
مما لا شك فيه أن الدعاء من أعظم العبادات التي يتقرب بها العبد لربه عز وجل، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر: 60).
والدعاء مفتاح لكل خير، قال ابن القيم رحمه الله: (والدعاء من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب، وهو من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن).
عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها". قالوا: إذًا نكثر، قال: "الله أكثر". (رواه أحمد والترمذي).
وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه -: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا". (رواه أبو داود).
إن الحياة مليئة بالتحديات التي قد تثقل كاهل الإنسان، ومن بين هذه التحديات: الديون والهموم التي تسيطر على القلب وتشغل البال، لكن الإسلام قدّم لنا أدوات رائعة للتعامل مع هذه الأعباء، ومن أهمها الدعاء، ذلك النور الذي يربط العبد بربه، فيفتح له أبواب الفرج واليسر.
قصة أبي أمامة: دعاء يبدد الهموم ويقضي الدين
دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يوم، فوجد أحد الأنصار، يُدعى أبا أمامة، جالساً في غير وقت الصلاة، تبدو عليه ملامح الحزن والهم. سأله النبي صلى الله عليه وسلم:
"يا أبا أمامة، ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟"
فأجاب أبو أمامة:
"يا رسول الله، هموم لزمتني وديون أثقلت كاهلي".
حينها، علمه النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً عظيماً، قائلاً:
"قل إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ: اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحزنِ، وأعوذ بك من العجزِ والكسلِ، وأعوذ بك من البخلِ والجبنِ، وأعوذ بك من غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرِّجالِ".
يقول أبو أمامة: "فقلت ذلك، فأذهب الله همي وقضى عني ديني". (رواه أبو داود).
دعاء المكاتَب: كلمات تفتح أبواب الرزق
في قصة أخرى، جاء أحد المكاتَبين إلى سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يشكو عجزه عن سداد ما عليه من دين. (والمكاتَب هو العبد الذي تعهد لسيده بدفع مبلغ معين ليحصل على حريته).
قال له سيدنا علي رضي الله عنه:
"ألا أعلمك كلمات علمني إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو كان عليك مثل جبل صِير ديناً، أداه الله عنك؟ قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك". (رواه الترمذي).
هذا الدعاء يجمع بين طلب الرزق الحلال والغنى، بعيداً عن الاعتماد على الناس.
دعاء معاذ بن جبل: كلمات تغنيك عن جبل من الديون
في موقف آخر، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه:
"ألا أعلمك دعاء تدعو به؟ لو كان عليك مثل جبل أحد ديناً، لأداه الله عنك؟ قل: اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير.
رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك". (رواه الطبراني).
في هذا الدعاء يُعظِّم الداعي ربه عز وجل ويتوسل بقدرته، ثم برحمته فيسأله الرحمة التي تغنيه عن الحاجة لأي أحد سواه.
أدعية شاملة من السنة النبوية
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا أراد أحدهم أن ينام أَنْ يَضْطَجِعَ علَى شِقِّهِ الأيْمَنِ، ثُمَّ يقولَ: "اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأرْضِ وَرَبَّ العَرْشِ العَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيءٍ، فَالِقَ الحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ كُلِّ شَيءٍ أَنْتَ آخِذٌ بنَاصِيَتِهِ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الأوَّلُ فليسَ قَبْلَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الآخِرُ فليسَ بَعْدَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فليسَ فَوْقَكَ شَيءٌ، وَأَنْتَ البَاطِنُ فليسَ دُونَكَ شَيءٌ، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ، وَأَغْنِنَا مِنَ الفَقْرِ". (رواه مسلم).
ومن الأدعية التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقوله: "اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لي دِينِي الذي هو عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لي دُنْيَايَ الَّتي فِيهَا معاشِي، وَأَصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فِيهَا معادِي، وَاجْعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لي في كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ المَوْتَ رَاحَةً لي مِن كُلِّ شَرٍّ". (رواه مسلم).
إن هذه الأدعية ليست مجرد كلمات، بل هي مفاتيح للتغيير والراحة، تجعلنا نلجأ إلى الله في كل أحوالنا، متوكلين عليه حق التوكل، فالإنسان حين يدعو بهذه الأدعية بصدق وإخلاص، يجد قلبه مطمئناً، ويشعر بأن الله هو الملجأ والملاذ. فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.