حرصت رابطة الجامعات الإسلامية على نشره ضمن العدد رقم (24) من سلسلة فكر المواجهة الصادرة عنها، والتي لاقت ترحيباً واستحسانا من جميع الأوساط.
وتناول الكاتب في كتابه عدة موضوعات ، مؤكداً: أن الدعوة الإسلامية تكاد توازي مفهوم الإعلام، لأن الدعوة هي الإعلام بالإسلام والتعريف به، وهذا العمل من أعمال فرض الكفاية في الفقه الإسلامي الذي إذا لم يقم به نفر من المسلمين أثموا جميعاً.
ويمضي الدكتور محمد سيد محمد قائلاً : إن الحضارة الإسلامية هي الحضارة العربية، ذلك أن المسلمين إن جاز أن نقول عنهم أنهم خلية فالعرب هم نواة الخلية، وذلك لأن الحضارة العربية ارتبط ظهورها بانتشار الإسلام، وذلك لأنه بالمفهوم العالمي للحضارة، فإن ما أطلق عليه الدور العربي للحضارة هو ما أطلق عليه الدور الإسلامي للحضارة.
وتعرف الحضارة بأنها جملة الإنجازات الملموسة التي يقدمها مجتمع من المجتمعات خلال عهد معين في شتى مظاهر الحياة من سياسية واجتماعية وعمرانية ودينية، نتيجة لتفاعل أبناء المجتمع مع البيئة التي يعيشون فيها بشكل جديد؛ والحضارات الإسلامية وضعت الأساس الفلسفي للبناء والعمران والتنمية والتقدم.
وعالج المؤلف في الفصل الثاني وسائل الإعلام في عصر النبوة والتي اشتملت عدة مراحل منها مرحلة الكلام، ومرحلة الكتابة، ومرحلة المراسلات بل ومرحلة الجهاد.
وانتقد المؤلف في الفصل الثالث كتاب "صراع الحضارات" لصامويل هنتنجتون، وكتاب فرانسيس فوكوياما "نهاية التاريخ"، وكتاب توماس فريدمان "ليكساس وشجرة الزيتون: محاولة لفهم العولمة" واعتبرها لا تداني إطلاقاً أعمال المفكر روجيه جارودي ومؤلفاته وبخاصة كتابه الصادر عن دار الشروق في القاهرة عام 1999: "كيف نصنع المستقبل ؟" الذي لم ينل حظاً من الاحتفاء به في الإعلام العربي.
ويؤكد الدكتور محمد سيد محمد – وهو أيضاً أستاذ الصحافة والإعلام بعدد من جامعات مصر والدول العربية – أنه من باب الإنصاف أن نقول إن أصواتاً تتسم بالعدل والموضوعية صدرت في الغرب وبخاصة في ألمانيا وفرنسا لا تجنح جنوح الكتب التي أشرنا إليها في توجيه الهيمنة الأمريكية بصفة خاصة والهيمنة الغربية بصفة عامة على العالم، وإدانة المسلمين والعرب والهجوم عليهم بصفة عامة.
ويضيف بأن واجب الإنصاف يدفعني إلى القول بأن كتاب "صدام الحضارات" هذا أكثر خطورة من الكتب المماثلة له، لأنه وضع موضع التنفيذ، فقد شن الأمريكيون وأذيالهم الحرب على أفغانستان ثم على العراق، حرباً وصفها الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (الابن) بأنها صليبية.
ويستطرد المؤلف قائلاً: كما يدفعني واجب الإنصاف أيضاً أن أقول إنني استفدت كثيراً من قراءة الكتاب وترسخ في ذهني أنه لا بديل عن الوحدة العربية والوحدة الإسلامية إلا أن يكون مصيرنا هو مصير الهنود الحمر.
ويدعو المؤلف في الفصل الرابع إلى تحقيق الأمن الثقافي للبلدان الإسلامية ويتم ذلك من خلال معرفة كيفية مواجهة الغزو الثقافي، ومعرفة كيفية التفاعل والاتصال الثقافي. فالغزو الثقافي والاتصال الثقافي لا يمكن الفصل بينهما في عالمنا المعاصر فصلاً قاطعاً؛ ولم يعد في مقدور أمة في عالمنا المعاصر أن تقيم ستاراً حديدياً بينها وبين العالم، فتستغني عن الاتصال الثقافي وتتفرغ لمواجهة الغزو الثقافي وحسب.
ولابد من الوعي بطبيعة أحوالنا الثقافية المعاصرة، ولابد من التسلح بالنظرة الفاحصة الناقدة والهادئة في الوقت نفسه؛ إن التسلح بالوعي ضروري لحياتنا الثقافية بصفة عامة، وهو أكثر وأشد ضرورة لنا في مواجهة الغزو الثقافي.
لقد نهل الغرب من ثقافتنا وبنى عليها، وقدمنا له ثقافة أجداده الأولين وزدنا عليها، ولكنه جاء ينظر إلينا نظراته إلى شعوب ليس لها حظ من حضارة أو فضل عليه .. ثم أقام تعامله معنا على أساس هذه النظرة.
ويختتم الدكتور محمد سيد محمد كتابه بحديثه حول نظريته بعنوان "نظرية القافلة القاطرة" قائلاً: هناك ضرورة للعمل القوي لدفع حركة الدعوة الإسلامية والإعلام الإسلامي لتصبح مثل القاطرة التي تجر عربات القطار. وهذه رؤيتي في إنشاء مركز عالمي للإعلام بالإسلام والدعوة الإسلامية .واضعاً التصور الأشمل لهذا المركز، وقد أيد اتحاد الجامعات الإسلامية نظرياً قيام هذا المركز ، الذي نتمنى أن يرى النور ، ويكون إضافة حقيقية.