الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

«تجميد الاستيطان».. تلاعب بمصطلحات لفظية

«تجميد الاستيطان».. تلاعب بمصطلحات لفظية

«تجميد الاستيطان».. تلاعب بمصطلحات لفظية

في خطاب هرتسليا عام 2003 حيث أعلن شارون عن خطة فك الارتباط، لم يخف نواياه بالاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة ومحيط القدس وضمها إلى "إسرائيل" ولن تكون وفقاً لأية تسوية جزءاً من دولة فلسطين حيث قال: «في إطار خطة فك الارتباط ستعزز "إسرائيل" سيطرتها في تلك الأجزاء من أرض "إسرائيل" والتي ستشكل جزءاً لا يتجزأ من دولة "إسرائيل" في كل تسوية».

كل ما كان يحتاج إليه شارون هو المزيد من الوقت ليصنع حقائق على الأرض فخرج على العالم بمناورة «اللا شريك الفلسطيني» بموجب المساحة الأمنية التي أتاحتها «خريطة الطريق» - حسب فهمه لها - وانسجاماً مع تفهم واشنطن لشروطه الـ 14 عليها والتي أفرغتها من محتواها السياسي وحررتها من الاستحقاقات الزمنية، لتصبح لعبة الوقت لعبة إسرائيلية محضة ، وهكذا راقت فكرة «اللا شريك الفلسطيني» لإدارة بوش التي كانت تتململ من رؤية الدولتين بعدما أصبحت ملكاً للرباعية الدولية بموجب «خريطة الطريق»، وهذا الموقف الأميركي المتململ شكل المدخل لتدويل «فك الارتباط» وفرض الوصاية الأميركية على الطرف الفلسطيني، حيث قرر بوش مسبقاً وعبر رسالة التطمينات أنه في إطار التسوية الدائمة لن يتم إخلاء الكتل الاستيطانية الكبرى وأنها ستصبح جزءاً من دولة "إسرائيل" إلا أن الشهية الإسرائيلية أكبر من ذلك بكثير والهدف هو تنفيذ خطة «ي-1» الاستيطانية لربط معاليه أدوميم والقدس عبر بناء 3500 وحدة سكن وهي الخطة الأخطر في الضفة لأنها ستقطع التواصل الجغرافي لدولة فلسطين المستقبلية وتحيط شرقي القدس بأحياء يهودية، ليكتمل الطوق الاستيطاني حولها، مما يجعل إمكانية أن تكون القدس الشرقية عاصمة الدولة الفلسطينية شبه مستحيلة.

لهذا السبب يعتبر شارون الربط بين القدس ومعاليه أدوميم (مسألة حيوية) ويؤكد باستمرار أن الأميركيين «يتفهمون ذلك»، وإدارة بوش في الأحاديث المغلقة تشجع ذلك وتعارضه في العلن وتطالب شارون بتجميد الأعمال الاستيطانية، إلا أنه يرى نفسه في مأزق تجاه تلك القضية الحساسة فهو لأغراض داخلية لا يجد مناصاً من الإفصاح والإعلان عن نواياه الاستيطانية في مجابهة معارضي فك الارتباط ليثبت لهم أن فك الارتباط يؤمن له ذلك الزخم الاستيطاني ولاعتبارات السياسة الخارجية يفضل تقرير الحقائق على الأرض بصمت ودون ضجيج واحتفال كي لا يحرج الحليف الأميركي، تماماً كما كان يفعل عندما كان وزيراً للإسكان إذ كان دوماً يردد عبارة :«علينا البناء بصمت دون صخب الاحتفال».

وبالفعل استمر البناء بصمت وفقاً للخطط السابقة دون الإعلان عن مشاريع جديدة وكانت الأمور تجري على الأرض كما يشتهي شارون وأكثر، ولكن ما أفسد عليه إمساكه بزمام الأمور، اضطراره للرد على ما سرب على لسان السفير الأميركي كيرتسر عشية إقرار الموازنة الإسرائيلية قوله: إن هناك «سوء فهم» حول الكتل الاستيطانية مما اضطر رايس للتدخل والتأكيد على جدية الوعد الأميركي، وحتى السفير نفسه بتوجيه من الإدارة الأميركية أوضح قائلاً: «نحن نعرف أنه توجد مراكز سكانية إسرائيلية كبرى وموقفنا هو أنه في إطار المحادثات على الحل الدائم فإننا نعترف بأن هذه المراكز سيتعين عليها أن تكون جزءاً من "إسرائيل"، فإسرائيل لن تكون مطالبة بالعودة إلى خطوط 1967، الرئيس أوضح ذلك وتعهدنا يبقى على حاله».

ومن أجل الحفاظ على «الشراكة الأمنية» التي اتفق عليها مع «الشريك الأمني الفلسطيني الجديد» التي تم التوصل إليها في شرم الشيخ كبديل للشراكة السياسية، يرى الأميركان ضرورة ألا تعلن "إسرائيل" عن مشاريع استيطانية جديدة، وكذلك طلبت الإدارة الأميركية من السفير كيرتسر تجنب اللقاءات الصحفية الإسرائيلية المتعلقة بالاستيطان، وظلت عطاءات البناء مجمدة في "إسرائيل" بأوامر من شارون، ولكن بناء آلاف الوحدات السكنية استمر على الأرض وفقاً للعطاءات السابقة، خاصة في تجمعات مثل (معاليه ادوميم وبتار عيليت وموديعين عيليت) ومعظم تراخيص البناء التي يعمل بها من فترة باراك، ففي عام 2001 نشرت وزارة الإسكان عطاءات لبناء (810) وحدات سكنية في الضفة وغزة، خاصة في القدس وفي عام 2002 قامت الحكومة بتسويق (1988) وحدة للبيع أغلبيتها الحاسمة بالقرب من الخط الأخضر - القدس الكبرى - وغربي الضفة، وفي عام 2003 سوقت الدولة «2970» وحدة سكن للبيع بواسطة عطاءات وزارة الإسكان منها 75% في القدس (ربعها في معاليه أدوميم والربع الآخر في بيتار عيليت والثالث في بفعات زئيف والرابع في آفرات)، في عام 2004 نشرت الإدارة المدنية ووزارة الإسكان عطاءات لبناء (962) وحدة سكن (600 في بيتار عيليت و200 في أرائيل).

وفي الوقت الراهن شهدت مستعمرة (موديعين عيليت) حركة بناء مكثفة وهي المدينة الأكبر بمحاذاة الخط الأخضر .. وعدد سكانها 33 ألف نسمة حيث ينضم إليها سنوياً 900 عائلة جديدة، وليس هناك قرار بتجميد البناء فيها، ويبنى فيها الآن 2500 وحدة سكنية جديدة وهناك 12 ألف وحدة اجتازت كل إجراءات الترخيص وليس هناك أي قيود على بنائها،

والخطة الرئيسية التي حصلت على الترخيص في «موديعين عيليت» تتحدث عن تعداد يبلغ 300 ألف نسمة، أما في مدينة «بيتار عيليت» الأصولية أيضاً (30 ألف نسمة) فتبنى الآن ألف وحدة سكنية وليست هناك خطة لتجميد الاستيطان فيها حيث يهاجر إليها 1700 يهودي سنوياً.

وفي (معاليه أدوميم) التي يعيش فيها (32 ألف نسمة) تمرر الآن خطط مختلفة لألف وحدة سكنية، وفي إطار المشروع (07) شمال شرقي القدس يتم تناولها الآن بشكل مجزأ ودون إعلان عن تراخيص وذلك لاعتبارات السياسة الخارجية، ولاعتبارات على الأرض حيث صرح مهندس بلدية القدس أوري شطريت، مؤخراً بأنه لا يمكن بناء أحياء سكنية جديدة أو توسيع البناء لليهود في شرقي القدس في حي البوابة الشرقية وهو الحي الذي خطط له أن يخلق التواصل بين اليهود في القدس ومعاليه أدوميم وعلل شطريت ذلك بالقول: «لا توجد اليوم أراض بملكية عامة في شرقي القدس وإذا كان يوجد فهي جيوب في داخل الأحياء القائمة والبناء يتطلب مصادرة أراض خاصة والمصادرة ستكون كبيرة».

ومن الجدير بالذكر أن 75% من المستوطنين يسكنون في الكتل الاستيطانية في الضفة وهذه آخر إحصائية لتوزيع المستوطنين على تلك الكتل التي وعد شارون بضمها لإسرائيل:

- كتلة موديعين عيليت (219.30) ألف نسمة.

- كتلة غربي الضفة (082.21) ألف نسمة.

- كتلة عتصيون بتيار عيليت (751.39) ألف نسمة.

- أطراف جنوبي جبل الخليل (227.1) ألف نسمة.

- أطراف بنيامين (664.1) ألف نسمة.

- أطراف شمالي الضفة (800) نسمة.

- المجموع العام حوالي (358.143) ألف نسمة وهناك مستوطنات لم يتحدد موقعها من الجدار مثل أرائيل وتعداد سكانها (555.17) ألف نسمة.

من الواضح أن الحديث عن تجميد الاستيطان هو عملية لعب بالمصطلحات أكثر منه تجميداً حقيقياً، إذ يجري الحديث عن تجميد ما اصطلح في "إسرائيل" على تسميته بالاستيطان غير القانوني في إشارة إلى تشريع الاستيطان «القانوني» أي بموجب قرارات الحكومة وفي كلتا الحالتين تجاوز صارخ للشرعية الدولية التي حرمت الاستيطان وتغير الأوضاع الديمغرافية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا التطاول على الشرعية الدولية نابع من سياسة الليكود التي لا تعترف باحتلال الأراضي الفلسطينية من جهة، ومن جهة أخرى اشتد هذا التطاول بسبب رسالة التطمينات الأميركية التي اعتبرت الكتل الاستيطانية جزءاً من دولة "إسرائيل" في إطار التسوية الدائمة ، وعليه يصبح الحديث عن دولة فلسطينية متواصلة جغرافيا مجرد ذر للرماد في العيون، وشكل الدولة الفلسطينية التي توافق عليها إدارة بوش و"إسرائيل" لن يتعدى حدود البانتوستونات الشارونية دولة متواصلة طوقياً عبر جسور وأنفاق تجعل من السيادة الفلسطينية ضربا من المستحيل وتخرج القدس واقعياً من التسوية وتستبعدها كعاصمة لدولة فلسطين ولا حتى في الجزء الشرقي منها.

وعليه فإن الاستراتيجية التفاوضية الفلسطينية تبقى ناقصة وعاجزة ما لم تحدد عــلى رأس أولوياتها بحث موضوع الاستيطان وفقاً للشرعية الدولية وليس بوصفه قضية تفاوضية كما ورد في خريطة الطريق، ودون ذلك ستكون حدود الدولة الفلسطينية هي حدود الجدار الفاصل وربما أقل من ذلك، لأن المفاوضات لن تذهب أبعد من السقف التفاوضي الذي حددته إدارة بوش بإخراجها الكتل الاستيطانية من التسوية.

الوطن القطرية

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة