الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكم الشرعي للعلاج بالطاقة

الحكم الشرعي للعلاج بالطاقة

الحكم الشرعي للعلاج بالطاقة

إذا كان العلاج بالطاقة قد أثبت بالتجربة العملية تحقيق بعض النتائج الإيجابية، من خلال ما يحصل لبعض المرضى من تحسن واستجابة للعلاج، فيبقى السؤال قائما هل تكفي التجربة لإثبات صحة العلاج بالطاقة؟ وإذا كانت التجربة لا تكفي لإثبات شرعية العلاج بالطاقة فما تفسير الآثار الإيجابية التي تحصل للمتعاطين لهذا النوع من العلاج؟

أولا: لا بد من العلم بأن الدراسات التطبيقية لم تثبت علمية العلاج بالطاقة، وترى أن العلاج بالطاقة يفتقد الأسس العلمية التي تجعله علاجا طبيا معتمدا، وأنه لا توجد تجارب حقيقية يمكن قياسها والتوثق من مصداقيتها، وتنصح تلك الدراسات الغربية بعدم ممارسة هذا النوع من التداوي؛ لأنه قد يصرفهم عن العلاج الحقيقي، وهذا الأمر يجعلنا ننظر إلى العلاج بالطاقة من وجهة نظر أهل الاختصاص على أنه عبارة عن مجربات غامضة تفتقر للأساس العلمي، فضلا عن أن بعضها تصرفات خرافية تفتقر للمنطق العقلي.

ثانيا: الآثار الإيجابية التي قد تلحظ على بعض المرضى الذين يمارسون العلاج بالطاقة استطاع أهل الاختصاص أن يقدموا لنا تفسيرا علميا لتلك المظاهر والآثار، من خلال تسمية الحقائق بمسمياتها، فقد أطلقوا عليه "العلاج بالوهم"، وبالتالي فإن أي استجابة لدى المريض لا تعود إلى صحة العلاج بالطاقة، وإنما يرجع ذلك إلى العلاج بالوهم، أو الإيحاء (Placebo)، وأقرت الدراسات بتأثير عامل الوهم والإيحاء على المريض، ومن هذا المنطلق ذهبت بعض الفتاوى إلى جواز هذا النوع من العلاج ما دام لا يؤدي إلى ضرر في اعتقاد المريض أو في بدنه، وما دام يؤدي أثرا إيجابيا في مصلحة المريض واستقرار حالته النفسية التي تساعد على علاجه.

وقد أشار ابن القيم إلى أهمية اعتقاد المريض بالعلاج للانتفاع به، حيث يقول في الطب النبوي: "من شرط انتفاع العليل بالدواء قبوله، واعتقاد النفع به، فتقبله الطبيعة، فتستعين به على دفع العلة، حتى إن كثيرا من المعالجات ينفع بالاعتقاد، وحسن القبول، وكمال التلقي، وقد شاهد الناس من ذلك عجائب، وهذا لأن الطبيعة يشتد قبولها له، وتفرح النفس به، فتنتعش القوة، ويقوى سلطان الطبيعة، وينبعث الحار الغريزي، فيساعد على دفع المؤذي، وبالعكس يكون كثير من الأدوية نافعا لتلك العلة، فيقطع عمله سوء اعتقاد العليل فيه، وعدم أخذ الطبيعة له بالقبول، فلا يجدي عليها شيئا". أ.هـ
ويقول أيضا: "أن يستعمل أنواع العلاجات الطبيعية والإلهية، والعلاج بالتخييل، فإن لحذاق الأطباء في التخييل أمورا عجيبة لا يصل إليها الدواء، فالطبيب الحاذق يستعين على المرض بكل معين".

ويمكن توجيه كلام ابن القيم على أن العلاج بالتخييل ورفع معنوية المريض ولو بأمور وهمية بحيث لا يتضمن ذلك خللاً عقدياً في تلك الأوهام، وأما في مسألتنا التي هي العلاج بالطاقة فهي مرتبطة بأسس فلسفية ووثنية، ولذا لا يمكن أن يحمل كلام ابن القيم على صحة العلاج بالطاقة.

وأما أغلب الفقهاء المعاصرين فعلى المنع من العلاج بالطاقة لما تقدم من الإشكالات العقدية التي يشتمل عليها، إضافة إلى أنه يشتمل على التضليل والخداع وهي ممارسات محرمة شرعا، أضف إليه أن إيهام المريض بصحة العلاج بالطاقة على أنه علاج حقيقي فتح لباب الغش والدجل الذي لا يمكن سده، وصرف للمريض عن العلاج الحقيقي المتاح له مما قد يؤدي إلى تفشي المرض في جسمه وهو لا يزال يعتقد أن علاجه في تلك الطقوس والممارسات التي يقدمها لها المعالجون بالطاقة.

وبالتالي فلا نغتر ببعض المظاهر الإيجابية التي قد تحصل للبعض فهي من باب الأوهام التي تحولت بحكم الإقناع إلى حقائق عندهم، ومع ذلك فإنه يمكن هذا المريض أن يتحصل على الاستقرار النفسي من خلال وسائل شرعية سليمة كالرقية بالقرآن، والدعاء، والأذكار، والاعتقاد بأن الشافي هو الله، وأن المرض ابتلاء بمقابل، يحصل له بوقوعه تكفير ذنوبه ورفع درجاته، وكذلك من خلال تعليق قلب المريض بالله، والتفكر فيما أعده الله للصابرين على البلاء في الجنة، وغيرها من المعاني الإيمانية، والتأملات الروحانية التي أثبتت باليقين فاعليتها على كثير من المرضى، لا سيما الأمراض الميؤوس من علاجها في منطق الطب الحديث، وإلا كيف يمكننا أن نفسر بعض الآثار الواردة عن السلف فيما حصل لهم من الروحانيات العالية فأنستهم أمراضهم الكبيرة، كما ورد عن عروة بن الزبير أنه أصاب رجله خبث فقرر الأطباء قطعها، فقال اقطعوها وأنا في الصلاة فقطعوها وهو يصلي، فقال: اللهم إنه كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة فلك الحمد.
ومثله ورد عن عباد بن بشر رضي الله عنه لما رمي بثلاثة أسهم وهو يصلي فلم يقطع صلاته، كما في صحيح البخاري .

فعندنا في الشرع العلاج الحقيقي للنفوس وترقيتها وتزكيتها بحيث تصل إلى أعلى من تلك النتائج الروحانية مع صدق دين ومعتقد، فكيف يلجأ المسلم بعد ذلك إلى تجارب قائمة على الوثنية والشعوذة والسحر والدجل!

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة