1454 - (ع) : حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد [ ص: 171 ] العزى بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي أبو خالد المكي ، وأمه أم حكيم فاختة بنت زهير بن الحارث بن أسد بن عبد العزى ، وعمته خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم .
روى عن :النبي صلى الله عليه وسلم (ع) .
روى عنه : أيوب بن بشير بن سعد الأنصاري ، وحبيب بن أبي ثابت مرسل (ت) ، وابنه حزام بن حكيم بن حزام (س) ، وحسان بن بلال المزني ، وزفر بن وثيمة النصري (د) ، (خ م ت س) ، وسعيد بن المسيب وصفوان بن محرز ، وابن ابن أخيه الضحاك بن عبد الله بن خالد بن حزام ، والعباس بن عبد الرحمن المدني ، وعبد الله بن الحارث بن نوفل (خ م د ت س) ، وعبد الله بن عصمة الجشمي (س) ، وعبد الله بن محمد بن صيفي (س) ، (خ م ت س) ، وعروة بن الزبير ، وعطاء بن أبي رباح ، ومحمد بن سيرين والمطلب بن عبد الله بن حنطب ، والمغيرة بن عبد الله ، وموسى بن طلحة بن عبيد الله (م س) ، ويوسف بن ماهك (4) ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، وأبو صالح مولاه .
[ ص: 172 ] ذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة ممن لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق ، وأسلم قبل أن يدخل مكة - يعني عام الفتح - وقال : قال محمد بن عمر : شهد حكيم بن حزام مع أبيه الفجار ، وقتل أبوه حزام بن خويلد في الفجار الآخر .
وقال أحمد بن عبد الله ابن البرقي : كان إسلامه يوم الفتح ، وكان من المؤلفة ، أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين مائة بعير ، فيما ذكر ابن إسحاق .
ولد حكيم بن حزام : أم هشام ، وهشام ، وخالد ، ويحيى ، وعبد الله ، وأم عمرو ، وحزام ، فذلك سبعة .
وقال أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري : وأما حزام ففي قريش حزام بن خويلد أبو حكيم بن حزام ، قتل يوم الفجار الأخير ، وابنه حكيم بن حزام أسلم يوم فتح مكة ، وكان كريما جوادا ، وأحد علماء قريش بالنسب .
وقال البخاري : عاش في الجاهلية ستين سنة ، وفي [ ص: 173 ] الإسلام ستين سنة، قاله إبراهيم بن المنذر .
وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثني المنذر بن عبد الله ، عن موسى بن عقبة ، عن أم حبيبة مولى الزبير قال : سمعت حكيم بن حزام يقول : ولدت قبل قدوم أصحاب الفيل بثلاث عشرة سنة وأنا أعقل ، حين أراد عبد المطلب أن يذبح ابنه عبد الله حين وقع نذره ، وذلك قبل مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين .
وقال الزبير بن بكار : حدثني مصعب بن عثمان قال : دخلت أم حكيم بن حزام الكعبة مع نسوة من قريش ، وهي حامل متم بحكيم بن حزام ، فضربها المخاض في الكعبة ، فأتيت بنطع حين أعجلها الولاد ، فولدت حكيم بن حزام في الكعبة على النطع .
وكان حكيم بن حزام من سادات قريش ، ووجوهها في الجاهلية وفي الإسلام .
[ ص: 174 ] قال الزبير : وكان حكيم بن حزام آدم شديد الأدمة ، خفيف اللحم ، ولد قبل الفيل باثنتي عشرة سنة .
وقال الليث بن سعد : حدثني عبيد الله بن المغيرة ، عن عراك بن مالك : أن حكيم بن حزام قال : فرآها حكيم على أسامة ، فقال : يا أسامة أتلبس حلة ذي يزن ؟ قال : نعم ، والله لأنا خير من ذي يزن ، ولأبي خير من أبيه . قال حكيم : فانطلقت إلى مكة فأعجبتهم بقول أسامة . كان محمد النبي صلى الله عليه وسلم أحب رجل من الناس إلي في الجاهلية ، فلما نبئ وخرج إلى المدينة شهد حكيم الموسم وهو كافر ، فوجد حلة لذي يزن تباع فاشتراها ليهديها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدم بها عليه المدينة ، فأراده على قبضها هدية ، فأبى فقال : إنا لا نقبل من المشركين شيئا ، ولكن إن شئت أخذتها منك بالثمن ، فأعطيته إياها حين أبى علي الهدية ، فلبسها فرأيتها عليه على المنبر ، فلم أر أحسن منه يومئذ فيها ، ثم أعطاها أسامة بن زيد
أخبرنا بذلك أبو إسحاق ابن الدرجي قال : أنبأنا أبو جعفر الصيدلاني وغيره ، قالوا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة قال : أخبرنا أبو القاسم الطبراني قال : حدثنا مطلب بن شعيب الأزدي قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني الليث فذكره .
[ ص: 175 ] وقال الزبير بن بكار : حدثني إبراهيم بن المنذر ، عن الواقدي ، عن الضحاك بن عثمان ، عن أهله قالوا : قال حكيم بن حزام : كنت أعالج البز في الجاهلية ، وكنت رجلا تاجرا أخرج إلى اليمن ، وآتي الشام في الرحلتين ، فكنت أربح أرباحا كثيرة ، فأعود على فقراء قومي ، ونحن لا نعبد شيئا ، نريد بذلك ثراء الأموال والمحبة في العشيرة ، وكنت أحضر الأسواق ، وكانت لنا ثلاثة أسواق .
سوق بعكاظ يقوم صبح هلال ذي القعدة فيقوم عشرين يوما ، ويحضره العرب ، وبه ابتعت زيد بن حارثة لعمتي خديجة بنت خويلد ، وهو يومئذ غلام فأخذته بستمائة درهم ، فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة سألها زيدا فوهبته له ، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبه ابتعت حلة ذي يزن ، فكسوتها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما رأيت أحدا قط أجمل ولا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك الحلة .
ويقال : إن حكيم بن حزام قدم بالحلة في هدنة الحديبية وهو يريد الشام في عير ، فأرسل بالحلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلها ، وقال : لا أقبل هدية مشرك . قال حكيم بن حزام : فجزعت جزعا شديدا حيث رد هديتي فبعتها بسوق النبط من أول سائم سامني ، ودس رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها زيد بن [ ص: 176 ] حارثة فاشتراها فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها بعد .
وكان سوق مجنة يقوم عشرة أيام حتى إذا رأينا هلال ذي الحجة انصرفنا فانتهينا إلى سوق ذي المجاز ، فقام ثمانية أيام .
وكل هذه الأسواق ألقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المواسم يستعرض القبائل قبيلة قبيلة ، يدعوهم إلى الله ، فلا يرى أحدا يستجيب له ، وأسرته أشد القبائل عليه ، حتى بعث ربه له قوما أراد بهم كرامته هذا الحي من الأنصار ، فبايعوه وصدقوا به ، وآمنوا به ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم ، فجعل الله له دار هجرة وملجأ ، وسبق من سبق إليه ، فالحمد لله الذي أكرم محمدا بالنبوة .
فلما حج معاوية سامني بداري بمكة ، فبعتها منه بأربعين ألف دينار ، فبلغني أن ابن الزبير يقول : ما يدري هذا الشيخ ما باع ، لنردن عليه بيعه ، فقلت : والله ما ابتعتها إلا بزق من خمر ، ولقد وصلت الرحم ، وحملت الكل ، وأعطيت في السبيل ، وكان حكيم بن حزام يشتري الظهر والأداة والزاد ، ثم لا يجيئه أحد يستحمله في السبيل إلا حمله . قال : فبينا هو يوما في المسجد جالس ، جاء رجل من أهل اليمن يطلب حملانا يريد الجهاد ، فدل على حكيم فجلس إليه فقال : إني رجل بعيد الشقة ، وقد [ ص: 177 ] أردت الجهاد ، فدللت عليك لتحمل رجلتي ، وتعينني على ضعفي . قال : اجلس فلما أمكنته الشمس وارتفعت ركع ركعات ، ثم انصرف ، وأومأ إلى اليماني فتبعه قال : فجعل كلما مر بصوفة ، أو خرقة ، أو سملة نفضها فأخذها قال : فقلت : والله ما زاد الذي دلني على هذا أن لعب بي أي شيء عند هذا من الخير بعدما أرى قال : فدخل داره فألقى الصوفة مع الصوف ، والخرقة مع الخرق ، والسملة مع السمال قال : ثم قال لغلام له هات لي بعيرا ذلولا ، قال : فأتى به ذلولا موقعا سمينا قال : ثم دعا بجهاز فشد على البعير ، ثم دعا بخطام فخطمه ، ثم قال : هل من جوالقين ، فأتي بجوالقين فأمر لي بدقيق ، وسويق ، وعكة من زيت .
