الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معالم الفكر الإسلامي ضوابطه وخصائصه

معالم الفكر الإسلامي ضوابطه وخصائصه

 معالم الفكر الإسلامي ضوابطه وخصائصه

الفكر هو عملية بذل الجهد العقلي في أمر للوصَول إلى معرفته، والتفَكُّر هو الوعي ومعاودة التدبر في دلالة الأدلة على الحقائق، وقد جاءت مادة الفِكْرِ والتفَكُّر في القرآن الكريم بألفاظ كثيرة كالتدبّر والاعتبار، والنظر والتعقل، قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: 24).

تبدأ عملية التربية بكافة أشكالها في الإسلام مع الإنسان منذ ولادته، وتستمر معه في جميع مراحل حياته، وتعنى ببناء الفرد، وتلبية حاجاته الجسدية، وتكوين أفكاره، ثم الوقوف على حاجات المجتمع وقيمه، وهما جانبان مهمان بهما يكون الإنسان جزءاً من منظومة فكرية سليمة، ويكون فاعلاً في مجتمعه الذي يعيش فيه، ومن خلاله يبني علاقاته مع المجتمعات الأخرى.

وثمرة الفكر هي العلوم والأحوال والأعمال، والفكر هو المفتاح للخيرات كله، فهو أفضل من جملة الأعمال، وعلاقة الفكر بالتربية علاقة قديمة، فقد عُرفت في تاريخنا الإسلامي نماذج من العطاء الفكري في كافة أنواع العلوم والميادين، والأمثلة أكثر من أن تحصى، نذكر منها ما كتبه الماوردي في كتابه الرائع أدب الدنيا والدين، حول السياسة الشرعية والفكر السياسي والتربوي، والغزالي في إحياء علوم الدين، وابن خلدون حول الفكر الاجتماعي والعمران البشري. وغيرهم الكثير والكثير.

وقد كتب كثير من العلماء قديماً وحديثاً حول موضوع الفكر، بل إن تراثنا الإسلامي منذ عهد النبوة مليء بآراء العلماء وأفكارهم النيرة في هذا الباب، وذلك مبثوث في كتب التفسير والفقه والحديث، وغيره، ولا شك أن تتبع تاريخ الفكر كان ولا يزال محل اهتمام علماء المسلمين، فمنهم من يقف على أصوله، وبيان خصائصه وضوابطه، ومنهم من يقوم على مقارنته بالفكر الإنساني العالمي، وكلا الأمرين يستحق مزيد من العناية والاهتمام، من أجل أن نقف على المعنى الدقيق والحدود الصحيحة لما ينبغي أن يكون عليه الفكر الفكر الإسلامي في ظل التجاذبات التي نعايشها ونراها ونسمعها من كثير من الأحيان، في المؤلفات والفضائيات والمحاورات العلمية.

ومن هنا ينبغي لمن أراد أن يتحدث عن الفكر الإسلامي وخصائصه أن يكون مؤهلاً، قادراً على النظر في النوازل والمستجدات في العصر الذي يعيش فيه، وأن يكون لديه الفاعلية والقدرة على التمييز بين أنماط التجديدات الاجتماعية والثقافية، وبين ما هو غث وسمين بجميع أشكاله وألوانه، وقادراً على الإجابة على كافة الإشكالات ومناقشتها في ظروفها الزمانية والمكانية، والوقوف على كافة الاتجاهات الفكرية الدخيلة التي تحاول أن ترسم معالم نهضتنا أو انحطاطنا في ظل الظروف التي نعيشها. السياسية أو الاجتماعية أوالاقتصادية، من أجل أن نتمكن من بناء علاقاتنا بغيرنا من الأمم بناء يقوم على معرفة الحقوق والواجبات.

وتتحقق عملية بناء الفكر الإسلامي بالقيم والمعرفة، فمحددات الفكر هي منظومة القيم والإطار المعرفي، التي من خلالهما تتحدد الأهداف، ويظهر الارتباط بين التفكر وبين التصور الشامل للحياة في كل نواحيها، من أجل تكوين رؤية قادرة على إيجاد نهضة وشهود حضاري على مستوى الفرد والجماعة.

ويتميز الفكر الإسلامي عن غيره بارتباطه بتعاليم الإسلام، فهو محدد بأحكام فقهيَّة أو عقائديَّة، وهناك عدة ضوابط وخصائص للفكر الإسلامي يمكم إجمالها فيما يلي:
الربانية: فهو ملتزم بتعاليم الإسلام، فالمسلم وثيق الصلة بربه، قال تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} (آل عمران: 79) ربانية الغاية والمنهج، مصدره الوحي.

الوضوح: فهو فكر واضح في كل مضامينه، وأهدافه، ووسائله، ينسجم مع السنن الإلهية، ومع أحكام القرآن الكريم، ومع طبيعة النفس الإنسانية، ويعمل على بناء الإنسان الصالح، العابد لربه، المعمر للأرض، فعملية الاستخلاف امتثال لأمره سبحانه: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} (الأعراف: 129).

الشمول: فالفكر الإسلامي يستوعب شؤون الدنيا والآخرة، يخاطب كل الأمم وكافة الطبقات، على مستوى الفرد والمجتمع، ولا يختص بزمان دون زمان، ولا مكان دون مكان، وهو فكر يلتزم بتعاليم الإسلام.

التوازن والتوسط: بين طرفي الإفراط والتفريط، انطلاقاً من قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: 143) فالفكر الإسلامي يوازن بين المادة والروح، وبين الدنيا والآخرة، وبين الحقوق والواجبات، بين الثبات والمرونة، وبين الفردية والجماعية، وبين العقل والنقل، وبين المثالية والواقعية، فالإنسان جسد وروح وعقل، وحاجاته هي مادية وروحية وفكرية، وقد أولى الإسلام كل هذه الجوانب العناية والرعاية في انسجام وتوافق، فلا يطغى جانب على جانب، وهذا التناسق هو الذي يحقق التوازن.

الواقعية والثبات: الفكر الإسلامي الرباني فكر ثابت، لا يتبدل بتبدل المواقف، ويتجلى الثبات في الأوامر والنواهي القطعية، والأحكام الثابتة في الكتاب والسنة، والعقائد وأمهات الفضائل، وتتجلى المرونة في الأحكام الفقهية، فالفقه الإسلامي فقه متجدد في الفروع والجزئيات، فالفكر الإسلامي يعنى بواقع الإنسان، على مستوى الفرد والمجتمع، فلا يهمل العادات والتقاليد، ولكنه يقف في وجه البدع والأفكار الدخيلة التي تنتشر وتعيق عملية نهوض المجتمع.

احترام العقل: يمتاز الفكر الإسلامي بأنه يعطي العقل حقه ودوره في الفهم والاستنباط، فهو مناط التكليف، وهو آلة إنتاج الفكْر، من حيث تدبُّر نصوص الوحي لاستخلاص مقاصدها، وتأمّل في الكون لمعرفة نواميسه، وأما الحواس فهي الوسائل التي ندرك بها الأمور، فالعين تقوم بالبصر، والأذن بوظيفة السَّمع، والأنف بالشَّمّ، والإنسان مسؤول عن كل هذه الأعضاء، قال: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً} )الإسراء: 36).

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة