الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معالجات نبوية لداء الرياء

معالجات نبوية لداء الرياء

 معالجات نبوية لداء الرياء

الباعث على العمل من أهم القضايا التي ينبغي على العامل أن يعتني بها حتى تكون على وفق مراد الله، فالمؤمن الذي يمتلئ قلبه بالإيمان بالله ومحبته وتعظيمه لا يبعثه إلى العمل إلا ابتغاء مرضات الله، وتتلاشى منه البواعث الدنيوية التي يكون منشؤها ضعف الإيمان، والتعلق بثناء الناس ورضاهم، فالإخلاص أثر من آثار محبة الله وتعظيمه، وعلى العبد أن يسعى في تقوية ذلك حتى تستقيم له نيته، ويخلص باعثه للعمل من شوائب الرياء والسمعة.

والرياء كما ذكر الغزالي في الإحياء جلي وخفي، "فالجلي: هو الذي يبعث على العمل ويحمل عليه ولو قصد الثواب، وهو أجلاه، وأخفى منه قليلا هو: ما لا يحمل على العمل بمجرده، إلا أنه يخفف العمل الذي يريد به وجه الله، كالذي يعتاد التهجد كل ليلة، ويثقل عليه، فإذا نزل عنده ضيف تنشط له وخف عليه، وعلم أنه لولا رجاء الثواب لكان لا يصلي لمجرد رياء الضيفان".
ولخطورة الرياء على العبد في حبوط العمل، وانقلاب الحسنة إلى سيئة مهلكة، فإنه لا بد من البحث في معالجات جذرية لداء الرياء، والسعي في تقوية الإخلاص في القلب، وعلى ذلك مدار السلامة في الآخرة.

أولا: استحضار مقام الله تعالى، ورؤيته لعبده في كل أقواله وأفعاله، كما قال تعالى: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الشعراء (2017-220).
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة في سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل، وفيه: قال: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
فالأول مقام المشاهدة بأن يصل العبد إلى حال بحيث كأنه يرى الله، ولا شك أن هذا أعلى مقامات العبودية، وهذا أمر يفعله اليقين كما قال ابن القيم في المدارج: "ولا ريب أن تصديق الخبر واليقين به يقوي القلب، حتى يصير الغيب بمنزلة المشاهد بالعين"، فإن عجز عن ذلك فالمقام الثاني وهو مقام المراقبة، بأن يعتقد بأن الله يراه، ويرى قصده وما توسوس به نفسه، فهذا مما يعين العبد على أن يتوثق من الإخلاص ودفع خواطر الرياء التي ترد على القلب.

ثانيا:
دوام الملاحظة والمتابعة لأحوال النية وتقلباتها، واستشعار دقة مداخل الرياء على النفس، فربما تسلل إلى النفس بلبوس التقوى، ولذلك جاء التنبيه على خفائه ودقة منافذه، والاستغفار لما وقع في النفس دون أن يعلم به الإنسان، ففي صحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل»، فقال أبو بكر: فكيف الخلاص منه يا رسول الله؟ قال: أن تقول: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم».
وتتقوى ملاحظة العبد لمسالك الرياء من خلال شعوره بالخطورة، ويقوى هذا الشعور بالاطلاع على ما دونه العلماء في كتب الزهد والرقائق ممن سبقوه إلى معالجة النية، فكلامهم فيه من البصيرة والمكاشفة لخوافي النفوس، ومداخل الرياء، وذلك يعين على الاستفادة من تجاربهم وطرائقهم في مداواة هذا الداء، كأمثال الغزالي في إحياء علوم الدين، وابن القيم في مدارج السالكين، وغيرهما من أرباب السلوك، وأطباء القلوب.

ثالثا:
إخفاء العمل عن نظر الناس وسمعهم لا سيما لمن لا يزال في معاناة مع النية، فذلك يعينه على تقوية إخلاصه، وحماية نيته من التذبذب والاضطراب، فالعمل أمام الناس مما يهيج دواعي الرياء في النفس، وهذا باستثناء الأعمال التي شرع إظهارها كالحج والجهاد والجمعة والجماعة وغيرها، والصدقة إن قصد بها الاقتداء والتحريض.
ففي سنن الترمذي عن عبد الله بن مسعود، يرفعه، قال: «ثلاثة يحبهم الله، رجل قام من الليل يتلو كتاب الله، ورجل تصدق صدقة بيمينه يخفيها - أراه قال - من شماله، ورجل كان في سرية فانهزم أصحابه فاستقبل العدو».
قال الغزالي في الإحياء: وأما الدواء العملي فهو أن يعود نفسه إخفاء العبادات، وإغلاق الأبواب دونها، كما تغلق الأبواب دون الفواحش، حتى يقنع قلبه بعلم الله أو إطلاعه على عباداته، ولا تنازعنه النفس إلى طلب علم غير الله به.

رابعا:
مدافعة وارد الرياء وعدم الاسترسال معه، فإن الإنسان لا يسلم في أثناء العبادة، بل تعرض عليه خطرات الرياء، فإذا أعين العبد على أن يكون باعث عمله وجه الله تعالى، فليجتهد في مدافعة خطراته التي تعرض له في أثناء العبادة، ومع المجاهدة يتحور عمل الشيطان في الوسوسة التي لا تضر المسلم، كما في مسند الإمام أحمد عن ابن عباس، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني أحدث نفسي بالشيء، لأن أخِرَّ من السماء أحبُّ إلي من أن أتكلم به، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة».

خامسا:
تذكر عقوبة الرياء الأخروية، فالرياء محبط للأعمال وسبب للمقت عند الله تعالى وهومن كبائر المهلكات، هذا مع ما يتعرض له في الدنيا من تشتت الهم بسبب ملاحظة قلوب الخلق، ويكفي في ذلك زاجرا حديث الثلاثة الذين تسعر بهم النار يوم القيامة، وهم: المجاهد، وقارئ القرآن، والمتصدق، وقد عملوا أعمالهم ليثني عليهم الناس بها، ففي صحيح ابن حبان قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا هريرة، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة»
فإذا كان قد وقع في الرياء للخلق طمعا فيما في أيديهم فليتذكر أن الله تعالى هو المسخر للقلوب بالمنع والإعطاء فلا رازق إلا الله، فمن طمع في الخلق لم يخل من الذل والخيبة، وإن وصل إلى المراد لم يخل عن المنة والمهانة، ولو أخلص لله لكشف الله لهم إخلاصه، وحببه إليهم وسخرهم له، وأطلق ألسنتهم بالمدح والثناء عليه، مع أنه لا كمال في مدحهم ولا نقصان في ذمهم.
كما قال رجل: "إن مدحي زين، وإن ذمي شين"، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبت ذاك الله الذي لا إله إلا هو». رواه الإمام أحمد في المسند عن الأقرع ابن حابس.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة