الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

النفاق الغربي.. ودرس لمن يفهم!

النفاق الغربي.. ودرس لمن يفهم!

النفاق الغربي.. ودرس لمن يفهم!

كشفت مواقف الدول الغربية تجاه الثورتين في تونس ومصر عن أزمة حقيقية يعيشها زعماء أوروبا وأمريكا تجاه ما يحدث من انقلاب شعبي إستراتيجي، سيترتب عليه تغيير خريطة المنطقة والعالم؛ إذ لم يُسقِط الثوار نظامين يحكمان البلدين فقط؛ وإنما أسقطوا أيضاً جانباً كبيراً من سياج الهيمنة الذي ظل مفروضاً على البلدين منذ عقود، وأربكت الثورتان قادة الغرب الذين أصبحوا عاجزين أمام انقلاب الشعبين في تونس ومصر.

لقد فقد زعماء الغرب صوابهم وانقلبواعلى أنفسهم، وفُضِحَت المواقف الغربية انتهازيةً ونفاقاً فاق كل الحدود؛ لقد ساندوا حلفاءهم حتى النهاية، وبمجرد سقوطهم تنكروا لهم وانقلبوا عليهم وزعموا أنهم مع الشعوب يناصرون الحرية.

ففي تونس ساندت فرنسا الطاغية بن علي حتى الرمق الأخير، وأعلنت الحكـومة الفرنسـية عن اسـتعدادها لتقـديم ما يلزم من أسلحة وعتاد لقمع الثورة، ولكن بمجرد فرار بن علي، وركوبه الطائرة انقلبوا عليه ومنعوا طائرته من الهبوط في الأراضي الفرنسية، وتركوه يحوم في السماء حتى تعطَّفت عليه السعودية واستقبلته على أراضيها، وفوجئنا بساركوزي الذي كان صديقاً حميماً لابن علي وقبلها بأيام استقبله بالأحضان يتملق الشعب التونسي ويتبرأ من الرئيس المخلوع ويمنعه من دخول فرنسا، ويعرض تقديم المساعدة للشعب التونسي الثائر.

وسار الأوروبيون على خطى ساركوزي وقررت الحكومات الغربية تجميد الأموال التي هرَّبها بن علي إلى الخارج، وكان الموقف الأمريكي أشدَّ نفاقاً؛ إذ أصبح بن علي الذي قدم للأمريكيين خدمات لا تقدر بثمن، وحارب الإسلامَ من أجلهم، وحوَّل بلده إلى رأس حربة ومفرزة متقدمة لمحاربة المد الإسلامي، أصبح ديكتاتوراً شريراً، وامتدح أوباما وكلينتون والقادة الأمريكيون الشعب التونسي وحيوا جميعاً الشاب محمد بوعزيزي مشعل الثورة واعتبروه رمزاً للحرية.

ولم يستوعب الرئيس المصري السابق حسني مبارك الدرس وطمأن الغرب، وعاش في وهم مفادُه: أن مصر ليست كتونس، وأن رياح الثورة التي ضربت تونس لن تصل إلى مصر، ولكن لم يمتد به الزمان طويلاً حتى قام الشعب المصري بثورته العظيمة وأطاح بفرعون مصر الذي دام حكمه 3 عقود، ويتكرر السيناريو الغربي نفسه تجاه ثورة الشعب.

بذل ساسة الغرب محاولات مضنية لانقاذ مبارك، ثم الضغط عليه للالتفاف على الثورة ونقل السلطة الى نظام حكم موالٍ، وطالبوه بالبقاء في مصر حتى آخر لحظة لنقل السلطة، ولكن فور تنحيه بقرار من الجيش تحول مبارك (أقرب الحلفاء في نظر الغرب) إلى ديكتاتورٍ ورمزٍ للفساد، وتحوَّل الشعب المصري إلى بطل، وأنه «يكتب التاريخ»، وقال أوباما: إن المصريين أثبتوا «قوة الكرامة الإنسانية». وجمَّدت سويسرا حساباته البالغة أكثر من 3 مليارات دولار وأعلنت الدول الأوروبية استعدادها لتجميد الأموال المهربة وردِّها إلى مصر.

هذا النفاق الغربي وخيانة أمريكا وأوروبا لأقرب حلفائهم يؤكد أنهم انتهازيون يبحثون عن مصالحهم، وأنهم أول من يتنكر للحكام الذين يخونون شعوبهم؛ فمثلهم والحكام العملاء {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إذْ قَالَ لِلإنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ} [الحشر:16] ليس لهم صديق مقرب ولا حليف حميم، ولديهم القدرة على التلوُّن في الساعة الواحدة بين موقف ونقيضـه، والانقلاب على ما يدَّعونه من مبادئ زائفة والتنكر لما يعلنونه من قيم كاذبة.

وهذا النفاق الغربي بقدر ما يفضح أمريكا وحلفاءها الأوروبيين فإنه يقدم دروساً مفيدة للحكام في العالم الإسلامي الذين قد يفهمون هذه الدروس التي أهمها ما يلي:

• أن الغرب ليس له صاحب أو صديق، وأي حاكم يحارب الله ورسوله ويخون شعبه من أجل أمريكا والدول الأوروبية؛ فإنه كمن يتعلق بزبد البحر.

• لم تعد خزائن الغرب آمنة لتهريب أموال الشعوب وسوف تجري مصادرتها، وستتحول الأموال المسروقة إلى حسرة وندامة تجلب العار والمحاكمة؛ ولذلك من الأولى أن يتوقف الحكام اللصوص عن السرقة ويهتموا بتنمية بلادهم.

• من يبيعون أوطانهم للغرب لن يحصدوا غير الندامة، ولن يجدوا ملاذاً آمناً هناك؛ إذ ثبت أن الغربيين يتبرؤون من هؤلاء العملاء ويديرون لهم ظهورهم ويرفضون دخول الطغاة العملاء إلى بلادهم حتى ولو كانوا يملكون قصوراً وعقارات في هذه الدول.

• من يطغى ويستبد تضيق عليه الأرض بما رحبت، ولن يجد مأوى إلا بشق الأنفس أو الاختباء كالجرذان المذعورة وانتظار الموت رعباً وخوفاً.

• من يضعون أموالهم في دول الغرب عليهم أن يسحبوها بأنفسهم ويعيدوها إلى بلادهم؛ لأنهم لن يستفيدوا منها ومصيرها الضياع.

إن على الحكام المستبدين في العالم الإسلامي استيعاب الدروس من الثورتين التونسية والمصرية، والتوبة عن النهج الخاطئ، وعليهم الإسراع بالكفر بالغرب والعودة إلى الإيمان بالله والتمسك بالثوابت التي ضيعوها، فليس لهم ملجأ من الله إلا إليه، فالعاقل من يعي الدرس ويسرع بالنجاة ويبتعد عن طريق التهلكة الذي سار فيه بن علي وحسني مبارك، فلا زالت هناك فرصة ومتسع من الوقت.

إننا أمام ريح ربانية تعيد تشكيل العالم، وتسقط أركان الباطل، وما رأيناه ما هو إلا تصريفٌ فوق تصور البشر، وآيات وعبر لمن يعتبر، فاعتبروا يا أولي الألباب.

أما من لا يريد أن يفهم ولايريد أن يستوعب، فهو كمن يرى الإعصار المدمر يسرع نحوه ولا يريد أن يتحرك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عامر عبدالمنعم (البيان:284)

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة