الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا يترك العالم غزة تموت؟

لماذا يترك العالم غزة تموت؟

 لماذا يترك العالم غزة تموت؟

في الحرب المستمرة على غزة – تلك المدينة المحاصرة منذ أكثر من عقد ونصف، والتي تعاني الفقر والدمار - لم يعد الموت خبراً، بل أصبح يوميات لا تلفت الانتباه، ولا تحرّك ضمير العالم. منذ ما يزيد على عام ونصف، وأهالي غزة يواجهون حربًا شرسة تُستخدم فيها كل أدوات الإبادة: القصف الجوي العنيف، الحصار الخانق، قطع الكهرباء والماء، واستهداف المستشفيات، والأسواق، والملاجئ. ومع كل مجزرة ترتكب، يُطرح السؤال بصوت أعلى وألم أعمق: لماذا يترك العالم غزة تموت؟

إبادة على الهواء مباشرة
القصف الإسرائيلي لا يفرّق بين بشر وحجر، بين طفل ومقاتل، بين مسجد وكنيسة، بين مستشفى ومخبز. الطائرات الحربية تحلق بلا انقطاع، تُسقط قنابلها على منازل مأهولة، تُبيد عائلات بأكملها، وتترك جثث الأطفال تحت الأنقاض لأيام، لأن فرق الإنقاذ لا تجد الوقود أو الممرات الآمنة.

الصور القادمة من غزة لا تحتاج إلى تعليق: أطفال يحفرون بأيديهم في الركام، أمهات يودعن أبناءهن دون كفن، مرضى يموتون على الأسرة لانقطاع الدواء والتيار، ومواطنون ينتظرون الموت في طوابير الخبز المعدوم.

حرب التجويع
ليس القصف وحده من يفتك بأهل غزة، بل الجوع كذلك. أُغلقت المعابر، ومنعت قوافل الإغاثة، وتُرك مليونان من البشر بلا طعام، ولا دواء، ولا ماء نظيف. التجويع أصبح سلاحا يُستخدم على مرأى ومسمع العالم المتحضر الذي طالما تغنى كثيرا بشعارات الحرية وحقوق الإنسان واحترام القانون الدولي، لكن هذه المفردات تتبخر كلما تعلق الأمر بفلسطين، وبالتحديد بغزة.
وفي ظل هذا الحصار، لا يُسمح حتى بإدخال حليب الأطفال أو الوقود للمولدات. المستشفيات خرجت عن الخدمة، والمخابز توقفت، والمدارس أصبحت ملاجئ لكنها لا تحمي من لاذ بها؛ إذ يتم استهدافها بشتى أنواع الصواريخ والمتفجرات والقصف.

الصمت العالمي: تواطؤ أم عجز؟
في كل مرة ترتكب فيها مجزرة، يكتفي المجتمع الدولي بـ"القلق"، ويطالب بـ"التهدئة" وكأن القاتل والضحية طرفان متساويان. لكن الحقيقة أن غزة تُقصف وتُجوع وتُحاصر، والعالم يُشاهد.

أين قوانين حقوق الإنسان؟ أين ميثاق جنيف؟ أين مجلس الأمن؟ لماذا يُترك أكثر من مليوني إنسان تحت النار والجوع، بلا حماية، بلا صوت، بلا تدخل حقيقي؟.
إن هذا الصمت المريب، وهذا التواطؤ غير المعلن، يُعبِّر عن نفاق سياسي وأخلاقي. فلو كانت غزة مدينة أوروبية، لكانت الطائرات قد أقلعت، والمساعدات انهالت، والتحالفات شكلت في غضون أيام.

ازدواجية المعايير
في كل حرب تُشن على غزة، يتكرر المشهد: "تُدان المقاومة"، ويُبرر "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، ولا أحد يتساءل عن حق الفلسطيني في الحياة، أو حقه في رفع الحصار.

الازدواجية لا تتوقف عند المواقف السياسية، بل تمتد إلى الإعلام، حيث تُعرض المآسي الفلسطينية باعتبارها "أضرارًا جانبية"، بينما تُصوَّر الخسائر الإسرائيلية - مهما كانت محدودة - على أنها مآسي كبرى.

خذلان عربي وإسلامي
في وقتٍ تُذبح فيه غزة، وتُحرق مستشفياتها، وتُقصف مآذنها، يخيّم الصمت على كثير من العواصم العربية والإسلامية. تُنشر بيانات متفرقة، وتُعقد قمم عاجلة، ثم تعود الحياة إلى روتينها، وكأن غزة لا تنتمي لهذه الأمة.

هل يكفي التضامن عبر الشعارات والصور؟ ألا تستحق غزة دعمًا سياسيًا حقيقيًا، وموقفًا قويًا يكسر هذا الحصار، ويوقف هذه المجازر المستمرة؟

غزة لا تموت... لكنها تُقتل
رغم كل ذلك، غزة لا تموت. تقاوم، تبني، تُنجب الحياة من بين الركام. لكنها تُقتل ببطء، بوحشية، تحت أنظار العالم.

غزة اليوم ليست قضية سياسية فقط، إنها امتحان أخلاقي للعالم كله. ومن يصمت عن تجويع الأطفال وقتل الأبرياء، فهو شريك في الجريمة.

الكلمة الأخيرة
لن يُسامح التاريخ هذا الصمت. ولن تغفر الإنسانية لمن خذل غزة. وستبقى هذه المدينة، رغم الجراح، تكتب بدمائها شهادة جديدة على الظلم، وعلى صبر شعب ما زال يصرّ على الحياة في وجه الموت.
إن غزة، كما يقول محمود درويش: "تحب الحياة إذا ما استطاعت إليها سبيلًا"، وستظل تقاوم، ليس فقط من أجل نفسها، بل من أجل كرامة الإنسان في كل مكان.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة