الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مقاصد سورة الرحمن

مقاصد سورة الرحمن

مقاصد سورة الرحمن

سورة الرحمن هي السورة الخامسة والخمسون بحسب ترتيب المصحف العثماني، وهي سورة مكية في قول جمهور الصحابة والتابعين، وهي من أول السور نزولاً، فقد أخرج الإمام أحمد في "مسنده" بسند جيد عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي نحو الركن، قبل أن يصدع بما يؤمر، والمشركون يسمعون، يقرأ: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} وهذا يقتضي أنها نزلت قبل سورة الحجر. قال ابن عاشور: "وللاختلاف في كونها مكية أو مدنية لم تحقق رتبتها في عِداد نزول سور القرآن، وإذا كان الأصح أنها مكية، وأنها نزلت قبل سورة الحِجر، وقبل سورة النحل، وبعد سورة الفرقان، فالوجه أن تعد ثالثة وأربعين بعد سورة الفرقان، وقبل سورة فاطر". وعدد آياتها ثمان وسبعون آية.

تسميتها

وردت تسميتها بـ (سورة الرحمن) في أحاديث منها، ما رواه الترمذي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، فقرأ سورة الرحمن). وفي "تفسير القرطبي" أن قيس بن عاصم المنقري قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (اتل علي ما أُنزل عليك، فقرأ عليه سورة الرحمن، فقال: أعدها، فأعادها ثلاثاً، فقال: إن له لحلاوة). وكذلك سميت في كتب السنة، وفي المصاحف.

وذكر السيوطي في "الإتقان" أنها تسمى (عروس القرآن) لما رواه البيهقي في "شعب الإيمان" عن علي رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لكل شيء عروس، وعروس القرآن سورة الرحمن) قال ابن عاشور معقباً على ما ذكره السيوطي: "وهذا لا يعدو أن يكون ثناء على هذه السورة، وليس هو من التسمية في شيء، كما روي أن سورة البقرة (فسطاط القرآن).

ووجه تسمية هذه السورة بسورة الرحمن أنها ابتدئت باسمه تعالى: {الرحمن} (الرحمن:1) وهي السورة الوحيدة المفتتحة باسم من أسماء الله، لم يتقدمه غيره.


سبب نزولها

قيل: إن سبب نزولها قول المشركين المحكي في قوله تعالى: {وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن} (الفرقان:60) فتكون تسميتها باعتبار إضافة (سورة) إلى (الرحمن) على معنى إثبات وصف الرحمن.

وقيل: إن سبب نزولها قول المشركين وقد حكاه القرآن: {إنما يعلمه بشر} (النحل:103) فرد الله عليهم بأن الرحمن هو الذي علم النبي صلى الله عليه وسلم القرآن.

مناسبتها

وجه مناسبتها لسورة (القمر) التي سبقتها، أنها مُفَصِّلَةٌ لما أُجمل في آخرها، قال الإمام السيوطي: "لما قال سبحانه في آخر ما قبلها {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} (القمر:46) ثم وصف سبحانه حال المجرمين في سقر وحال المتقين {في جنات ونهر} (القمر:54) فصَّل هذا الإجمال في هذه السورة أتم تفصيل على الترتيب الوارد في هذا الإجمال؛ فبدأ بوصف مرارة الساعة، ثم وصف النار وأهلها، ولذا قال سبحانه: {يعرف المجرمون بسيماهم} (الرحمن:41) ولم يقل: الكافرون، أو نحوه؛ لاتصاله معنى بقوله تعالى هناك: {إن المجرمين في ضلال وسعر} (القمر:47) ثم وصف الجنة وأهلها، ولذا قال تعالى فيها: {ولمن خاف مقام ربه جنتان} (الرحمن:46) وذلك هو عين التقوى، ولم يقل: لمن آمن، أو أطاع، أو نحوه، لتوافق الألفاظ في التفصيل، ويُعْرَف بما ذُكِر أن هذه السورة شرح لآخر السورة قبلها".

مقصودها

- ذكر البقاعي أن مقصود سورة الرحمن بالذات: إثبات الاتصاف بعموم الرحمة؛ ترغيباً في إنعامه بمزيد امتنانه، وترهيباً من انتقامه، بقطع إحسانه، وعلى ذلك دلَّ اسمها (الرحمن) لأنه العام الامتنان.

- قال الزمخشري في "الكشاف": "أراد الله أن يقدم في عدد آلائه أول شيء ما هو أسبق قدماُ من ضروب آلائه، وأصناف نعمائه، وهي نعمة الدين، فقدم من نعمة الدين ما هو أعلى مراتبها، وأقصى مراقبها، وهو إنعامه بالقرآن، وتنزيله، وتعليمه، وأخَّر ذكر خلق الإنسان عن ذكره، ثم أتبعه إياه، ثم ذكر ما تميز به من سائر الحيوان من البيان".

- تبع ذلك التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلم بأن الله هو الذي علمه القرآن، رداً على مزاعم المشركين الذين يقولون: {إنما يعلمه بشر} (النحل:103) ورداً على مزاعمهم أن القرآن أساطير الأولين، أو أنه سحر، أو كلام كاهن، أو شعر.

- التذكير بدلائل قدرة الله تعالى فيما أتقن صنعه، مدمجاً في ذلك التذكير بما في ذلك كله من نعم على الناس. وخلق الجن وإثبات جزائهم.

- التنويه بشأن العدل، والأمر بتوفية أصحاب الحقوق حقوقهم، وحاجة الناس إلى رحمة الله فيما خلق لهم، ومن أهمها نعمة العلم، ونعمة البيان، وما أعد من الجزاء للمجرمين، ومن الثواب والكرامة للمتقين، ووصف نعيم المتقين.

- بين الله حال المؤمنين، فذكر أنهم صنفان، أحدهما أرفع درجة من الآخر؛ فأولهما: له جنتان في أعلى درجات الجنان. وثانيهما: له جنتان أدنى من السابقتين، ووصف هذه الجنان وصفاً رائعاً، يبين ما فيهن من جلائل النعم التي يتنعم بها هؤلاء وأولئك.

- ألمعت السورة إلى أن كل من على الأرض فانٍ، وأنه سبحانه هو الباقي الدائم ذو الجلال والإكرام.

- بينت السورة أنه تعالى له شؤون كثيرة في خلقه كل يوم؛ لذا يسأله من في السموات والأرض ما هم بحاجة إليه.

- أوضحت السورة أنه سبحانه سيقصد مجازاة خلقه يوم الدين، وليس له شاغل يشغله عن ذلك، وهناك ينادي المنادي: {يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض} (الرحمن:33) هرباً من الحساب والعقاب {فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان} (الرحمن:33) ولا سلطان لهم، فالملك يوم القيامة والحكم لله الواحد القهار.

- الموعظة بالفناء، والتذكير بيوم الحشر والجزاء. وختم السورة بتعظيم الله، والثناء عليه، حيث قال سبحانه: {تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} (الرحمن:78).

- تكرر في هذه السورة قوله تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} إحدى وثلاثين مرة؛ للتقرير بالنعم المختلفة المعدودة، فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها، وبخ على التكذيب بها، قال ابن عاشور: "وذلك أسلوب عربي جليل".

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة