الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المشروع الصهيوني بلسان حال شارون: ليس الآن وليس أنا

المشروع الصهيوني بلسان حال شارون: ليس الآن وليس أنا

المشروع الصهيوني بلسان حال شارون: ليس الآن وليس أنا
لطالما راهن ويراهن مثقفون ومفكرون وسياسيون عرب وأجانب على احتمال أن يلجأ الإسرائيليون، أخيراً، إلى الحكمة والحصافة، بتحفيز من راعي السلام الأول، الولايات المتحدة الأميركية، باتجاه خطة سلام ما مع العرب. وانتشر الاعتقاد بذلك في أوساط من المثقفين والمفكرين والسياسيين العرب وغيرهم، ليؤسس لدعوة جديدة لدى هؤلاء تقوم على فتح ملف التطبيع مع إسرائيل. وظهر الأمر وكأن حقبة جديدة من السلام انفتحت على مصراعيها بين العرب والإسرائيليين. وأخذت تبرز بعض الفئات الجديدة في العالم العربي تراقب الموقف بشيء من الحذر وببعض الشيء من التفاؤل، اعتقاداً بأن الصراع العربي-الإسرائيلي ربما انتهى إلى مثل ذلك السلام، أو لعله وصل حدوده في ظل الهيمنة الجديدة، التي أخذت تمارسها الولايات المتحدة على العالم. وتبين لأولئك أن الأوان قد آن لاستراحة المحارب في ظل تعاظم السقوط والنهوض العربي، لصالح المشروع الصهيوني.

لقد رحب أولئك وآخرون في الداخل العربي كما آخرون في العالم بما اعتبروه أفقاً جديداً في قضية الصراع المذكور. وربما كان الصلح بين مصر و"إسرائيل" وبين هذه وبلدان عربية أخرى أحد تجليات الحال الجديد، حتى حين تكون بلدان عربية أو أخرى قد سلكت هذا الطريق سراً أو بشكل نصف علني. فلقد تفكك الاتحاد السوفييتي، وانكسر العراق في حروبه، وأعلنت عن نفسها عملية التقدم العلمي الهائلة لثورتي المعلومات والاتصالات في ظل نظام القطب الواحد الجديد، فماذا تبقى للعرب غير الإقرار بواقع الحال الجديد، والقبول -من ثم- بما قد يحافظ على بعض الكرامة الوطنية والقومية! وقبلت النظم العربية، خصوصاً أنها في ذلك تكون قد خرجت من عنق الزجاجة، ودخلت مرحلة جديدة مديدة من استقرارها. وفي الناتج من ذلك، أخذت جموع من العرب تستدرك ما كانت تلح عليه من أن الحق العربي في فلسطين لم يعد ملك الجغرافيا والتاريخ، منطلقة بتثاقل وببعض القلق، ولكن بشيء من الإقرار بمفهوم التحولات العاصفة الجديدة، نحو التوقيع على أوسلو.

راحت انتصارات الواقعية السياسية تتتالى من طرف النظم العربية، ومعها مجموعات من الفئات ذات المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية. لكن على الطرف الآخر من المشهد، ظل الموقف رابضاً كما هو، كأنه تجسيد للمثل الشعبي الشهير: جَبلْ، ما يهزّك ريح! لم يتعدل المشهد الإسرائيلي باتجاه الأفق الجديد، أفق السلام والتطبيع، كما بشّر دعاتهما نُظُماً وفئات. لم تراع الطواقم السياسية الإسرائيلية الاستراتيجية عواطف هؤلاء المبشرين، مع إصرار الأخيرين -تعباً أو لعباً أو خبثاً أو أملاً- على تناسي المقولة الكبرى، التي قدمها -في حينه- أحد كبار مؤسسي إسرائيل بن غوريون والقائلة: إن اتفاقاً مع العرب أمر ضروري لنا، وليس من أجل السلام. إذ لا يمكن أن نبني البلاد في حالة من الحرب الدائمة، لكن السلام هو وسيلة. أما الهدف فهو التحقيق المطلق للصهيونية.

لكن مسيرة الإذلال السلمية تبقى هي الحقيقة الثابتة في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه العرب. ولعله لا بوش الابن، كما هو الحال لدى بوش الأب وغيره من الرؤساء الأميركيين، قادر على زحزحة موقف "إسرائيل" المبدئي الثابت من القضية، وذلك لحقيقة عظمى تتباهى الآن بالنظام العالمي الجديد الأميركي، هي التالية: إن ما تراه "إسرائيل" بمثابة حقيقتها العظمى المذكورة إن هو إلا حقيقة الولايات المتحدة العظمى.

هكذا وعلى مسار الإذلال السلمي للعرب، يعلن دراكولا الشاروني -كما عبّر عنه الكاتب الإسرائيلي (يوئيل ماركوس) في صحيفة هآرتس (في 23/12/2003)-: ليس الآن، وليس أنا! إن شارون، في هذا، يصوغ بدقة أيديولوجية ومنطقية بليغة أسساً لما أنجزه أسلافه وما قد يؤسس لأخلافه تحت عنوان: "إسرائيل" فوق الجغرافيا والتاريخ. ومن ثم، فلا تغيير في الأفق أبداً. أما العرب فعليهم السلام، الذي عليه أن يُفضي إلى تفكيكهم وتحويلهم- في بلدانهم- إلى عبيد متشرذمين تحت قبضة النظام العالمي الجديد. ولكن، أليس من حق العرب أو معظمهم أن يقولوا: حسابُ الليل غير حساب النهار؟!

*أستاذ الفلسفة - جامعة دمشق
صحيفة الاتحاد 13/1/2004

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة