الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحاديث تفضيل مؤمني آخر الزمان

أحاديث تفضيل مؤمني آخر الزمان

أحاديث تفضيل مؤمني آخر الزمان

مما استقر في نفوس المسلمين قديماً وحديثاً تعظيم الصحابة وفضلهم على من سواهم؛ لنيلهم شرف الصحبة والسابقة إلى الإسلام ونصرته والدفاع عنه، فلا غرابة أن يكونوا هم خير الناس وأفضلهم، فهل هذا الفضل من حيث المجموع والكلية أم من حيث الجميع والكل؛ إذ قد ورد ما يدل ظاهره على تفضيلٍ مؤمني آخر الزمن على الصحابة فكيف الجمع بين هذه الأحاديث؟

في البخاري ومسلم عن أبى سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا أحدا من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه).

فهذا الحديث وغيره يدل على سبق الصحابة لمن بعدهم بحيث لا يقدر أحدهم على إدراك فضلهم، فقليل العمل من أحدهم بسابقته لا يساويه العمل الكثير من غيرهم ولا يقاربه فما عمل من بعدهم بعمل إلا تحصَّل لأحدهم مثل أجر ذلك العامل؛ لكونهم هم من بلغوا هذا الدين، وجاهدوا في سبيل بقائه.

ويدل عليه أحاديث أخرى في تفضيلهم على من بعدهم مثل ما ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خير أمتى القرن الذين يلوني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته).

فكيف الجمع بين هذا وبين ما ورد من الأحاديث التي يدل ظاهرها على تفضيل مؤمني آخر الزمن على الصحابة؟

فقد روى ابن حبان وأبو داود والترمذي وغيرهم –وصححه الألباني- عن أبي ثعلبة الخشني –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله وزادني غيره قال : يا رسول الله ، أجر خمسين منهم ؟ قال : (أجر خمسين منكم).

وحديث: رواه الترمذي –وصححه الألباني- عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره) قال ابن حجر: وهو حديث حسن له طرق قد يرتقي بها إلى الصحة.

قال ابن حجر: والجمع بين مختلف الأحاديث في هذا الباب متجه على أن حديث (للعامل منهم أجر خمسين منكم) لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة؛ لان مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة، وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل فأما ما فاز به من شاهد النبي -صلى الله عليه و سلم- من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد فبهذه الطريق يمكن تأويل الأحاديث المتقدمة.

وأما حديث (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره)، فقد أجاب عنه النووي بما حاصله: أن المراد من يشتبه عليه الحال في ذلك من أهل الزمان الذين يدركون عيسى بن مريم -عليه السلام- ويرون في زمانه من الخير والبركة وانتظام كلمة الإسلام ودحض كلمة الكفر فيشتبه الحال على من شاهد ذلك أي الزمانين خير، وهذا الاشتباه مندفع بصريح قوله صلى الله عليه وسلم: (خير القرون قرني)، والله اعلم.

على أن من أهل العلم من ذهب إلى أن تفضيل الصحابة على من بعدهم إنما هو من حيث المجموع، وعليه فقد يفضل بعض أفراد من بعدهم على بعضهم ونصر هذا القول ابن عبد البر والقرطبي وغيرهما واستثنى ابن عبد البر أهل بدر والحديبية، واحتج بظواهر بعض هذه الأحاديث التي تقدمت.

ومما احتج به أيضا ما رواه أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: يا رسول الله: أأحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: (قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني) وإسناده حسن وقد صححه الحاكم، ولكن هذا الحديث روي بلفظ آخر، فرواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم ورواه بعضهم بلفظ "قلنا: يا رسول الله هل من قوم أعظم منا اجرا؟" وإسناد هذه الرواية أقوى من إسناد الرواية المتقدمة فيحمل على زيادة الأجر وهي لا تعني الأفضلية كما تقدم وبهذا تأتلف النصوص وتجتمع دلالتها.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة