الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وأسألك العزيمة على الرشد

وأسألك العزيمة على الرشد

 وأسألك العزيمة على الرشد

روى ابن حبان في صحيحه عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في صلاته: (اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد).

اختيار النبي صلى الله عليه وسلم لدعاء يدعو به في صلاته، يدل على أهمية هذا الدعاء لوجوده في أهم العبادات وهي الصلاة.. ومعناه أيضا أنه كان يكرره و يكثر منه..
والثبات في الأمر: أي الثبات على الدين والهداية، والاستقامة على الطاعة في كل الأحوال والأوقات..
وقد كان من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يستعيذ بالله من الحور بعد الكور (رواه مسلم)..ومعناه الارتداد على الأعقاب والنكوص، وترك الهدى بعد لزومه، وعدم اتباع الحق بعد معرفته.

والدعاء بالثبات دعاء عظيم جدا خصوصا وقد أخبر النبي صلوات الله وسلامه عليه أن القلوب تتقلب، وأن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وأنه ستكون فتن يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا.

فدعاء الثبات مهم من مهمات الأدعية في هذا الزمان زمان الفتن والافتتان، والتفلت والانفلات، والنكوص على الأعقاب، والزهد في الدين وشعائره وشرائعه.. فاللهم نسألك الثبات في الأمر.

والعزيمة على الرشد:
فأما الرشد: فهو الهدى والصلاح، والحق والصواب.
والعزيمة على الرشد: هو التوفيق للمبادرة إليه والجِدِّ فيه.
فإن بعض الناس يعرف الحق لكن ليست له عزيمة على اتباعه، ولهذا كان من الدعاء المأثور عن السلف: (اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه).

وسؤال الله العزيمة على الرشد شبيه بالدعاء الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه علي بن أبي طالب حين قال له: (قُلِ اللَّهمَّ اهْدِني وسدِّدْني، واذكُرْ بالهدايةِ هدايةَ الطَّريقِ، واذكُرْ بالسَّدادِ تسديدَك السَّهمَ)[رواه مسلم وأبو داود]..
فقوله (اللهم اهدني): هو سؤال الله الرشد، وقوله: (سددني) أي وفقني للسير في طريق الهدى، وهو نفس معنى قوله (أسألك العزيمة على الرشد). الهداية والسداد.

وفي هذا الدعاء "العزيمة على الرشد" معنيان عظيمان:
الأول: المبادرة إلى الطاعات، والمسارعة في الخيرات، وترك التسويف والتواني:
فإنما أهلك الناسَ التسويفُ كما قال عن أهل النار: {وَلَٰكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ}[الحديد:14].
ولذلك نجد القرآن الكريم يحث الناس على المسارعة في فعل الخير والمسابقة إليه، قال سبحانه: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)(الحديد:21)، وقوله: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}(آل عمران:133)، وقوله سبحانه: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}(البقرة:148).

وفي السنة أيضا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى المبادرة إلى اغتنام زمان الإمكان قبل أن تتغير الأمور وتتبدل الأحوال، ويصبح ما كان مقدورا عليه معجوزا عنه: ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم . يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا . أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا . يبيع دينه بعرض من الدنيا).. وقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه: (اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ: شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك)[رواه البيهقي والحاكم].
وفي جامع الترمذي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بادروا بالأعمال سبعا: هل تنتظرون إلا فقراً منسيا، أو غنىً مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفَنِّدا، أو موتا مجهزا، أو الدجال فشرُّ غائبٍ ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر)[قال الترمذي حسن غريب، وضعفه الألباني].

المعنى الثاني: الإيجابية وترك الخمول
فالإسلام لا يعرف المسلم الخامل الذي ليس له دور ولا أثر.. وإنما هو دين يبعث على الحركة والجد والاجتهاد، ويحول الإنسان إلى إنسان إيجابي، إنسان فاعل، إنسان منتج، إنسان صاحب همة، وصاحب أثر.

أبو بكر رضي الله عنه يوم أسلم خرج يدعو إلى الله فأسلم على يديه أربعة من العشرة المبشرين بالجنة "طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو عبيدة بن الجراح"..

وسعد بن معاذ، عاش في الإسلام ستَّ سنوات فقط، ومات وعمره ستٌّ وثلاثون سنة، ومع ذلك لما مات اهتز لموته عرش الرحمن، فليت شعري ماذا صنع في هذه الست سنوات ليحدث مثل هذا؟ وبعض الناس يعيش في الإسلام ستين سنة، ويموت يوم يموت ولم ترك أثرا يخدم دينه ولا أمته ولا بلده، ولا حتى أهله.

وقد دل على هذا المعنى حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت يا رسول الله ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: الإيمان بالله. قلت: يا رسول الله إن مع الإيمان عملا. قال يرضخ مما رزقه الله. قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان فقيرا لا يجد ما يرضخ به؟ قال: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر. قال قلت: يا رسول الله أرأيت إن كان عييا لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر؟ قال: يصنع لأخرق. قلت: أرأيت إن كان أخرق لا يستطيع أن يصنع شيئا؟ قال: يعين مغلوبا. قلت: أرأيت إن كان ضعيفا لا يستطيع أن يعين مغلوبا؟ قال: ما تريد أن تترك في صاحبك من خير!! يمسك عن أذى الناس. فقلت: يارسول الله إذا فعل ذلك دخل الجنة؟ قال: ما من مسلم يفعل خصلة من هؤلاء إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة)(السلسلة الصحيحة).

فرسول الله صلى الله عليه وسلم يريد من المسلم أن يكون إيجابيا فعالا، لا كسولا خاملا، وجعل الإيجابية من آثار الإيمان ومن الأعمال التي تؤدي بصاحبها إلى الجنة.
اللهم إنا أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد..

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة