الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وسائل التواصل.. والقول على الله بغير علم

وسائل التواصل.. والقول على الله بغير علم

وسائل التواصل.. والقول على الله بغير علم

تحدث الناس كثيرا عن منافع وسائل التواصل الاجتماعي، وما فتحته على الناس من أبواب المعارف، وأسباب الاتصال، وتيسير المنافع والأعمال، وغيرها من الأمور التي يسرت أسباب حياة العباد، وقد تحدثنا عن ذلك مرات، ولكننا هذه المرة سنحاول أن نلقى الضوء على الجانب الآخر لهذه الوسائل، فعلى رغم ما في هذا النوع من التكنولوجيا الحديثة من منافع إلا أنها أيضا حملت في طياتها أنواعا من المفاسد والأضرار..

لقد أعطت منصات التواصل ومواقع السوشيال الفرصة لكل إنسان ـ أيا كان ـ أن يتكلم وأن يوصل صوته إلى كثير من الناس، طالما لديه هاتف ذكي، وعنوان بريد إلكتروني، فيسهل عليه إنشاء حساب خاص على كل منها لينشر فيها كل ما يريد.
وهذا ـ وإن اعتبره الكثيرون منفعة كبيرة ـ إلا أنه أيضا فتح باب شر عريض، حيث ينشر كل إنسان محتواه الخاص بغير رقيب ولا عتيد، ودون أن يكون هناك من يحاسب على حلال أو حرام، أو حق أو باطل، أو منافع أو مفاسد، أو خير أو شر.
نتكلم هنا عن مصيبة هي من أكبر المصائب، لأنها تتعلق بدين الناس، وعقيدتهم، وعبادتهم، وأخلاقهم ومعاملاتهم، والتي عادت بكثير من البلاء والضرر والفساد على عباد الله الطيبين، وعلى عوام المسلمين.. وذلك حين أصبح في مقدور أي جاهل أو حتى متعالم أن يتكلم في الدين ويفتي.. وكأنه مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد.
ففتح باب القول على الله بغير علم، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونسبة كلام له لم يقله ولم ينطق به أبدا، يفعلون ذلك جهلا أو قصدا، وقد ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما، بل تواتر عنه قوله: (من كذب عليَّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار).
ولقد تكلم هؤلاء في الفقه والعبادات ودين الناس بما لم يُسبَق به قائله، وبما يخالف ما هو معلوم من دين الله بالضرورة، وبما يخالف فتاوى أهل العلم والمعرفة وهذا طبيعي "فمن تكلم في غير فنه أتى بالعجائب".. وهذه من المصائب التي بكى لمثلها ربيعة بن عبد الرحمن شيخ الإمام مالك.. فقد روى ابن عبد البر في كتابه "جامع بيان العلم وفضله": بسنده إلى الإمام مالك بن أنس إمام دار الهجرة أنه قال: أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن فوجده يبكي، فقال له: ما يبكيك؟ وارتاع لبكائه.. أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استفتي من لا علم له، وظهر في الإسلام أمر عظيم".. قال ربيعة: "ولبعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق". قال بعض أهل العلم: نعم والله.. لأن السراق إنما يسرقون مال الناس ودنياهم، وهؤلاء يسرقون دينهم وأخراهم.

لقد فتحت السوشيال علينا بابا كان مغلقا، وكان هؤلاء مغمورين لا يعرف عنهم أحد شيئا ولا يسمع بهم أحد، يختفي كل منهم بجهله خلف جدار داره، حتى صار لكل واحد منهم حساب يخرج على الناس من خلاله ليفتي ويقرر ويعلق ويدلي برأيه، ويرد على أهل الفضل، ويناطح جبال العلم، ويستدرك عليهم بجهله، فما أصدق ما قال الأول في أمثالهم:
تصـــدر للتدريــس كل مهوس .. .. بليد تسمى بالفقــيه المــدرس
فحق لأهـــل العــلم أن يتمثلوا .. .. ببيت قديم شاع في كل مجلس
لقد هزلت حتى بدا من هُزالها .. .. كلاها وحتى سامها كل مفلس

لقد ظن أحدهم عندما أمسك المايك، أو أصبح يشاهده عدد من الناس أنه أصبح فقيها بحق، أو عالما بصدق، وصدق نفسه أنه من حقه أن يتكلم في الدين، أو حتى يأتي بمقاطع لمشايخ ثم يعلق عليها من عند نفسه بأحكام مخالفة تماما لما هو معروف ومعلوم عند أهل العلم وأهل المعرفة والفقهاء والعلماء وطلبة العلم المحترمين.

الافتراء على الله من أكبر الكبائر
إن الجرأة على الفتوى والكلام في دين الله دون أهلية إنما هي من باب القول على الله بغير علم، وهو من أكبر الكبائر، وأعظم الجرائم، حتى جعله الله أشد من الشرك وعظائم الذنوب، وتوعد عليه بالعذاب الأليم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف:33]. وقال سبحانه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النحل:116ـ 117]. وقال جل من قائل: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الأنعام:144].

قال ابن القيم في مدارج السالكين في قوله تعالى {وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون}: "فهذا أعظم المحرمات عند الله وأشدها إثماً، فإنه يتضمن الكذب على الله ونسبته إلى ما لا يليق به، وتغيير دينه وتبديله، ونفي ما أثبته وإثبات ما نفاه، وتحقيق ما أبطله وإبطال ما حققه وعداوة من والاه وموالاة من عاداه وحب ما أبغضه، وبغض ما أحبه، ووصفه بما لا يليق في ذاته وصفاته وأقواله وأفعاله، فليس في أجناس المحرمات أعظم عند الله منه ولا أشد منه ولا أشد إثما، وهو أصل الشرك والكفر، وعليه أسست البدع والضلالات، فكل بدعة مضلة في الدين أساسها القول على الله بلا علم" انتهى.

واقع في كبيرتين
والذي يفتي الناس بغير علم واقع في كبيرتين عظيمتين:
الكبيرة الأولى: الجرأة على الكذب والافتراء على الله وقد قال سبحانه: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[الأنعام:144].

والكبيرة الثانية: إغواء الناس وإضلالهم، وقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) [رواه البخاري ومسلم]. فالمفتي بغير علم ضلَّ عن الحق، وأضل غيره ممن اتبعه في فتواه.
جاء في "الموسوعة الفقهية 32/24): "الإفتاء بغير علم حرام، لأنه يتضمن الكذب على الله تعالى ورسوله، ويتضمن إضلال الناس، وهو من الكبائر".

فهذه رسالة لكل من تصدر للإفتاء وهو ليس من أهله، ولم يمتلك أدواته، ولم يبلغ من العلم ما يؤهله لذلك، أن يتقي الله في نفسه، ولا يتقحم النار، ولا يحمله طلب زيادة المتابعين، أو كثرة المشاهدين أن يكذب على الله وعلى رسوله فقد قال صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)[متفق عليه]. وقال سبحانه: { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[النحل:116ـ 117].

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة



الأكثر مشاهدة اليوم

اقرأ في إسلام ويب

جلسات عائلية

اجتماع الأسرة في لقاءات عائلية يحوطها الوفاء والمحبة، وتلفها الرحمة والمودة، شيء يؤلف القلوب ويجمع ويزيد الحب،...المزيد