الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

فتح مصر

فتح مصر

فتح مصر

كانت مصر قبيل الفتح إحدى الولايات التابعة للدولة الرومانية ، استولى عليها الروم سنة 40 قبل الميلاد ، فجعلوها تمدهم بما يحتاجون إليه من الغلال ، وأغلقت أمام سكان مصر الأصليين أبواب المناصب العالية ، وزادت عليهم الضرائب زيادة كبيرة شملت كل إنسان في مصر حتى وصل الظلم إلى إلزام الشعب بأن يقوم بغذاء الجنود الروم المارين والمستقرين بمصر كلهم ، حتى تمنى المصريون الخلاص من الروم .

ولما وصل عمر بن الخطاب إلى الجابية قرب دمشق سنة 18هـ قال له عمرو بن العاص : ائذن لي في المسير إلى مصر ؛ إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعوناً لهم . وتردد عمر في الأمر خوفاً على المسلمين أن يصيبهم الإرهاق من كثرة الحروب المتواصلة وقد فرغوا قريباً من فتوحات الشام ، وخشية من التوسع في الفتح دون أن ترسخ أقدام المسلمين وينشروا دينهم في البلاد المفتوحة لكن عمرو بن العاص لم يزل يراجع ابن الخطاب حتى أقنعه بغزو مصر ، ثم إن عمر بن الخطاب أرسل لعمرو بن العاص كتابا مفاده :
إن أدركك كتابي قبل أن تدخل مصر أو شيئاً من أرضها فانصرف ، وإن دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فامض لوجهك ، واستعن بالله واستنصره .

وسار عمرو إلى مصر عابراً فلسطين من شمالها إلى جنوبها ، وفي رفح وصله كتاب أمير المؤمنين ، فلم يتسلمه من حامله ، حتى شارف العريش ، فأخذ الكتاب ، وقرأه على أصحابه ، فإذا عمر يأمره فيه بالانصراف إن لم يكن قد دخل أرض مصر ، ولكن عَمْراً الآن في أرض مصر ، فأمر الجيش بالمسير على بركة الله . اخترق الجيش سيناء سنة : 18هـ ، ففتح العريش من غير مقاومة تذكر ؛ لأن حصونها لم تكن من المتانة لتصمد في وجه المسلمين المجاهدين زمناً طويلاً، ولعدم وجود حامية رومية بها .

ثم غادر عمرو العريش ، سالكاً الطريق الذي سلكه في تجارته إلى مصر . ولم يشتبك عمرو مع جند الروم في قتال حتى وصل إلى مدينة الفرما ذات الحصون القوية ، فحاصرها المسلمون أكثر من شهر ، وتم الفتح في أول شهر المحرم 19للهجرة ، وسار عمرو بعد ذلك حتى وصل بلبيس فوجدها محصنة ، وفيها أرطبون الروم ، وقد فرّ من فلسطين قبيل تسليم بيت المقدس ، وخلال شهر من الحصار والاشتباكات فتحت المدينة ، وكانت بها ابنة المقوقس أرمانوسة ، فأرسلها عمرو إلى أبيها معززة مكرمة . وطلب عمرو المدد من أمير المؤمنين ، فأرسل له أربعة آلآف مجاهد ، وعلى رأسهم : الزبير بن العوام ، والمقداد بن عمرو ، وعبادة بن الصامت ، ومسلمة بن مخلد ، وكتب إليه : ( إني قد أمددتك بأربعة آلآف ، على كل ألف رجل منهم مقام الألف .. ) .

وصل هذا المدد بقيادة الزبير إلى عين شمس فسار عمرو لاستقباله ، ولكن تيودور قائد الروم تقدم في عشرين ألفاً ليضرب المسلمين ضربة قاصمة قبل وصول المدد ، ولكن عمراً تنبه للأمر فوضع كميناً في الجبل الأحمر وآخر على النيل ، ولاقاه ببقية الجيش ، ولما نشب القتال بين الفريقين خرج الكمين الذي كان في الجبل الأحمر وانقض على الروم ، فاختل نظامهم ، واضطرب تيودور فتراجع لينظم قواته ، فقابله الكمين الذي كان بقرب النيل ، فأصبح تيودور وجيشه بين جيوش المسلمين من ثلاث جهات ، فحلت به الهزيمة ، فركب بعضهم في النيل وفر إلى حيث لايرى ، وفر قسم كبير منهم إلى حصن بابليون فقويت الحامية في هذا الحصن . لم يبق أمام عمرو إلا حصن بابليون ،فإن فتح فتحت مصركلها ، ولكن الحصار طال وتأخر الفتح سنتين ، وما ذاك إلا بسبب : قلة عدد المسلمين (8004 رجل ) ، ومتانة أسوار حصن بابليون ، وتجمع الآلآف من جند الروم به ، وقلة معدات الحصار مع الجند المسلمين ، مع فيضان النيل .

وطلب المقوقس من عمرو رجالاً يتحادث معهم من المسلمين فأرسل إليه وفداً بقيادة عبادة بن الصامت ، وأبقى عمرو رسل المقوقس عنده يومين وليلتين حتى يطلعوا على أحوال جند المسلمين فيخبروا بذلك من وراءهم ، ثم ردهم عارضاً عليهم الإسلام أو الجزية أو القتال . أما الزبير بن العوام فقال للمسلمين : إني أهب نفسي لله تعالى ، وأرجو أن يفتح الله بذلك للمسلمين . فوضع سلما ً إلى جانب الحصن ثم صعد ، وأمرهم إذا سمعوا تكبيرة يجيبونه جميعاً ، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ، ومعه السيف ، وقد عصب رأسه بعمامة صفراء علامة حب الموت أوالنصر .

وقفز الزبير داخل الحصن ، وتحامل الناس على السلم حتى نهاهم عمرو خوفاً أن ينكسر السلم ، ومن داخل الحصن كبر الزبير تكبيرة ، وأجابه المسلمون بالتكبير بصوت واحد ، فارتبك أهل الحصن وظنوا أن المسلمين قد دخلوا ، واستطاع الزبير أن يفتح الباب ، واقتحم المسلمون الحصن ، وامتلكوا بذلك مفتاح مصر . ولما خاف المقوقس على نفسه ومن معه سأل عمرو بن العاص الصلح ودعاه إليه ، فأجابه عمرو إلى ذلك . وكان فتح مصر يوم الجمعة مستهل المحرم سنة عشرين من الهجرة ؛ والذي بسببه انتشر الإسلام في شمال إفريقيا
.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

ثقافة و فكر

من وظائف الأدب

كان ولا يزال للأدب دور محوري في حياة الشعوب، فالأدب أحد أعمدة البناء في المجتمعات كلها، فقد عرف الإنسان الحداء،...المزيد