الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حماية المرأة في السنة النبوية

حماية المرأة في السنة النبوية

 حماية المرأة في السنة النبوية

تحظى المرأة برعاية خاصة في المجتمع المسلم، نظراً لطبيعتها ومكانتها في الأسرة، ولذلك جاءت تلك التشريعات الاحترازية القاصدة إلى حمايتها وصونها، فقد اشتملت السنة النبوية على مجموعة من التوجيهات لذات الغرض، وهذه جملة من تلك الأحاديث النبوية التي يتبين بمجموعها مدى الرعاية والحماية للمرأة في السنة النبوية.
أولا: أمر بغض البصر عنها، حماية لها من الفتنة بها، وما يتبع ذلك من التعرض لها، ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والجلوس بالطرقات» قالوا: يا رسول الله ما لنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أبيتم إلا المجلس، فأعطوا الطريق حقه» قالوا: وما حقه؟ قال: «غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر».
وفي الصحيحين أيضا عن عبد الله بن عباس، أنه قال: كان الفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءته امرأة من خثعم تستفتيه، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر، قالت: يا رسول الله، إن فريضة الله على عباده في الحج، أدركت أبي شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة، أفأحج عنه؟ قال: «نعم»، وذلك في حجة الوداع.
ثانيا: أحاطها بالمَحرَم ليس تخوُّناً لها، ولا رغبةً في التسلط عليها، وإنما حماية وحفظا لها، حتى أسقط عنها حج الفريضة عند عدم المحرم، صونا لها عن المخاطرة بنفسها، ففي الصحيحين ابن عباس، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم»، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: «انطلق فحج مع امرأتك».
ثالثا: حماها من تسلط الولي عليها باسم الولاية، فجعل لها حقاً في اختيار الزوج، فلا يحق لوليها إجبارها على الزواج إلا بإذنها إن كانت بكراً، أو أمرها إن كانت ثيباً، وإن كانت لا تستغني عن الولي لخبرته ومعرفته، ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن»، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت».
وفي السنن عن عبد الله بن بريدة، قال: "جاءت فتاة إلى عائشة فقالت: إن أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بها خسيسته، وإني كرهت ذلك، فقالت عائشة: اقعدي حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذكري ذلك، فجاء نبي الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له فأرسل إلى أبيها، فلما جاء أبوها جعل أمرها إليها، فلما رأت أن الأمر قد جعل إليها، قالت: إني قد أجزت ما صنع والدي، إنما أردت أن أعلم هل للنساء من الأمر شيء أم لا".
ومعنى "ليرفع بي خسيسته" أي: أنه كان دنيئا فأراد أن يجعله بها عزيزا.
رابعا: حمى حقها في الحضانة من أن ينتزعه منها أحد، رعاية لما جبلت عليه من وافر الشفقة والرحمة، فلم يفرق بينها وبين أولادها، ففي مسند الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن امرأة قالت: يا رسول الله، ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني، وأراد أن ينزعه عني. قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق به ما لم تنكحي».
وفي مصنف عبد الرزاق وغيره عن ابن عباس، قال: طلق عمر بن الخطاب امرأته الأنصارية أم ابنه عاصم، فلقيها تحمله بِمَحْسَرٍ، ولقيه قد فطم ومشى، فأخذ بيده لينتزعه منها، ونازعها إياه، حتى أوجع الغلام وبكى، وقال: أنا أحق بابني منك، فاختصما إلى أبي بكر، فقضى لها به، وقال: رِيحُهَا وَحَرُّهَا وَفَرْشُهَا خير له منك، حتى يشب ويختار لنفسه.
وِمَحْسَرٍ: سوق بين قباء وبين الحديبية.
خامسا: حماها من استطالة الزوج عليها بغير حق، فحرم إيذائها وظلمها، مع ما عظَّمه من مكانة الزوج، إلا أنه منع من تعسف الزوج على زوجته، ففي سنن أبي داود عن معاوية بن حيدة قال: قلت: يا نبي الله نساؤنا ما نأتي منها وما نذر؟ قال: «حَرْثُكَ ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ، غَيْرَ أَنْ لَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ، وَأَطْعِمْ إِذَا طَعِمْتَ، وَاكْسُ إِذَا اكْتَسَيْتَ، كَيْفَ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ إِلَّا بِمَا حَلَّ عَلَيْهَا».
وفي قصة الغامدية في صحيح مسلم لما رجمت "سبها خالد ابن الوليد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم سبه إياها، فقال: «مهلا يا خالد، فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له»، ثم أمر بها فصلى عليها، ودفنت.
فنهى عن سب هذه المرأة مع أنها مقترفة لحد من حدود الله؛ حماية لحقها، فالغيرة لا تبيح الظلم، بل أثنى على توبتها هذا الثناء الكبير، وهو لا يخبر إلا بما علمه الله من شأنها.
وحمى الأنثى من العقلية العربية التي كانت قائمة على استنقاص الأنثى، ووأدها، وتفضيل الذكر عليها، فمحى كل ذلك الإرث الجاهلي بتعليمات جديدة أعلت من شأنها، وجعل منها كيانا محترما، كما في سنن مسند الإمام أحمد عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ولدت له ابنة، فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها - يعني الذكر - أدخله الله بها الجنة».
حتى وصل الأمر إلى ملاحظة العدل في الحب والمشاعر بين الأولاد ذكورا وإناثا، كما في شعب الإيمان للبيهقي عن أنس، أن رجلا كان جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بني له، فأخذه فقبله وأجلسه في حجره، ثم جاءت بنية له، فأخذها وأجلسها إلى جنبه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فما عدلت بينهما».
سادسا: حمى المرأة من التخون وسوء الظن، وسدَّ أبواب ذلك؛ لما يجر إليه من إفسادها، وجرح مشاعرها، وقد بوَّب البخاري في صحيحه: "باب لا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة، مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم"، وأورد حديثاً عن أنس بن مالك، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يطرق أهله ليلا، وكان يأتيهم غدوة، أو عشية». وحديث جابر رضي الله عنه، قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يطرق أهله ليلا».
سابعا: حماها من التجهيل، فأباح لها التعلم، ونهى عن منعها من الخروج إلى المساجد، كما في الصحيحين عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله»، فكانت النساء يخرجن إلى المسجد، فيشهدن الجماعة، والأعياد، ويسمعن المواعظ، ويحفظن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان منهن الحافظات المكثرات، وكان يخصهن بالتعليم والموعظة، حتى لا تقع المرأة ضحية للجهل بدينها، فيضعف دورها في المجتمع.

ولو تأمل المنصفون في مثل هذه المعالم النبوية وغيرها لوجدوا أن المرأة تحظى برعاية خاصة، وحماية لا مثيل لها في أي نظام عبر التاريخ كله، سيما ونحن نشهد التردي الحضاري الذي تشهده البشرية اليوم بالتعاطي مع المرأة بامتهان وإساءة، حتى تحولت المرأة إلى مطمع ووسيلة جذب لتحقيق المكاسب المالية، وتفريغ النزوات الشهوانية في كثير من الأحوال، وأضاعوا على المرأة حق الحماية والرعاية الحقيقية التي جاء بها الإسلام.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة