الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضريبة الذل

ضريبة الذل

ضريبة الذل

بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة لا تطاق، فتختار الذل والمهانة، هربا من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة رخيصة، مفزعة قلقة، تخاف من ظلها، وتفرق من صداها، يحسبون كل صيحة عليهم، ولتجدنهم أحرص الناس على حياة.

هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة.
إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيرا ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.

وإنهم ليحسبون أنهم ينالون في مقابل الكرامة التي يبذلونها قربى ذوي الجاه والسلطان حين يؤدون إليهم ضريبة الذل وهم صاغرون.

ولكن كم من تجربة انكشفت عن نبذ الأذلاء نبذ النواة بأيدي سادتهم الذين عبدوهم من دون الله .

كم من رجل باع رجولته، ومرغ خديه في الثرى تحت أقدام السادة، وخنع وخضع وضحى بكل مقومات الحياة الإنسانية وبكل المقدسات التي عرفتها البشرية، وبكل الأمانات التي أناطها الله به أو أناطها به الناس.... ثم في النهاية إذا هو رخيص رخيص، هين هين، حتى على السادة الذين استخدموه، السادة الذين لهث في إثرهم، ووصوص بذنبه لهم، ومرغ نفسه في الوحل ليحوز منهم الرضا!!

كم من رجل كان يملك أن يكون شريفا، وأن يكون كريما، وأن يصون أمانة الله بين يديه ويحافظ على كرامة الحق وكرامة الإنسانية، وكان في موقفه هذا مرهوب الجانب، لا يملك له أحد شيئا ، حتى الذين لا يريدون له أن يرعى الأمانة ، وأن يحرس الحق وأن يستعز بالكرامة.. فلما خان الأمانة التي بين يديه، والضعف عن تكاليف الكرامة، وتجرد من عزة الحق، هان على الذين كانوا يهابونه، وذل عند من كانوا يرهبون الحق الذي هو حارسه، ورخص عند الذين كانوا يحاولون شراءه، رخص حتى أعرضوا عن شرائه ثم نبذ كما تنبذ الجيفة، وركلته الأقدام، أقدام الذين كانوا يعدونه ويمنونه، يوم كان له من الحق جاه ومن الكرامة هيبة، ومن الأمانة ملاذ.

كثير هم الذين يهوون من القمة إلى السفح، لا يرحمهم أحد، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يسير في جنازتهم أحد، حتى السادة الذين في سبيلهم هووا من قمة الكرامة إلى سفوح الذل، ومن عزة الحق إلى مهاوي الضلال.

ومع تكاثر العظات والتجارب، فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية: ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس والأمانة والكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب.. ثم تهوي، وتنزوي هنالك في السفح خانعة مهينة.

لقد كان في وسعهم أن يكونوا أحرارا، ولكنهم اختاروا العبودية.. وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، ولكنهم اختاروا التخاذل.. وفي إمكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب، ولكنهم اختاروا الجبن والمهانة... شاهدتهم يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهما، فإذا هم يؤدون للذل دينارا أو قنطارا. ينظر إليهم الناس في شماتة، وينظر إليهم السادة في احتقار.
ــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب دراسات إسلامية (بتصرف يسير)

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

قضايا شبابية

أفشوا السلام بينكم

إفشاء السلام بين المسلمين سبب من أسباب التآلف ومفتاح استجلاب المودة، والمقصود بإفشاء السلام نشره والإكثار منه،...المزيد