الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الدعوة الفردية آمال ونصائح 2ـ2

الدعوة الفردية آمال ونصائح 2ـ2

الدعوة الفردية آمال ونصائح 2ـ2

في كتابه "صناعة الحياة" ذكر الشيخ الراشد أنه: "في أواخر القرن السابع عشر تقريبا دفع أحد رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية بمحام يسمى هيوستن إلى مقاطعة من المقاطعات المجاورة للولايات المتحدة ، وقال له : إن أمريكا تحتاج إلى تلك المقاطعة ، وليس عندي من مال ولا عتاد ما أمدك به لتأتي إلي بهذه المقاطعة ، فجمع هيوستن ثيابه وذهب إلى تلك المقاطعة واستأجر مكتبا للمحاماة ، وفي بضع السنين عبر محاوراته ومقالاته في الصحف ومداولاته مع الوجهاء أقنع شعب تلك المقاطعة أن يطالب الانضمام إلى الولايات المتحدة ، وقد حدث المتوقع وتم الاستفتاء ، وضمت تلك الولاية التي سموها بولاية هيوستن امتنانا لجهود ذلك المحامي الذي لم يطلق رصاصة واحدة في سبيل ضم مقاطعة تعادل مساحتها مساحة نصف مساحة فلسطين تقريبا". فهل من مدكر ؟!!.

من خلال هذا الحدث تعلم قيمة الدعوة الفردية ومدى ما يمكن تحقيقه من خلالها ، وأنها يمكن أن تكون من أكثر طرق الدعوة تأثيرا في المجتمع .
ومن أراد أن يتصدى لهذا النوع من طرق الدعوة أو أن يحترف هذا السبيل وأن يتصدى لهذا الباب أن يتسلح بعدته، والتي أهمها الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.

والحكمة وضع الأمور في نصابها ، والموعظة الحسنة هي التي لا غلظة فيها، والجدال بالتي هي أحسن هو ما كان مثمرا، لا الجدال العقيم الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتركه وحذر منه بقوله: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقا) وحمله العلماء على الجدال غير المثمر .

وصايا هامة
وهذه بعض الوصايا نسوقها إليك لاعتقادنا الفائدة فيها، وأنها من الأهمية بمكان حتى تستطيع ممارسة دعوتك بصورة أفضل :
أولا : اقتنع بالقضية واعتبر نفسك الجندي الوحيد في الميدان ، وأن معركتك مع شيطان الهوى سيحسم بمجهودك .
ثانيا : تبرأ من حولك وطولك واستيقن أن الهداية بيد الله عز وجل .
ثالثا : اختر الزمان والمكان المناسب ، إلا في بعض الحالات التي تقتضي الصدع بالحق خوف فوات الفرصة .
رابعا : الأصل في سمتك الهدوء والابتسام ، فإذا احتجت إلى التجهم لصرامة الموضوع فلا بأس ، شريطة ألا يؤول ذلك إلى التنفير ، وأنت خبير بردود أفعال من أمامك .
خامسا : تكلم في المنكر الحالّ ، وتجنب النصح في أمور لا تعلم عن حال المدعو فيها شيئا ( إلا إذا كنت تعلم من المدعو أمرا بعينه يحتاج إلى النصح فيه ) ، فإذا رأيته يدخن فلتكن نصيحتك عن حرمة التدخين ، ولا تكلمه عن غض البصر مثلا حال كونك لا تدري : هل هو ممن يغض البصر عن المحرمات أم لا ؟
سادسا : الدعاة يتكلمون بلسان الشرع ، فلا بد من النطق بأحكام الشرع لا أحكام العرف ، فلا يناسب أن تنصح متبرجة قائلا إن السفور عيب ، بل يجب أن تعلم حكم الشرع فإن جهلته بينتَه لها .
سابعا : التنويع بين الترغيب والترهيب: فإن التخويف بالنار قد لا يصادف محلا عند البعض فلا بأس أن تميل بهم إلى الحديث عن البشارة ، وما أعد الله للطائعين ، ثم تردف ذلك بلفحة من نار جهنم .
ثامنا : البساطة والرشاقة : كن بسيطا في حديثك ، وتجنب التفيهق والتقعر واستخدام غريب الألفاظ والمعاني ، ومن لوازم الدعوة الناجحة رشاقة العرض ، ويكون ذلك بالتناسق بين تعبير الوجه ومعاني الكلمات وحسن المنطق وعدم التكلف في حركة الشفتين ولفظ الحروف ، وكذا التناسق بين تعبير الوجه ومعاني الكلمات مع حركة اليد ، ولتحرص على تناسب إشارة اليد مع حركة اليد لتكون معبرة عن ثقة في المتحدث وجدية في الحديث ، ويناسب عند الحديث عن الأمور الصارمة مثلا أن يشير بقبضة اليد ، وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم شواهد على هذا المعنى .
تاسعا : ركز نظرك في وجه من تحدثه ، فللعين جزالة في التأثير وتعبير عن الصدق يفوق ما في فصيح الكلام .
عاشرا : لا تهجر نصوص الوحي المطهر عندما تحدث الناس ، فإنهم مخاطبون بكلام ربهم بالأصالة ، وليس بكلامك ، فاستيقن إذا أن في كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم من البركة في التأثير أكثر مما في كلامك .
الحادي عشر : لا تكثر من الكلام عن نفسك وعن غيرك ، فتقول أنا وفلان ، وفلان وأنا ، بل حاول أن تجعل من تحدثه في محل اهتمامك نظرا وحديثا ، فحاول إذا أن تستغل خصلة فيه محمودة فتمدحه عليها مكتسبا وده وإعجابه .
الثاني عشر : حاول أن ترطب الحوار ببعض الفكاهة إن اقتضى المقام ، وخاصة إلى احتدم الحوار، وذلك للإبقاء على ركن المودة الذي هو بابك إلى قلبه .
الثالث عشر : لا تجعل القيادة للحوار بيد أحد غيرك ، فإذا حاول أن يصول بك ويجول فالزم نقطة الحوار ولا تتشتت في أودية الحديث ، حيث لا جدوى من جراء ذلك إلا الجدال العقيم ، وقد علمت حكمه .
الرابع عشر : حاول أن تركز في موضوعك ، وأن تسوق له من الأدلة والشواهد الشرعية والمنطقية ما تغزو به ضميره ، فإذا احتللت مكانا في القلب فحافظ على هذا المكان ثم ابدأ هجومك الكاسح من ذلك الموقع (لا تتراجع أو تتأخر إلى مواقع سابقة).
الخامس عشر : حاول أن تستخلص من كلام من تحاوره ما يفسده ، مع التلطف في بيان وجه الاستدلال ، مبتعدًا في كل ما سبق عن حب الظهور والرياء والاستعلاء .
السادس عشر : ألا فاعلم أنك تتكلم بلسان الحق ، فاجعل له هيبة ووقارا ، وأحسن عرض ما عندك من الحق ، يزهد الناس في ما في أيديهم من الباطل ، واصبر على أذى لاحق من عنت من تدعوه فهذا ثمن الهداية ( لعلك باخع نفسك على آثرهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ) .

كما ينبغي أن تعطي الاحترام المناسب بمقام وعمر من تحدثه ، فلا يناسب أن ينصح الصغير الكبير دون أن يضمن نصيحته بالغ التوقير وفائق الاحترام .

آثار مرجوة
وبعد قراءتك لهذه الوصايا ستحصل ما يلي - إن شاء الله - :
(1) الثقة بالنفس ، والثقة في الله .
(2) الاستعداد وعدم الارتجال .
(3) الهدوء والروية وعدم الاستعجال .
(4) التركيز وعدم التشتت وراء الموضوعات الفرعية .
(5) تلخيص نتائج دعوتك للخروج بفائدة واضحة .

وبعد أيها الداعية الأريب .. فإن للدعوة الفردية حديثا ذا شجون، وإنما ذكرنا هنا رؤوس الأقلام ، واختصرنا المقاصد لتكون منها على ذكر.. والله المستعان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بتصرف من كتاب "30طريقة لخدمة الدين"

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة