الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسباب ترك السماحة

أسباب ترك السماحة

 أسباب ترك السماحة

السماحة والتسامح خلق إنساني نبيل، ومبدأ إسلامي جليل، والإسلام دين السماحة في كل جوانبه: أحكامه، وأخلاقه، وتعاملاته، وتشريعاته.. قال صلى الله عليه وسلم: (بُعثتُ بالحنيفيةِ السمحةِ)[أخرجه أحمد]، وقال: (رحِم اللهُ عبدًا سَمحًا إذا باع، سَمحًا إذا اشترى، سَمحًا إذا اقتَضى)[أخرجه البخاري].

تعريف التسامح
و السماحة هي: احترام الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية بين الناس كافة، دون أي تمييز قائم علي العنصر أو الجنس أو اللغة أو الأصل الوطني أو المعتقد، أو أي تمييز بسبب عجز أو إعاقة.. وهذا هو تعريف مواثيق الأمم المتحدة.

والتسامح علي مستوى الدول يقتضي ضمان العدل وعدم التحيز في التشريعات وفي إنفاذ القوانين والإجراءات القضائية والإدارية، بين أبناء الوطن مع اختلاف اللون والجنس والعنصر والمعتقد، وهو يقتضي أيضا إتاحة الفرص الاقتصادية والاجتماعية لكل شخص دون أي تمييز. فكل استبعاد أو تهميش إنما يؤدي إلي الإحباط والعدوانية والتعصب.

إن التسامح على هذا المعنى ليس مبدأ يُعتَزُّ به فحسب، ولكنه أيضا ضروري لإحلال السلام والتقدم الاقتصادي والأمن الاجتماعي، والهدوء النفسي لكل الشعوب.

ولا شك أن ترك السماحة وارتفاعها من بين الناس يؤدي إلى أضرار كبيرة كتزايد أعمال العنف، والإرهاب، وكراهية الأجانب، والنزاعات القومية، والعنصرية، والتمييز ضد الأقليات، والاستبعاد والتهميش للاجئين والعمال المهاجرين والفئات الضعيفة في المجتمعات، كما تؤدي إلى تزايد أعمال الترهيب ضد بعض صور حرية الرأي والتعبير.

وعلى مستوى الأفراد فإن غياب التسامح يؤدي إلى الانزلاق في اللدد والخصومة، وكثرة المجادلة، ويوغر الصدر، ويورث الكراهية والبغض، ويؤدي إلى الفرقة والضعف.

وهذا كله يهدد عمليات توطيد دعائم السلام والديمقراطية والأمن علي الصعيدين الوطني والدولي والشخصي، وتشكل كلها عقبات في طريق التنمية والسلام الاجتماعي.

أسباب ترك السماحة
وأما أسباب ترك السماحة فهي كثيرة على المستوى العام والخاص.. فمن ذلك:
أولا: التعصب
وهو عدو هذه الفضيلة الإنسانية، سواء كان للرأي، أو للجماعة، أو للعنصر.. حتى التعصب للعقيدة ضبطه الله بين حدي الإفراط والتفريط، فمنع من التعدي على عقائد الآخرين، ونهى عن ظلمهم، ما لم يقاتلونا ولم يحاربونا فقال سبحانه {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الممتحنة:8]، كما نهى عن الإفراط الذي يوصل إلى حد الذوبان أو التخلي عن أصول الإيمان وقواعد الشريعة فقال سبحانه {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الممتحنة:9].
فمهما بلغ الخلاف العقدي مع الآخرين يبقى المسلم مطالبا بإقامة العدل، والحكم بالقسط، وممنوعا من الاعتداء والظلم قال سبحانه {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ}[المائدة:8].

ثانيا: التمييز العنصري
ضد عرق، أو لون، أو فكر، أو ثقافة.. وقد عانت أوروبا من العنصرية الأمرّين، وكان التمييز الفج ضد أصحاب البشرة السمراء إلى عهد قريب معمولا به في الغرب، وما تزال آثاره موجودة وحوادثه متكاثرة، وبين الفينة والفينة تقع حوادث من مثل هذا النوع بشكل مفزع، وإن كانت دول الغرب تحاول أن تتخطى هذه العقبة بسن القوانين التي تخفف من غلواء هذا الأمر.
والإسلام قد وقف موقف الحسم من هذه المشكلة وبين أن الناس كلهم سواسية، قال صلى الله عليه وسلم: (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى، النَّاسُ من آدمَ، وآدمُ من ترابٍ)[رواه أحمد والبيهقي].

ثالثا: شيوع الجهل
التسامح كقيمة مقرون بمستوى التعليم والمعرفة التي تمكن الفرد من الاطلاع والقدرة على المقارنة بين الآراء المختلفة واتخاذ الموقف العقلاني تجاه هذه المسألة أو تلك، ففي كثير من الأحيان يكون رد الرأي الآخر ومحاربته ليس لخطئه وفساده، وإنما لعدم فهمه، وانعدام القدرة على استيعابه، فيهاجمه الجاهل لمجرد ظن مخالفته لرأيه، وكلما زاد الجهل وانتشر كلما زادت هذه الهوة واتسعت.

رابعا: دعوى احتكار الحقائق:
وهو اعتقاد الإنسان صحة وجهة نظره وامتلاك ناصية الحقيقة المطلقة، وبالتالي فهو غير قابل للنقاش أصلا، بل إنه يكون مستعدا للقتال والموت في سبيل قناعاته.
وهذا الاعتقاد يرفع الحد بين الرأي والحقيقة، فهو لا يرى الفارق بين الحقائق القطعية الشرعية، وبين الآراء الظنية الإنسانية، فيتعامل مع رأيه ويدافع عنه على أنه الحقيقة التي لا تقبل النقاش وكل ما سواها باطل. وغالبا ما ينظر إلى مخالفيه على أنهم أعداء، وربما زاد الغلو فيرى جواز تهميشهم أو حتى إيذائهم وقتلهم، كما هو في كل الجماعات المتطرفة في جميع الأديان.

خامسا: تدني مستوى الحريات

خصوصا في البلاد المتخلفة التي تقودها أنظمة قمعية استبدادية، حيث لا قيمة للإنسان، ولا مكان للحريات، ولا عدالة للقانون، وإنما هو حكم الفرد وفرض الرأي، وحيث الطبقية المفرطة، فحقوق الناس مستباحة، ورأي الناس وفكرهم مصادر، فليس هناك إلا رأي واحد لمن بيده زمام الأمور والبقية تبع لا يحق لهم المخالفة ولا المعارضة ولا إبداء الرأي، وإلا فالعقوبة لهم بالمرصاد.

سادسا:الكبر والاستعلاء
وهذا غالبا يكون ممن يملك أسبابها من المناصب السياسية أو القوة المالية والبشرية، فتكون القوة هي معيار الحقيقة، والرأي لمن يمتلكها.

أسباب شخصية

وهناك أسباب أخرى لعدم التسامح يمكن وصفها بأنها شخصية فردية:
كالانتقام للنفس: عند الشعور بالإهانة والتنقص ردا للاعتبار، وعدم الظهور بمظهر الضعف والذلة.
ومنها ضعف الحجة والافتقار لأدب الحوار.
ومنها أيضا الجهل بفضيلة التسامح وترغيب الدين فيه ودعوته إليه.
ومنها الجهل بأثر التسامح على الفرد والمجتمع.

وخلاصة الأمر

أن التسامح هو قبول الآخر، واحترام حقوقه وحرياته الأساسية، دون أي تمييز قائم علي العنصر أو الجنس أو اللغة أو الدين أو بسبب عجز أو إعاقة.. وهو بهذا مطلب أخلاقي إنساني، ومبدأ إسلامي، وواجب سياسي وقانوني ضروري لإحلال السلام وللتقدم الاقتصادي والاجتماعي لكل الشعوب.

إن التسامح لا يعني التنازل عن المبادئ، أو التغاضي عن الحقوق، أو الذوبان في ثقافة الآخر، ولا يعني إطلاقا التخلي عن العقائد وثوابت الدين، وإنما هو العدل والإنصاف مع الآخرين.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة