الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وما تحمل من ثمرات من أكمامها

وما تحمل من ثمرات من أكمامها

وما تحمل من ثمرات من أكمامها

من الآيات التي تحمل دلالة علمية قوله تعالى: {وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} (فصلت:47) قال الراغب الأصفهاني في "معجمه" (مفردات ألفاظ القرآن) (الكُمُّ) ما يغطي اليد من القميص. و(الكُمُّ) ما يغطي الثمرة، وجمعه أكمام. قال تعالى: {والنخل ذات الأكمام} (الرحمن:11).

وجاء في (معجم النبات من قاموس القرآن الكريم) (الكُمُّ) الوعاء والغلاف، والجمع أكمام، فأكمام الزرع: غُلُفُها التي تخرج منها، و(الكُمُّ) ما غطى الطلع أو الثمر، وأكمام النخل: ما غطى جمارها من السعف والليف والجذع، فالعذق والطلع قبل أن يخرجا مغلفان في أكمام، والحبة تغلفها قشرة أسفل السَّفَاة -التراب- تسمى الكُمُّ.

والجدير بالذكر في هذه الآية ارتباط خروج الثمرات من أكمامها بحمل المرأة: {وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه} فالثمرات في الأكمام ما هي إلا مبايض لقِّحَتْ بويضاتها بحبوب اللقاح وأخصبت، وتنتج كل بويضة مخصبة بذرة وتوجد البذرة أو البذور في الثمرة، وكل هذا مغلف بأغلفة هي الأكمام، وخروج الثمرة بعد إخصاب البويضات في المبيض يتشابه مع خروج الجنين من بطن الأم عند الولادة، وكلاهما لا يحدث إلا بعلمه جل شأنه من خالق قدير.

قال الشيخ السعدي في تفسيره لقوله تعالى: {وما تخرج من ثمرات من أكمامها} قال: "أي: وعائها الذي تخرج منه، وهذا شامل لثمرات جميع الأشجار التي في البلدان والبراري، فلا تخرج ثمرة شجرة من الأشجار إلا وهو يعلمها علماً تفصيليًّا".

واستناداً إلى التفسيرات والتوضيحات السابقة يتبين أن (الأكمام) أوعية وأغلفة تغلِّف التراكيب الثمرية والناتجة من التكاثر الجنسي، أو التكاثر الخضري. وفي السطور التالية سنذكر نماذج من الأكمام (الأغلفة) والخروج منها في مملكة الفطريات، وفي مملكة النبات (الطحالب، والنباتات الحزازية، والنباتات التريدية، والنباتات البذرية معراة البذور، والبذرية مغطاة البذور (الزهرية) لتستبين الرؤية العلمية لقوله تعالى: {وما تخرج من ثمرات من أكمامها}.

ففي مملكة الفطريات توجد الأغلفة (الأكمام) المحيطة بجراثيمها، ففي قسم الفطريات البيضية تتكون الأنثريدة المنتجة للأمشاج المذكرة بإفراغ محتوياتها من خلال أنبوبة أنثريدية في عضو التكاثر الأنثوي الأووجونة، وتخصبها لتعطي الجرثومة البيضية، التي يتكون فيها الجراثيم السابحة بعد الانقسام الاختزالي لتقوم تلك الجراثيم بعدوى جديدة للعائل.

وللجرثومة البيضية غلاف أو (كُمٌّ) سميك، يحيط بمحتوياتها الداخلية، ويحفظها من العوامل الخارجية غير المناسبة، وعند الظروف المناسبة تخرج الجراثيم من هذا (الكُمِّ) لتعيد دورة الحياة.

وفي الفطريات التزاوجية تتكون الجرثومة التزاوجية نتيجة اندماج محتويات خيطين متجاورين غير متماثلين، يعطيان الجاميط الأولي الذي يعطي الجاميتانجيا، وتتكون بعد ذلك الجرثومة التزاوجية ذات الجدار السميك (الكُمُّ) الحافظ للمحتويات الداخلية من تأثيرات العوامل الخارجية غير المناسبة.

وتظل محتويات هذه الجرثومة هاجعة وساكنة في (كُمِّها) إلى أن يهيئ الله سبحانه لها العوامل المناسبة لتنبت ويخرج منها الحوافظ الجرثومية، التي يخرج منها الجراثيم الحافظية؛ لتنبت في البيئة المناسبة، وتعيد دورة الحياة.

وفي الفطريات الزقية تتكون الزقوق بداخلها الجراثيم الزقية داخل الجسم الثمري الزقي (الكُمُّ) وهو على ثلاثة أنواع: المغلق تماماً، الدورقي، الكأسي.

وهذه التراكيب وما فيها من زقوق هي أكمام تلك الجراثيم الفطرية الزقية، التي تتحرر من أكمامها لتعيد دورة الحياة.

أما في الفطريات البازيدية فتتكون الكؤوس (الأكمام) الأسيدية، التي تغطي الجراثيم الأسيدية والأوعية (الأكمام) البكندية وبداخلها الجراثيم البكنيدية، ويُنتج الفطر البثرات اليوريدية، التي تنتج الجراثيم اليوريدية، ويُنتج أيضاً في نهاية الموسم البثرات التيليتية، التي تغطي الجراثيم التيلتية.

وفي عيش الغراب تعطي الخيوط الفطرية المتباينة بعد تزاوجها الجسم الثمري (الكُمُّ) الثمري الحامل للجراثيم البازيدية، التي تنطلق من خياشيم الجسم الثمري، الذي يعمل ككُمٍّ لبلايين الجراثيم داخل الجسم الثمري.

وفي فطر البافبول يعطي الجسم الثمري (الكُمُّ) ذو الجدار المرن والمطاط تريليونات الجراثيم.

وكل هذه التراكيب الفطرية أكمام وأغلفة، تخرج منها آلاف الجراثيم الفطرية بعد نضجها وجاهزيتها للخروج، والله سبحانه يعلم كيف نشأت هذه الأكمام، وكيف خرجت، وتخرج جراثيمها في معظم بيئات الأرض، مصداقاً لقوله تعالى: {وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه}.

وفي الطحالب التابعة للمملكة النباتية نجد أن طحلب الكلاميدوموناس ينتج اللاقحة من التقاء طحلبين وتزاوجهما، واللاقحة عبارة عن تركيب دائري سميك الجدار أي (كُمٌّ) به الأنوية، وعندما تتحلل اللاقحة ويتمزق جدارها في الظروف المواتية تخرج منه الجراثيم السابحة التي تعيد دورة الحياة.

أما في طحلب الفيوكس فتتكون أكمام الحوافظ الجنسية المذكرة التي تخرج منها الجراثيم السابحة لتخصب البويضة الخارجة من الحافظة الجنسية المؤنثة لتعطي الزيجوت، الذي يعطي بعد ذلك الطحلب الجديد.

وفي النباتات الحزازية يتكون الطور الجرثومي من الكم أو الغلاف الناتج عن بطن الأرشيجونه، الذي ينتفخ ليعطي الجراثيم السابحة، التي تعطي النبات الجديد.

وفي النباتات التريدية يحمل نبات الرصن الحوافظ الجرثومية الكبيرة، التي بداخلها الجراثيم الكبيرة، وتعتبر هذه الحوافظ الكبيرة بداية تكوين البذرة في المملكة النباتية، وتتحلل الحوافظ الجرثومية لتسقط منها الجراثيم الكبيرة، لتنضج في الأرض أو على النبات الأم لإتمام دورة الحياة بعد التلقيح والإخصاب بواسطة الجراثيم الصغيرة.

وفي النباتات معراة البذور تتكون المخاريط، ومنها المخروط الأنثوي أو البويضي الذي يتكون من عدد من الأوراق الجرثومية الكبيرة أو الكرابل، وتتميز كل كربلة إلى حرشفة كبيرة علوية، تُعرف بالحرشفة البويضية، وأخرى صغيرة تقع أسفلها تُعْرف بالحرشفة القنابية، وتحمل كل حرشفة بويضة على سطحها العلوي وبويضتين مقلوبتين.

ويبين مقطع طولي في البويضة التراكيب الآتية:

1- الكيس الجنيني يتوسط البويضة بداخله الثالوس الأنثوي الأولي، الذي تستقر الأرشيجونيات عند طرفه.

2- تحيط النيوسيلة والغلاف البويضي بالكيس الجنيني.

3- يتميز الغلاف البويضي إلى ثلاث طبقات: طبقة وسيطة متحجرة، تحيط بها طبقتان لحميتان: إحداهما من الداخل، والأخرى من الخارج. وقبيل وقت التلقيح تأخذ الأجزاء الخارجية للحراشيف البويضية في الابتعاد لتفسح المجال لدخول حبوب اللقاح.

وفي النباتات مغطاة البذور نجد أن الزهرة محاطة من الخارج بالكأس، يليه للداخل التويج، والمتاع يتركب من عدد من الأوراق المتحورة، تسمى كل واحدة بالكربلة، تلتف حوافها لتكون المبيض، وتتصل البويضات بالمشيمة بالحبل السري، وتتركب من الكيس الجنيني في المركز، يحيط به نسيج يسمى بالنيوسيلة، ويغطى هذا النسيج من الخارج بغلافين بويضيين، وعند قاعدة البويضة حيث يتحد الغلافان مع النيوسيلة توجد الكلازا. وهكذا تحاط البويضة بالأكمام التي عليها أن تخرج منها لتعيد دورة الحياة.

وبعد انتهاء عملية الإخصاب في النباتات الزهرية تطرأ على الكيس الجنيني تغيرات تؤدي إلى تكوين البذرة، ويتبع ذلك تضخم المبيض، وقد تتعدى التغييرات المبيض إلى الأجزاء الأخرى من الزهرة، وينتج عن ذلك تكوين الثمرة، وقد يشترك التخت في تكوين الثمرة كما هو الحال في ثمرة نبات التفاح. أما الأجزاء الأخرى مثل السبلات والبتلات والأسدية فهي عادة تأخذ في الذبول ثم تسقط عند تكوين الثمار. ومن الثمار ثمار متفتحة منها:

-الجرابية: وتنفتح على طول الطراز البطني للثمرة كما في ثمار نبات العايق.

- القرن: وتنفتح على طول الطرزين الظهري، والبطني، وبذلك ينشق جدار الثمرة (كُمِّها) إلى مصراعين متصلين من أسفل كما في ثمار (قرن) الفول.

- علبة (Capsule) تنفتح بعدة طرق:

- علبة تنفتح على امتداد خط دائري يقع في منتصف المبيض تقريباً، وبذلك يفصل النصف العلوي من الجدار على هيئة غطاء، كما هو الحال في ثمار نبات عين القط.

- علبة تنفتح بثقوب عند قمة الكرابل، كما في ثمار نبات الخشخاش.

- علبة تنفتح بواسطة أسنان تنشأ نتيجة الانفصال الجزئي للكرابل، كما في ثمار نبات القرنفل.

- علبة تنفتح طوليًّا وذلك بانشقاق الحواجز التي تفصل المساكن (انفصال حاجزي) كما في ثمرة نبات البنفسج.

- علبة تنفتح طوليًّا بزوال الحواجز (انفتاح صمامي) كما في نبات الداتورة.

وهناك الثمار المنشقة وهي ثمار جافة تتكون كل ثمرة من أكثر من كربلة واحدة ملتحمة مع بعضها بعضاً، ولكنها لا تلبث أن تنشق بعد نضجها إلى عدد من الثمار الجزئية غير المتفتحة وحيدة البذرة مثل ثمرة نبات الخطمية.

وتوجد الثمار الجافة غير المتفتحة مثل الفقيرة، كما في نبات الورد، والبرة، وكما في القمح، والبندقة، وكما في البندق، والجناحية، وكما في نبات أبي المكارم. وهذه الثمار مغلَّفة من الخارج بأغلفة الزهرة، التي تسقط بسهولة عن الثمرة، وأغلفة الثمرة الملتحمة وغير الملتحمة بالبذور؛ لتكون الثمرة أو الحبة، وجميعها تتشقق وتنفتح عند الإنبات وخروج الجذير والرويشة.

وكل هذه التراكيب حول الثمرة أغلفة وأكمام، كما أن الليف والكرانيف في النخيل أكمام، يعلم الله سبحانه خروج ثمراتها منها في المزارع والصحارى والبوادي والأنهار والغابات وعلى مجاري السيول، ويكلؤها برحمته وعلمه وصدق الله العظيم القائل: {وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه}.

وبذلك يتبين التفسير العلمي لإخراج الثمار من أكمامها، ويمكن التفصيل في هذا الموضوع بحسب ما يقتضي الحال والمقام، هذا والله أعلم وفوق كل ذي علم عليم.

* مادة المقال مستفادة من موقع (موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة) بتصرف.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة