الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العفة ركن المروءة وطهارة المجتمع

العفة ركن المروءة وطهارة المجتمع

العفة ركن المروءة وطهارة المجتمع

قديمًا قال بعض أعداء الأمة: كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع؛ فأغرقوها في حبِّ المادة والشهوات.
وقد حذر نبي الرحمة صَلى الله عليه وسلم من خطر فتنة النساء: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". وقد كان علاج القرآن لهذه الفتنة أبدع العلاجات؛ إذ سدَّ الإسلام كلا لذرائع وأغلق كل الأبواب التي يمكن أن يصل منها الشر إلى المسلم فيوقعه في الفاحشة، أو يفتنه بالمرأة.

لقد حرم الشرع الزنا، وسدَّ كل الطرق الموصلة إليه، وكان من الوسائل التي حفظ بها الشرع المسلمين أفرادًا ومجتمعات من خطورة الفواحش، حثهم على العفة وترغيبهم في التحلي بها.
ونقصد بالعفة هنا: الكفَّ عن الحرام في هذا الجانب جانب النساء. فهي إذن خلق إيماني رفيع يعود على صاحبه بالخير في الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن للعفة لذة أعظم من لذة قضاء الوطر، لكنها لذة يتقدمها ألم حبس النفس، ثم تعقبها اللذة، أما قضاء الوطر فبالضد من ذلك".

*غض البصر عفة:***
إن إطلاق البصر إلى ما حرم الله من أعظم أسباب الوقوع في الفواحش، ولهذا أمر الله بغض البصر: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30]، ولما سئل النبي صَلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة قال: "اصرف بصرك". فمن غض بصره عف فرجه.

**حجاب المسلمة عفة وطهارة ونقاء:***
إن الآيات التي تدعو إلى الحجاب هي في الحقيقة تدعو إلى الغفاف وتحض عليه ، قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53]. وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59]، وهكذا نجد أن حجاب المرأة المسلمة بالإضافة إلى كونه صيانة لها فهو وسيلة من وسائل إشاعة العفة والفضيلة في المجتمع.

**عفة الفرج سبيلك إلى الجنة:***
قال الله تعالى في وصف المؤمنين المفلحين أهل الجنة: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:5- 11].
وقال النبي صَلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله ...". منهم: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله". وقال صَلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة".

**العفة نجاة من المهالك:***
ففي حديث الثلاثة الذين انسد عليهم باب الغار فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم توسل أحدهم بعفته وتركه الزنا مع قدرته عليه ففرج الله عنهم.

**المبادرة إلى الزواج:***
إن من أهم أسباب العفة الزواج، ولهذا حثَّ النبي صَلى الله عليه وسلم شباب أمته على المبادرة إليه وعدم التأخير: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج...". بل إن الله وعد على لسان نبيه صَلى الله عليه وسلم من تزوج يريد العفاف بالمعونة: "ثلاثة حقٌ على الله عونهم: الناكح الذي يريد العفاف".

**العفة تحفظ المجتمع وتحميه:***
نعم؛ فإن من عفَّ عن المحارم عفَّ أهله "عفُّوا تعفَّ نساؤكُم..." ولك أن تتخيل حالة مجتمع تشيع فيه روح الفضيلة.. كيف يتآزر أبناؤه ويتحابون وينتشر فيه الأمن، وتحفظ فيه الأنساب.
ثم انظر إلى الصورة المقابلة إلى المجتمعات التي ضعفت فيها صيانة الأعراض كيف تعيش حالة من الخوف وقلة الأمن واختلاط الأنساب وانتشار الخنا والخيانات، والجزاء من جنس العمل.
وقد ضرب السلف أروع الأمثلة.. في العفة نذكر منها على سبيل المثال:

**قصة عبيد بن عمير رحمه الله وامرأة من مكة:***
ذكر أبو الفرج ابن الجوزي أن امرأة جميلة كانت بمكة، وكان لها زوج، فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحدًا يرى هذا الوجه ولا يفتن به؟ قال: نعم. قالت: مَنْ؟ قال: عبيد بن عمير، قالت: فائذن لي فيه فلأفتننه، قال: قد أذنت لك. فأتته كالمستفتية، فخلا معها في ناحية في المسجد الحرام، فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر، فقال لها: يا أَمَةَ الله استتري، فقالت: إني قد فتنت بك. قال: إني سائلك عن شيء، فإن أنت صدقتيني نظرت في أمرك. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاكِ ليقبض روحك أكان يسركِ أن أقضي لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أُدخلتِ قبركِ، وأجلستِ للمسألة أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم، ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أردت الممر على الصراط، ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقتِ. قال: فلو جيء بالميزان، وجيء بك، فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقتِ. قال: اتقي الله، فقد أنعم عليك وأحسن إليك. قال: فرجعت إلى زوجها. فقال: ما صنعتِ؟ قالت: أنت بطالٌ ونحن بطالون. فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة، فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي، كانت في كل ليلة عروسًا فصيرها راهبة.[روضة المحبين (340)].
فيا أيها الحبيب إذا أردت أن تذوق حلاوة الإيمان، وأن تعيش حميدا موفور الكرامة مُصان العرض فكن عفيفا.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة