الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الآداب الظاهرة لتلاوة القرآن

الآداب الظاهرة لتلاوة القرآن

الآداب الظاهرة لتلاوة القرآن

القرآن كلام الله، وفضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه، وأفضل ما تقضى فيه الساعات، وتستغل فيه الأوقات، قراءة كلام رب الأرض والسموات؛ فإنها أجل القربات؛ إذ ليس يتقرب إلى الله عز وجل بأفضل مما خرج منه.

وتلاوة القرآن بركة ورحمة وسعادة، فمن عاش للقرآن، ومع القرآن زال همُّه، ورُفع قدرُه، وعلت درجته، ونُشرت سيرته، ووُسّع رزقه، ويُسِّر أمره، وطاب ذِكره، وبورك له عمره وماله وأهله وولده وعمله.

وقد حث الله عباده على قراءة كلامه، ودعاهم إلى كثرة النظر في كتابه، وأخبرهم أنها التجارة الرابحة التي لن تبور {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور}(فاطر: ).

وقد رغب النبي صلى الله عليه سلم أمته على ذلك أيضا، وأخبرهم عن ثواب ذلك وعظم منزلة أهله في أحاديث كثيرة منها قوله[أهل القرآن هم أهل الله وخاصته]، وقوله [والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران]، وكل حرف تتلوه من القرآن لك به حسنة والحسنة بعشر أمثالها.. كما في سنن الترمذي عن ابن مسعود قال رسول الله صلى الله: [من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف].

فبعد كل هذا الفضل كان حريا بكل مسلم أن يكثر من تلاوة كتاب الله.. وقد ذكر أهل العلم لتلاوة القرآن آدابا يستحب للقارئ أن يتأدب بها، وهي تنقسم إلى قسمين: آداب ظاهرة، وآداب باطنة.

أولا: الآداب الظاهرة
1 ـ يُستحَبُّ لقارئ القرآن أن يكون على وضوء؛ وإن كان سيقرأ من حفظه؛ لأنَّ القراءة عبادة لله، وقد استحب العلماء الطهارة لكل عبادة.. وأما إن كان سيقرأ من المصحف وسيمسه فيجب عليه الوضوء عند الأئمة الأربعة. لقوله تعالى: {لا يسمه إلا المطهرون}(الواقعة: ).

2 - استقبال القبلة، وهو مثل الطهارة مستحب عند العلماء عند العبادات، غير واجب.

3- اختيار المكان المناسب، فيقرأ في مكان طاهر ونظيف وهادئ، وخال من الصوارف والشواغل.

4- طهارة الفم ونظافته.. فيُسَن للقارئ أن يستاكَ بالسواك عند القراءة؛ تعظيمًا للقرآن، وقد قيل إن الملك يكون عند فم القارئ.

5- الاستعاذة بالله منَ الشيطان الرَّجيم عند البَدء بالقراءة؛ وهو مسنون عند الجماهير وقال الظاهرية بوجوبه؛ لقوله تعالى: {فإذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}(النحل:)، وقد وردت صيغ للاستعاذة كلها مجزئ، والصّفة المختارة هي: (أَعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيطاَن الرَّجِيمِ). لأنها أقرب لنص الآية.. قال الإمام الشاطبي:
إذا ما أردت الدهر تقرأ فاستعذ .. .. جهارا من الشيطان بالله مسجلا
على ما أتى في النحل يسرا وإن تزد .. لربك تنزيها فلست مجهلا
فإذا قطع القراءة بكلام لغير مصلحتها، أو لرد سلام أو غيره، فيسن له الاستعاذة مرة أخرى.

6- البسملة في أوائل السور إلا سورة التوبة.
ولابد منها في ابتدائك سورة .. .. سواها وفي الأجزاء خير من تلا

7- القراءة بالترتيل والترسل وعدم السرعة، قال تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً}(المزمل:4)، ولا يكن هم الإنسان نهاية السورة أو سرعة الختمة، قال ابن مسعود رضي الله عنه: "لا تهزوا القرآن هز الشعر، ولا تنثروه نثر الدَّقَل، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة" (آداب حملة القرآن).

8 ـ التَّوَسُّط بين الجهر والإسرار كما هو التوجيه القرآني في قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً}[الإسراء:110].
ومما جاء في تفسير هذه الآية، ما رواه ابن جرير الطبري رحمه الله بسنده عن محمد بن سيرين قال: "نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته، وأن عمر كان يرفع صوته، فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا؟ قال: أناجي ربي - عز وجل - وقد علم حاجتي. فقيل: أحسنت. وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان، وأوقظ الوسنان. قيل أحسنت. فلما نزلت: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا) قيل لأبي بكر: ارفع شيئا، وقيل لعمر: اخفض شيئا".ا.هـ.
فيخفض قليلا خوفا من الرياء، ولئلا يجهد صوته ويتعب نفسه، ويرفع قليلا ليدفع عن نفسه النوم، وليسمع قريبا يريد السماع، ولعين السمع القلب على الانتفاع.. والله تعالى أعلم.

9 - التجاوب والتفاعل مع آيات القرآن: فإذا مر بآية فيها تسبيح سبح، أو تعَوُّذ تعوَّذ، أو خير سأل، كما كان فعل النبي صلى الله عليه وسلم في وصف سيدنا حذيفة لقراءته في الصلاة: [فقرأها مُترسلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مَرَّ بتعوُّذ تعوَّذ](رواه مسلم). كما يسن للقارئ السُّجود عند قراءة آية سجدة.

10 ـ تحسين الصوت وتزيينه: مع الالتزام بأحكام التجويد، فقد رغب في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: [زينوا القرآن بأصواتكم](رواه البخاري).
جاء في حاشية السندي على ابن ماجة: "قوله: (زينوا القرآن بأصواتكم) أي بتحسين أصواتكم عند القراءة؛ فإن الكلام الحسن يزيد حسنا وزينة بالصوت الحسن، وهذا مشاهد.. وقد روى الدارمى عن البراء بن عازب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: حسنوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا"ا.هـ.

وقد بوب البخاري في كتابه الصحيح (باب nindex.php?page=treesubj&link=18651حسن الصوت بالقراءة للقرآن)، وكان قبله قد بوب بابا بعنوان (من لم يتغن بالقرآن)، ونقل الإمام ابن حجر الإجماع على استحباب سماع القرآن من ذي الصوت الحسن. وقال: وأخرج ابن أبي داود من طريق ابن أبي مسجعة قال : " كان عمر يقدم الشاب الحسن الصوت لحسن صوته بين يدي القوم".

لكن لا ينبغي أن يؤدي إلى زيادة في المد المطلوب، أو تغيير في الأحرف؛ حتى يخرج عن القراءة المشروعة، قال ابن قدامة في المغني: "ثبت أن تحسين الصوت بالقرآن، وتطريبه، مستحب غير مكروه، ما لم يخرج ذلك إلى تغيير لفظه، وزيادة حروفه، فقد روي عن عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: استمع قراءة رجل في المسجد لم أسمع قراءة أحسن من قراءته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فاستمع قراءته، ثم قال: هذا سالم مولى أبي حذيفة، الحمد لله الذي جعل في أمتي مثل هذا.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى: [إني مررت بك البارحة وأنت تقرأ، فقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود، فقال أبو موسى: لو أعلم أنك تستمع لحبّرتُه لك تحبيرًا](أبو عوانه وأصله في الصحيحين).

11 - يستحبّ البكاء أو التَّباكي عند قراءة القرآن: وقد ورد في سنن ابن ماجة بسند ضعيف، من حديث سعد بن أبي وقاص قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [إنَّ هذا القرآنَ نزل بحُزْنٍ، فإذا قرأتموهُ فابكوا، فإنْ لم تبكوا، فتباكَوْا].. والحديث ضعيف كما قال أهل العلم، ولكن البكاء عند قراءة القرآن والبكاء من خشية الله تعالى قد وردت بمدحه النصوص الكثيرة، وهو شعار العابدين وطريق الخائفين، وهدي السابقين الأولين، وسنة الأنبياء والمرسلين؛ قال تعالى في وصف النبيين في سورة مريم: {إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا}(مريم: ).

ومجاهدة النفس بالتباكي إنما يقصد لأجل تحصيل رقة القلب، فيكون البكاء بعد ذلك طبعا لا تطبعا أمرا حسنا محمودا، غير أن ذلك ينبغي أن يكون في الخلوة حذرا من الوقوع في الرياء. ولما جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله: [ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه] ولا شك أن القرآن من أعظم الذكر.

وفي كتاب التبيان في آداب حملة القرآن عقد الإمام النووي فصلا في البكاء عند قراءة القرآن، وكان مما قال:
"البكاء في حال القراءة هو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا} وقد وردت فيه أحاديث كثيرة وآثار السلف. فمن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم [اقرؤوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا]".. ثم ساق بعض الآثار في بكاء الصالحين عند قراءة القرآن.

قال الإمام أبو حامد الغزالي: "البكاء مستحب مع القراءة وعندها، وطريقه في تحصيله أن يحضر قلبه الحزن بأن يتأمل ما فيه من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود ثم يتأمل تقصيره في ذلك، فإن لم يحضره حزن وبكاء يحضر الخواص، فليبك على فقد ذلك فإنه من أعظم المصائب" انتهى مختصرا.

نسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، ومن قراء القرآن الذين يتلونه حق تلاوته.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

خواطـر دعوية

المواساة خلق أهل المروءة

"المواساة" خلق نبيل، من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات التي دعا إليها الإسلام، وهو من أخلاق المؤمنين، وجميل...المزيد