الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العنقود في بيان الأدلة على واجب الوجود (2)

  • الكاتب:
  • التصنيف:تعزيز اليقين

العنقود في بيان الأدلة على واجب الوجود (2)

العنقود في بيان الأدلة على واجب الوجود (2)

الذي أتقن كل شيء

ونستمرّ في عرض الدلائل النوريّة على وجود الله تعالى، تلك الأنوار البهيّة التي لا يراها أهل الإلحاد بغشاوةٍ ملتصقةٍ بالعيون، تأخذهم الحياة بملذّاتها حتى لا يكادون يتفكرّون في كونٍ، أو يتدبّرون في أنفسهم أو من حولهم !! { وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون } ( يوسف : 105).

إنّ من أبصر هذا الكون بعينِ المتأمّل الملاحظ، ليرى الإتقان في كل شيء حوله، بادياً ظاهراً، يقول له : " ويحك آمن !! "

برهان التصميم l'argument de la conception، من أشهر البراهين على وجود الله تعالى، وأبسطها، تستوعيها العقول بيسرٍ، ولا تحير فيها أو في استكشافها، وقد أرشد إليها القرآن الكريم بقوله : { صنع الله الذي أتقن كل شيء } ( النمل : 88)، وقوله تعالى : { الذي خلق سبع سماوات طباقا ماترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور } ( الملك : 3)

يقول سيد قطب : " سبحانه! يتجلى إتقان صنعته في كل شيء في هذا الوجود. فلا فلتة ولا مصادفة، ولا ثغرة ولا نقص، ولا تفاوت ولا نسيان. ويتدبر المتدبر كل آثار الصنعة المعجزة، فلا يعثر على خلة واحدة متروكة بلا تقدير ولا حساب. في الصغير والكبير، والجليل والحقير. فكل شيء بتدبير وتقدير، يدير الرؤوس التي تتابعه وتتملاه. " -1- .

العلم والعقل يقرّان بالإتقان
ألم تسأل نفسك أيها الملحد سؤالا ؟ هذه السماء وما تحتويه من بلايين النجوم والأجرام والكواكب، كلها في حركةٍ دائمةٍ لا تتوقّف، كيف لها ألا يصدم بعضها بعضاً ؟ أو يرتطم نجمٌ بكوكب الأرض فيجعلها حطاماً في ثوانٍ ؟

إنه الإتقان أيها الملحد، فالكون كلّه خاضعٌ لقوانين محكمةٍ متقنةٍ لا سبيل إلى الفوضى فيها، فهذه الأرض التي نعيش عليها بما فيها من مخلوقاتٍ، وبحارٍ وجبالٍ، وهواءٍ لهي من البراهين على وجود الله تعالى الذي أتقن كل شيءٍ.

يقول كريسي موريسون : " إن حجم الكرة الأرضية، وبعدها عن الشمس، ودرجة حرارة الشمس، وأشعتها الباعثة للحياة، وسُمك قشرة الأرض، وكمية الماء، ومقدار ثاني أوكسيد الكربون، وحجم النيتروجين، وظهور الإنسان وبقاءه على قيد الحياة، كل أولاء تدل على خروج النظام من الفوضى وعلى التصميم والقصد " -2-

هب أنّك أردتَ سيّارةً مصنوعةً بإتقان، لا غلط فيها ولا اضطراب، تعمل بإحكام دون خللٍ؛ فذهبتَ عند شركةٍ تطلب طلبك، فلبّوا وزوّدوك بسيّارة أحلامك، فكيف ستنظر إلى صانعها ؟

لا شكّ أنك ستنظر إليه بعين الرضا والإعجاب، والاحترام والانبهار، فما بالك بمن خلقك أنت ؟ وخلق الكون من حولك ؟ ألا تشكره وتعبده ؟

فالإتقان عقلا لا يأتي إلا من حكيم قادر، ولا يُعقل أن يكون هذا التصميم من نتاج العبث، الذي لا ينتج إلا عبثاً وفوضىً !

أنظر في نفسك، وكيف أنك تأكل وتشرب، فتمرّ عبر الجهاز الهضميّ، ثم يُأخذ النّافع ويطرح الضارّ، ثم يضخّ القلب الدم في إلى جميع جسمك، بواسطة الشرايين، ثم عودته إلى القلب مرّةً أخرى، وكيف أن رئتيك تضخّ الأكسوجين وتطرح ثاني أكسيد الكربون، وكيف يصل كل ذلك إلى الأعضاء، وكيف تكون العلاقات بين تلك الأجهزة القائمة على التّكامل، وكيف أن الجسم له جنودٌ من الكريّات البيضاء تُعلن النّفير العامّ بمجرّد اقتحام عدوٍّ يضرّ بالجسم ؟!!

وكيف أنّك تفكّر ؟ وتجري وتلعب ؟ وكيفيّة تسهيل الحركة، ودور المفاصل في ذلك، والعظام التي تحفظ القوام، وغير ذلك الكثير ..

كل ذلك في إتقانٍ وإحكامٍ في غاية الجمال، فليتَ شعري كيف تذهل عن هذه الحقائق ؟ وتؤمن بعده بأن لا خالق ؟

أو لم ترَ كيف أنّ النحل يعيش في مستعمراتٍ بدقّةٍ عالية، ويقسّم الأدوار بين أفراد مستعمرته بإحكام بالغٍ، وكيف يخرج منها عسلٌ لذيذٌ بفوائد ؟ وكيف بيّن العلماء أن النحل ما يصنع خليته على شكل سداسي إلا لكي يستغل المساحة كاملة بأقلّ تكلفةٍ من الشمع !!! وكيف أن النحل لا يحتاج إلى تدريب بل يكون على استعداد تامّ للقيام بمهمته دون سبق تعلّم ؟ { وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون * ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون } ( النحل : 68-69).

وكيف تدور الأرض حول الشمس بإتقان يؤدي إلى تعاقب الفصول، في إحكامٍ فلا يخرج كوكبٌ عن مساره، ولا يصطدم القمر بالأرض أو العكس !!

وكيف أن الله تعالى خلق المخلوقات مختلفةً زاهية الألوان، جميلةً، كل واحدةً لها دورها في الحياة؟

إنّ كلّ ذلك هو الإتقان الذي أخبر الله به الناس في قرآنه، وأرشدهم إلى التأمل في هذا الكون، ليتعرفوا من خلاله على الحق الأبلج، فهذا الكون شاهدٌ على وجود الله تعالى، جميلٌ بديعٌ متقنٌ، فكيف بعد ذلك أيها الإنسان ستكفر ؟

هوامش المقال
1- في ظلال القرآن، تفسير الآية 88 من سور النمل .
2- عن كتاب الإنسان لا يقوم وحده، ص :193 .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة