الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من سنن الصيام وآدابه

من سنن الصيام وآدابه

من سنن الصيام وآدابه

شهر رمضان شهر معظم كريم، وأيامه من أيام الله المباركة، وهو نفحة ربانية منه سبحانه لعباده المؤمنين، ينبغي أن يتعرضوا لها، فلعل أحدهم تناله تلك النفحة فلا يشقى بعدها أبدا.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن عرفنا كيف نصوم، سن لنا سننا يتم بها الصيام، ويعظم بها الأجر.. فمن ذلك:
تعجيل الفطر
لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يَزالُ النَّاسُ بخَيْرٍ مَا عَجلوا الفِطْرَ)[متفق عليه]، وفي الحديث القدسي يقول ربنا سبحانه: (أَحَبُّ عِبَادِي إِليَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا) [رواه الترمذي وقالَ: حَديثٌ حسنٌ].
فإذا تبين للإنسان غروبُ الشمسِ ودخولُ الليلِ فقد حل له الفطر، لقوله صلوات الله وسلامه عليه: (إِذا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ ههُنَا وأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ ههُنا، وغَرَبتِ الشَّمسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصائمُ)[متفقٌ عَلَيْهِ]. وقال سبحانه: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}، والليل باتفاق أهل السنة هو غروب الشمس وأذان المغرب.. وأما تأخير الفطور إلى طلوع القمر، أو نصف الليل، أو إلى صلاة العشاء فهذا عمل أهل البدع.

ويسن أن يكون إفطاره قبل أن يصلي صلاة المغرب، وأن يفطر على رُطَباتٍ، فإنْ لم يجد فَعَلَى تَمَرَاتٍ، فإِنْ لَمْ يَجِدْ فَعَلَى المَاءٍ؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رُطَبَات، فإن لم تكن رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرات، فإن لم تكن تميرات حَسا حَسَوات مِنْ ماءِ)[رواه أبو داود، والترمذي وحسنه].

وأن يدعو عند الفطر بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: (ذهب الظمأ، وابتلَّت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله)[أخرجه أبوداود والحاكم والبيهقي].

تأخير السحور
لما ورد عن أنس رضي اللّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تَسَحَّروا فإن في السُّحُور بركة)[متفق عليه].
ويسن تأخيره لحديث أبي ذر رضي اللّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (لا تزال أمتي بخير ما أَخَّروا السحور وعجَّلوا الفطر)[رواه أحمد].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يؤخرون السحور إلى قرب الفجر، قال زيد بن ثابت رضي اللّه عنه قال: "تَسَحَّرْنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قلت: كم كان قَدْرُ ما بينهما؟ قال خمسين آية "[رواه البخاري ومسلم].

وبركة السحور من جهات
. أن النبي وصفه بالأكلة المباركة، وقال: (تسحروا فإن في السحور بركة)[الطبراني]، وقال: (السَّحورُ أُكْلةُ بَرَكةٍ، فلا تَدَعوه، ولو أنْ يَجرَعَ أَحَدُكم جُرْعةً من ماءٍ)[أحمد وابن أبي شيبة].
. ولصلاة الله وملائكته على أصحابه كما في الحديث: (إنَّ اللهَ وملائكتَه يُصلُّونَ على المُتَسَحِّرينَ)[المسند ومصنف بن أبي شيبة].
. أنه اتباع للسنة، لقوله صلى الله عليه وسلم (تسَحَّروا)، ولفعله، فقد تسحر وتسحر أصحابه.
. وأنه مخالفةٌ لأهل الكتاب، فإنهم لا يتسحرون، قال صلى الله عليه وسلم: (فصْلُ ما بيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ)[رواه مسلم].
. ولأنه تقوية للصائم على صيامه، فلا يتعبه الصوم، ولا يمنعه التعب عن واجبات يومه ومطالب حياته.
. وليكون المسلم متيقظا في هذا الوقت المبارك، فإن الله تعالى (ينزل إلى سماء الدنيا فيقول: هل من داع فأستجيب له، هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له) [متفق عليه]. فلعله يدعو بدعوة فتستجاب، أو يستغفر فيكتب في ديوان المستغفرين بالأسحار، وقد ذكر القرآن من صفات أهل الجنة {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الذاريات:18].

