جاء في صيام النبي صلى الله عليه وسلم لشهر شعبان عدد من الأحاديث، منها: ما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أر النبي -صلى الله عليه وسلم- صائماً من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلا.
فما وجه الجمع بين قولها: (كان يصوم شعبان كله)، وبين قولها: (كان يصوم شعبان إلا قليلا)؟.
يمكن إجمال كلام أهل العلم في التوفيق بين الحديثين في وجهين:
الوجه الأول:
أن العبارة الثانية (إلا قليلا) تفسير للعبارة الأولى (كله)، وأن المقصود أنه كان يصوم معظمه لا كلَّه، وهو أسلوب عربي معروف، فقد نقل عن ابن المبارك أنه قال: جائز في كلام العرب إذا صام أكثر الشهر أن يقول: صام الشهر كله، فيكون من باب المجاز، والقرينة المانعة من استعمال الكل على الحقيقة، هي الروايات التي صحت في نفي استكماله لصيام شهر غير شهر رمضان.
وقيل المراد بقولها (كله) أنه كان يصوم من أوله تارة ومن آخره أخرى ومن أثنائه طورا فلا يخلي شيئا منه من صيام ولا يخص بعضه بصيام دون بعض.
وعلى هذا؛ فلا يشرع صيام شعبان كله، ولكن يسن صيام أكثره، وقد كان ابن عباس يكره أن يصوم شهراً كاملاً غير رمضان، وروى عبد الرزاق في كتابه عن ابن جريج عن عطاء قال : كان ابن عباس ينهى عن صيام الشهر كاملا ويقول : ليصمه إلا أياما.
الوجه الثاني:
أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم أحيانا معظمه، وربما أتمه كله حينا آخر، فلم يكن يداوم على إكمال صيامه كله، لدفع توهم وجوبه كشهر رمضان.
قال الحافظ: والأول هو الصواب، (أن المقصود صيام أكثره) ويؤيده رواية عبد الله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عنها عند النسائي ولفظه : ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان.
ويدل لهذا روايات كثيرة منها:
ما رواه البخاري عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : ما صام النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل لا والله لا يفطر ويفطر حتى يقول القائل لا والله لا يصوم.
وما رواه مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ولا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا صلى ليلة إلى الصبح ، ولا صام شهرا كاملا غير رمضان.
وبهذا يزول التعارض الظاهر بين الروايات، وينتظم المعنى على قولين، أحدهما جواز صيام شعبان كله، والثاني شرعية صيام معظمه، وهو الراجح الذي ذهب إليه أكثر شراح الحديث، كالنووي وابن حجر وغيرهما.