الكاف واللام والميم في اللغة تدل على أصلين: أحدهما: يدل على نطق مفهم. والآخر: على جراح. فالأول: الكلام، تقول: كلمته أكلمه تكليماً; وهو كليمي، إذا كلمك، أو كلمته. ثم إن العرب توسعت في هذا، فسمت اللفظة الواحدة المفهمة كلمة، والقصة كلمة، والقصيدة بطولها كلمة. وجمع الكلمة: كلمات وكَلِم. والكلمات يقال لما يحصره العدد، وهو إلى القليل أقرب. والكلام عند أهل اللغة يقع على المفيد، وغير المفيد، وأما عند النحويين فلا يطلقونه إلا على المفيد، فإن أوقعوه على غير المفيد قيدوه بصفة، فقالوا: كلام مهمل، وكلام متروك، وكلام غير مستعمل، وكلام غير مفيد. والكلمة: عند أهل اللغة تقع على القليل والكثير، ويدل على ذلك قولهم: قال فلان في كلمته، يريدون في قصيدته، أو رسالته، أو خطبته.
والأصل الآخر: الكَلْم، وهو الجرح; والكلام: الجراحات، وجمع الكَلْم كلوم، وكِلام. ورجل كليم وقوم كلمى، أي: جرحى، ومنه قراءة أبي زرعة بن عمرو: (أخرجنا لهم دابة من الأرض تُكْلِمُهم) (النمل:82)، أي: تجرحهم. وفي الحديث قوله صلى الله عليه سلم: (ما من مكلوم يُكْلَمُ في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة وكَلْمُه يَدْمَى، اللون لون دم، والريح ريح مسك) متفق عليه.
ولفظ (الكلمة) بالمعنى الأول ورد في القرآن الكريم في خمسة وسبعين موضعاً، جاء في واحد وخمسين منها بصيغة الاسم، من ذلك قوله تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} (الأنعام:115)، وجاء في أربع وعشرين موضعاً بصيغة الفعل من ذلك قول الله عز وجل: {ولا يكلمهم الله يوم القيامة} (البقرة:174). ولم يرد لفظ (كلم) بمعنى الجرح في القرآن الكريم.
ولفظ (الكلمة) ورد في القرآن الكريم على عدة معان، من ذلك:
(الكلمة) بمعنى كلام الله سبحانه أجمع من أمر ونهي وخبر، من ذلك قوله تعالى: {يسمعون كلام الله ثم يحرفونه} (البقرة:75)، أي: يحرفون ما أمرهم الله به، ونهاهم عنه. ومنه قوله سبحانه: {وكلم الله موسى تكليما} (النساء:164). ونحوه أيضاً قوله عز وجل: {يؤمن بالله وكلماته} (الأعراف:158).
(الكلمة) بمعنى القرآن الكريم، من ذلك قوله تعالى: {وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله} (التوبة:6)، أي: أجره حتى يسمع القرآن، تقرؤه عليه، وتذكر له شيئاً من أمر الدين، تقيم عليه به حجة الله.
(الكلمة) بمعنى وعد الله سبحانه، من ذلك قوله عز وجل: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} (الفتح:15)، أي: يريدون أن يغيروا وعد الله الذي وعد أهل الحديبية؛ وذلك أن الله جعل غنائم خيبر لهم، ووعدهم ذلك عوضاً من غنائم أهل مكة، إذا انصرفوا عنهم على صلح، ولم يصيبوا منهم شيئاً. ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {ولا مبدل لكلمات الله} (الأنعام:34)، أي: لا مبدل لما أنزل الله إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، من وعده إياه النصر على من خالفه وضاده، والظفر على من تولى عنه وأدبر.
(الكلمة) بمعنى شرع الله الذي شرعه لعباده، وهو إما خبر صدق، وإما طلب عدل إن كان أمراً أو نهياً، من ذلك قوله سبحانه: {لا مبدل لكلماته} (الأنعام:115)، أي: لا مبدل لما شرعه لعباده بما فيه من صلاح الدين والدنيا. ومن ذلك هذه الآية الكريمة: {وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات} (البقرة:124)، أي: ابتلاه بما شرعه له من الأحكام.
(الكلمة) بمعنى علمه سبحانه وحكمه، من ذلك قوله تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} (الكهف:109)، قال البغوي: أي: علمه وحكمه. ونحوه قوله سبحانه: {ما نفدت كلمات الله} (لقمان:27). وقال ابن عباس رضي الله عنهما: الكلمات هنا: المواعظ.
(الكلمة) بمعنى دين الله وتوحيده وقول لا إله إلا الله، من ذلك قوله تعالى: {وكلمة الله هي العليا} (التوبة:40).
(الكلمة) بمعنى البشارة بعيسى عليه السلام، من ذلك قوله تعالى: {أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله} (آل عمران:39)، قال الطبري: إن الملائكة بشرت مريم بعيسى عن الله عز وجل برسالته وكلمته التي أمرها أن تلقيها إليها: أن الله خالق منها ولداً من غير بعل ولا فحل. وقوله سبحانه: {إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم} (النساء:171). يعني: بشرى الله مريم بعيسى، ألقاها إليها. ونحوه قوله عز وجل: {إن الله يبشرك بكلمة منه} (آل عمران:45)، يعني برسالة من الله وخبر من عنده. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (الكلمة) هي عيسى. وقيل: (الكلمة) ها هنا بمعنى الآية.
(الكلمة) بمعنى القضية، من ذلك قوله تعالى: {وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا} (الأنعام:115)، فـ (الكلمة) هنا القضية، وكل قضية تسمى كلمة، سواء كان ذلك مقالاً أو فعالاً، ووصفها بـ (الصدق)؛ لأنه يقال: قول صِدْقٌ، وفعل صِدْقٌ. وقيل: الكلمة هي القرآن.
(الكلمة) بمعنى الحجة والبرهان، من ذلك قوله تعالى: {ويحق الله الحق بكلماته} (يونس:82)، ونحوه قوله سبحانه: {ويحق الحق بكلماته } (الشورى:24)، أي: بحججه التي جعلها لكم عليهم سلطاناً مبيناً.
(الكلمة) بمعنى الحكم والقضاء، من ذلك قوله تعالى: {ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى} (طه:129)، إشارة إلى ما سبق من حكمه وقضائه سبحانه.
(الكلمة) بمعنى التوراة، من ذلك قوله تعالى: {يحرفون الكلم عن مواضعه} (النساء:46)، عن مجاهد قال: تبديل اليهود التوراة. ونحوه قوله عز وجل: {يحرفون الكلم من بعد مواضعه} (المائدة:41)، يعني: تغييرهم حكم الله تعالى الذي أنزله في التوراة في المحصنات والمحصنين من الزناة بالرجم إلى الجلد والتحميم.
وقوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات} (البقرة:37)، قال المفسرون: الكلمات التي تلقاها آدم عليه السلام من ربه هي قوله تعالى: {ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} (البقرة:23). وقيل المراد بـ (الكلمات) في الآية: الأمانة المعروضة على السماوات والأرض، المشار إليها في قوله سبحانه: {إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال} (الأحزاب:72).
وقوله تعالى: {وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا} (الأعراف:137)، قيل: هذه الكلمة هي قوله سبحانه: {ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} (القصص:5).
وقوله تعالى: {وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله} (البقرة:118)، أي: لولا يكلمنا الله مواجهة، وذلك نحو قوله تعالى: {يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة} (النساء:153).
وقد قال العلماء: مكالمة الله تعالى العبد على ضَرْبين: أحدهما في الدنيا، والثاني في الآخرة؛ فأما في الدنيا فعلى ما نبه عليه بقوله سبحانه: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا} (الشورى:51)، وأما في الآخرة فثواب للمؤمنين وكرامة لهم، تخفى عليهم كيفيته.
- الكاتب:
إسلام ويب - التصنيف:
ألفاظ قرآنية