الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من جماليات اللسان العربي

من جماليات اللسان العربي

 من جماليات اللسان العربي

لسان العرب، ولغتهم من أميز لغات العالم؛ لما حباه الله من جماليات، وذخيرة قل أن توجد في غيره من اللسانيات، وقد كان ابن خلدون(ت808) من أهم من تفطنوا لجماليات التراكيب العربية، وأسرارها البديعة، يقول الأستاذ عبد الحميد يونس: "لقد كان ابن خلدون منذ قرون، أدق منا في استعمال اللسان للدلالة على الحصيلة اللغوية بالمفهوم الخاص لأمة من الأمم، لأن الأصل في اللغة بهذا المفهوم الخاص، هو المخارج المركبة، التي يقوم اللسان بأعظم جهد في إصدارها... وهذه المخارج المركبة لا تقوم بذاتها، ولا بمجرد تأليفها ولا بإصدارها، وإنما تقوم أيضا بطبيعة الصوت ومقداره وحالة تتابعه".

ويعتبر فعلا ابن خلدون من أهم الدارسين استيعاباً ودراسة لأسرار لغة العرب، إذ لخص علوم العربية في أربعة فروع وهي: علم اللغة، وعلم النحو، وعلم البيان وعلم الأدب، كما حدد لكل علم تعريفاً علمياً مفصلاً يبرز أهميته العلمية والمعرفية والأدبية، كما أكد على خصوصية كل علم على حدة بحسب أهمية مقصود الكلام.

وأهم هذه العلوم علم النحو الذي به تتبين أصول المقاصد بالدلالة، فيعرف الفاعل من المفعول والمبتدأ من الخبر، ولولاه لجهل أصل الإفادة، وكان من حق علم اللغة التقدم، لولا أن كثرة الأوضاع باقية في موضوعاتها لم تتغير بخلاف الإعراب الدال على الإسناد والمسند إليه... فلذلك كان علم النحو أهم من علم اللغة، إذ في جهله الإخلال بالتفاهم جملة وليس كذلك علم اللغة ".

ويلي علم النحو في الأهمية علم اللغة: "بيان الموضوعات اللغوية" وسبب نشأة هذا العلم الفساد الذي طرأ على ملكة اللسان العربي بدخول العجم إلى البلاد العربية، ومع كثرتهم، واختلاطهم بالبلدان العربية، أصبحت اللغة الأصلية تعرف فساداً وتهجيناً تسرب إلى بعض مفرداتها وتحريفاً لمعانيها، وبالرغم من الدور الذي قام به علم النحو من تصحيح اللغة العربية، فقد بدأت تعرف من جديد زحفاً من العبارات الفاسدة التركيب والمختلفة الترقيم والذي حرف بعض معانيها .

أمام هذا الوضع الجديد، كان لزاماً على اللغويين خاصة، البحث عن علم يهتم بتصحيح اللغة، وبيان الأصيل من الدخيل، من أجل ذلك وضعت عدة مؤلفات كان لها الفضل في حفظ اللغة من الضياع والتهجين بتفسير ما خفي منها وما غمض، وعلى رأس هذه المؤلفات كتاب " العين" للخليل بن أحمد الفراهيدي وهو غاية ما ينتهي إليه التركيب في اللسان العربي، وقد رتب أبوابه على حروف المعجم، ثم ظهر كتاب " الصحاح " للجوهري مرتباً على الحروف الهجائية العربية، وبرز عند الأندلسيين مؤلف "المحكم" وهو مرتب على نحو ترتيب كتاب العين.
وهذه المؤلفات جاءت عبارة عن دواوين وهي ما يعرف في العصر الحديث بالمعاجم، ويعد مؤلف الزمخشري " المجاز" من أهم المؤلفات المصنعة في هذا العلم، لكونه درس اللغة لفظاً ومعنىً كما جمع مع ما جاز من الألفاظ والمدلولات في اللغة العربية، وقد اقتفى أثره الثعالبي في " فقه اللغة" وهو أعز ما يطلب للأديب في فني النظم والنثر، ويبقى مؤلف ابن السكيت "الألفاظ " من أكثر المؤلفات استعمالا حتى عصر ابن خلدون، ثم توالت المؤلفات التي حمى الله بها لغة العرب من الضياع والاندثار.

ثالث العلوم التي دعا ابن خلدون للاهتمام بها علم البلاغة؛ وهي كما هو معلوم تتكون من ثلاثة علوم هي:
-علم المعاني
-علم البديع
-علم البيان
ويلاحظ أن المشرق تطور في علم البلاغة أكثر من الديار المغربية كما يشير ابن خلدون: "المشارقة على هذا الفن أقوم من المغاربة، وسببه والله أعلم أنه كمالي في العلوم اللسانية، والصنائع الكمالية توجد في العمران، والمشرق أوفر عمراناً من المغرب".

كما أن المشرق كان ملتقى الحضارات المختلفة والثقافات المتنوعة، والتي كان لها الأثر القوي على صقل موهبتهم البيانية فكانوا أول من فطنوا إلى هذا العلم؛ فأبدعوا فيه، في حين لم يحظ المغاربة بهذه الميزة إلا بعد الفتوحات الإسلامية التي كان لها الفضل في استقراء القرآن الكريم منبع المعجزات اللغوية والبيانية، وبالتالي فمن المنطقي أن يتأخر المغاربة عن المشارقة في تحصيل ودراسة هذا العلم.

أما العلم الرابع الذي هو أحد ركائز لغة العرب عند ابن خلدون فهو علم الأدب، وهذا العلم عرف بعدة معاني باختلاف العصور والأجناس، فقد استعمل في العصر الجاهلي بمعنى أخلاقي هدفه تهذيب الخلق وتقويم الطبع، وعرف في الإسلام بالتعليم والتثقيف فلقد جاء في الحديث النبوي(أدبني ربي فأحسن تأديبي) "إسناده ضعيف لكن معناه صحيح" وظل هذا التعريف سائداً حتى العصر الأموي، حيث أطلق مصطلح أدب على طائفة المتعلمين والمتأدبين، وقد أخذ هذا المعنى يتطور ويتسع حتى شمل كل ما يتصل بالشعر والنثر من تفسير وشرح ودراسة.

يقول ابن خلدون:" هذا العلم لا موضوع له ، ينظر في إثبات عوارضه أو نفيها، وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته، وهي الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم، فيجمعون لذلك من كلام العرب ما عساه تحصل به الملكة من شعر عالي الطبقة، وسجع متساو في الإجادة، ومسائل من اللغة والنحو مبثوثة أثناء ذلك متفرقة يستقري منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية مع ذكر بعض من أيام العرب، يفهم به ما يقع في أشعارهم منها، وكذلك ذكر المهم من الأنساب الشهيرة والأخبار العامة، والمقصود بذلك كله، أن لا يخفى على الناظر فيه، شيء من كلام العرب وأساليبهم ومناحي بلاغتهم إذا تصفحته، لأنه لا تحصل الملكة من حفظه إلا بعد فهمه، فيحتاج إلى تقديم جميع ما يتوقع عليه فهمه".
ومما لا ريب فيه أن أصول الأدب تكتسب من أربع مؤلفات كما قال العلماء وهي: "أدب الكاتب " لابن قتيبة و" الكامل في اللغة والآداب" للمبرد و" البيان والتبيين" لجاحظ، و"النوادر" لأبي علي القالي.

بهذا التطواف فيما كتبه ابن خلدون عن جماليات اللغة نحصل على تعريف واسع لعلوم اللسان العربي، وتتضح أهميتها المعرفية والثقافية في تحصيل الملكة اللسانية وبالتالي تحصيل الملكة الابداعية في قرض الشعر، وفهم لغة القرآن.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

من ذاكرة التاريخ

أبو المعالي الجويني إمام الحرمين

الإمام الجويني أحد كبار أئمة المذهب الشافعي، مجمع على إمامته متفق على غزارة علومه وتفننه فيها. قضى معظم حياته...المزيد