الجود ومُدارسة القرآن
وهما مستحبان في كل وقت، ولكن في رمضان أكثر. فأما القرآن فلأن رمضان شهر القرآن الذي فيه نزل فهو أخص به من غيره {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، ولأن جبريل كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم كل ليلة من ليالي رمضان فيتدارسان القرآن.
وأما الجود والكرم، فقد كان النبي أجود ما يكون في شهر رمضان، وهو لنا أسوة حسنة.
روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ".

المحافظة على التراويح والقيام
فإنها سنة نبوية، من حافظ عليها غفر له ما تقدم من ذنبه، كما في الحديث الصحيح: (مَن قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ)[متفق عليه].

الاجتهاد في العبادة
في رمضان كله، والزيادة قدر الطاقة في العشر الآواخر منه، تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قالت عائشة رضي الله عنها (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ)[البخاري ومسلم].

الاعتكاف
فكان من هديه عليه الصلاة والسلام الاعتكاف في مسجده في العشر الأواخر كل رمضان، ليتفرغ للعبادة، وليقبل على الطاعة، وليحفظ الوقت والعمر، والعكوف في المسجد حماية للإنسان من الدنيا ومشاغلها، وبعد عن الشواغل والعوائق، وهي خلوة بالله تعالى، وإقبال بالقلب والنفس على الطاعات، وفي الاعتكاف منافع أخرى كثيرة.

التماس ليلة القدر
وقد أمر النبي صلوات ربي عليه وسلامه بتحريها، وتحينها، والتماسها، في العشر الأواخر فقال: (تَحرَّوا ليلةَ القَدْر في العَشْر الأواخِر من رمضانَ)[البخاري ومسلم]، وخصوصا في الليالي الوترية من العشر (تَحرَّوا لَيلةَ القَدْرِ في الوَتْر من العَشرِ الأواخِرِ من رمضانَ)رواه البخاري، فهي الليلة المباركة التي من وفق لها وكان من أهلها كانت خيرا له من ألف شهر، كما قال سبحانه: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ}[القدر:3]، ومن ضيعها وحرم ثوابها فاته الخير الكثير، وهو المحروم حقا: قال عليه الصلاة والسلام: (مَن حُرِمَ خَيرَها فقد حُرِمَ)رواه أحمد والنسائي.

كثرة الدعاء
يستحب للصائم الإكثار من الدعاء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ) رواه أحمد.
قال الإمام النووي رحمه الله: "يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ أَنْ يَدْعُوَ فِي حَالِ صَوْمِهِ بِمُهِمَّاتِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا لَهُ وَلِمَنْ يُحِبُّ وَلِلْمُسْلِمِينَ" [المجموع:6/ 375].

صيانة النفس والأخلاق
من كل ما يشين، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: (... فإذا كان يوم صوم أحَدكم فلا يَرْفُث يومئذ ولا يَصْخَب، فإنْ سَابَّه أَحَدٌ أَوْ قَاتَله فَلْيَقُلْ إنِّي صَائِمٌ)[البخاري ومسلم].

والترفع عن قبائح الأعمال ومساوئ الأخلاق، كقول الزور، وكسب الحرام، وإطلاق السمع والبصر، والغيبة والكذب، ففي صحيح البخاري: (مَن لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والعَمَلَ به والجَهْلَ، فليسَ لِلَّهِ حاجَةٌ أنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ).

وحفظ الجوارح، كغض البصر، وحفظ اللسان، وصيانة السمع، من قول المنكر والفحش، وسماع الخنا والغنا، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات والصور المحرمات، فإنها وإن لم تبطل الصوم عند جماهير العلماء، إلا أنها لا شك تنقص الأجر أو تضيعه بالكلية.
قال جابر: "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الحرام، ودع أذى الجار، وليكن عليك سكينة ووقار، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء"

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

اقرأ في إسلام ويب

سننُ المُلكِ: إيتاءٌ ونزعٌ

وإني كلما رأيتُ «شريدَ الأمس» يتنقَّلُ بينَ مواكبِ الملوك، وقصورهم، تذكرتُ قولَ الحقِّ المتعالي: ﴿قُلِ...المزيد