الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تواضعوا يا جماعة الخير

تواضعوا يا جماعة الخير

تواضعوا يا جماعة الخير

غريب أن يكون الماء العذب سبباً للتلوث، وأن يكون الهواء النقي مصدراً للوباء، ويكون العمل الخيري بما يحمله من نُبْل ورُقيٍّ سبباً لنمو أمراض القلوب وانحرافات السلوك.
إنها معادلة غير منطقية، لكنها قد تحدث، وحال يصعب تخيُّله، لكنَّ بعضاً يعيشه ويتلبس به.
عندما تعشعش الآفات بين الأفراد في المنظمات الربحية وتنمو المنافسة بين الأقران ويعلو صوت الأنا، فلا
أحد منَّا أن يتفهم ذلك الوضع؛ حيث المادة هي الدافع والهدف والطموح. وعندما يصطحب بعض العاملين خصالهم غير الحميدة إلى داخل المنظمات الخيرية، فهذا وَضْع يمكن تفسيره بسيادة بعض الطباع البشرية وصعوبة تغييرها، لكن أن تكون ممارسة العمل الخيري ذاتها، هي سبب نشوء بعض الأمراض القلبية، ومصدرٌ لآفات سلوكية؛ فهذا ما لا يمكن تفسيره وتقبُّله.

أولئك الذين دب في قلوبهم الغرور؛ لمنصب تولَّوه في منظمة خيرية أو غلَّف العُجب شخصيتهم لإنجاز حققوه في عالم الخير، أو نفخ الشيطان فيهم كبرياءً لعلم حصَّلوه، أو مهارة أحسنوها... أولئك لم يفقهوا فلسفة العمل الخيري على حقيقتها ولم يكتشفوا جوهر القِطاع الذي يعملون فيه، وهُمْ بهذا يقدِّمون لنا دليلاً واضحاً على ذلك.
إن العمل مع المحتاجين على اختلاف أنواعهم يرقق القلوب، والاطلاع على نوايا المحسنين وأعطياتهم يستصغر الجهود، والتعامل مع المحتسبين والمتطوعين يجلو النوايا وينقِّي الدوافع. فما بال أقوام غرَّهم منصب زائل وأغراهم إنجاز راحل وقد أحاط بهم المحتاجون والمحسنون والمتطوعون من كل جانب.
إننا - يا جماعة الخير - بعد كل نجاح نحققه ينبغي أن نركن إلى أصغر مكاتبنا مرددين بكل تواضع: {رَبِّ إنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } وأن نجلس بعد كل إنجاز تم لنا أو بنا على أقصر كراسينا ارتفاعاً منكسين رؤوسنا معترفين بالفضل لصاحب الفضل، جل وعلا.
لو كان العمل الخيري مبنىً، لكان التواضع أهم أعمدته، ولو كان التطوع سفينة، لكان التواضع شراعها، ولو كانت المنظمات الخيرية زهرة لكان جميع ألوانها التواضع.

قال الماوردي - رحمه الله -: ( وأما الإعجاب فيخفي المحاسن، ويُظهر المساوئ، ويُكسب المذامَّ، ويصدُّ عن الفضائل، وليس لِما يُكسبه الكبر من المقت حدٌّ، ولا إلى ما ينتهي إليه العُجب من الجهل غاية، حتى إنه ليطفئ من المحاسن ما انتشر، ويسلب من الفضائل ما اشتهر، ناهيك بسيئة تحبط كلَّ حَسَنة ، وبمذمة تهدم كل فضيلة ، مع ما يثيره من حَنَق ، ويُكسبه من حقد).
وقديماً قال القائد الأسبق في الاحتساب والرائد الأول في التطوع - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث مهلكات: شحُّ مطاع، وهوى متَّبع، وإعجاب المرء بنفسه".
أسأل الله العظيم أن يحمينا من العُجب والغرور والكبر وأن ينقي قلوبنا من الآفات.

___________
مجلة البيان العدد 269.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

من ذاكرة التاريخ

أبو المعالي الجويني إمام الحرمين

الإمام الجويني أحد كبار أئمة المذهب الشافعي، مجمع على إمامته متفق على غزارة علومه وتفننه فيها. قضى معظم حياته...المزيد