وقال : انظر ملحا وجرابا من تمر حتى إذا لم يبق شيء مما يحتاج إليه المسافر إلا أعطانيه ، وكساني ، ثم دعا بخمسة دنانير فدفعها إلي ، فقال : هذه للطريق قال : فخرجت من عنده ، وكان هذا فعل حكيم [ ص: 178 ] وكان معاوية عام حج مر به ، وهو ابن عشرين ومائة سنة ، فأرسل إليه بلقوح يشرب من لبنها ، وذلك بعد أن سأله أي الطعام تأكل ؟ فقال : أما مضغ فلا مضغ بي . فأرسل إليه بلقوح ، وأرسل إليه بصلة ، فأبى أن يقبلها . وقال : لم آخذ من أحد قط بعد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ، قد دعاني أبو بكر وعمر إلى حقي فأبيت أن آخذه ، وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "الدنيا خضرة حلوة ، فمن أخذها بسخاوة نفس بورك له فيها ، ومن أخذها بإشراف نفس لم يبارك له فيها". فقلت يومئذ : لا أرزأ أحدا بعدك شيئا ، ولقد كانت قريش تبعث بالأموال فابعث بمالي فلربما دعاني بعضهم إلى أن يخالطني بنفقته يريد بذلك الجد في مالي ، وذلك أني كلما أربحت تحنثت به ، أو بعامته أريد بذلك ثراء المال والمحبة في العشيرة .
أخبرنا بذلك أبو الحسن ابن البخاري قال : أخبرنا أبو حفص بن طبرزد قال : أخبرنا الوزير أبو القاسم علي بن طراد بن محمد بن علي الزينبي قال : أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد ابن المسلمة قال : أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص [ ص: 179 ] قال : أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي قال : حدثنا الزبير بن بكار فذكره .
وبه قال : حدثنا الزبير بن بكار قال : أخبرني إبراهيم بن حمزة : أن مشركي قريش لما حصروا بني هاشم في الشعب ، كان حكيم بن حزام تأتيه العير تحمل الحنطة من الشام فيقبلها الشعب ، ثم يضرب أعجازها فتدخل عليهم فيأخذون ما عليها من الحنطة .
وبه قال : حدثنا الزبير قال : حدثني عمامة بن عمرو السهمي ، عن مسور بن عبد الملك اليربوعي ، عن أبيه ، عن قال : كان ابن البرصاء الليثي من جلساء مروان بن الحكم ومحدثيه ، وكان يسمر معه ، فذكروا عند مروان الفيء فقال : مال الله ، وقد بين الله قسمه ، ووضعه عمر بن الخطاب مواضعه . فقال مروان : المال مال أمير المؤمنين معاوية يقسمه فيمن شاء ، ويمنعه ممن شاء ، وما أمضى فيه من شيء فهو مصيب فيه ، فخرج ابن البرصاء ، فلقي سعد بن أبي وقاص فأخبره بقول مروان . قال سعيد بن المسيب : فلقيني سعد بن أبي وقاص وأنا أريد المسجد ، فضرب عضدي ثم قال : الحقني تربت يداك . فخرجت معه لا أدري أين يريد حتى دخلنا على مروان بن الحكم داره ، فلم أهب شيئا هيبتي له ، وجلست لئلا يعلم مروان أني كنت [ ص: 180 ] مع سعد ، فقال له سعد لما دخل عليه قبل أن يسلم : يا مري آنت الذي يزعم أن المال مال معاوية ؟ فقال مروان : ما قلت ، ومن أخبرك ؟ قال : آنت الذي يزعم أن المال مال معاوية ؟ قال مروان : وقلت ذاك فمه ؟ قال : فردد ذلك عليه قال : فقلت ذاك فمه ، قال : فرددها عليه الثالثة ، قال : فقلت ذلك فمه ، فرفع يديه إلى الله يدعو وزال رداؤه عنه ، وكان أشعر بعيد ما بين المنكبين ، فوثب إليه مروان فأمسك يديه وقال : اكفف عني يدك أيها الشيخ ، إنك حملتنا على أمر فركبناه ، فليس الأمر كذلك ، فقال سعد : أما والله لو لم تنزع ما زلت أدعو عليك حتى يستجاب لي ، أو تنفرد هذه السالفة . فلما خرج سعد ثبت في مجلسي عند مروان ، فقال مروان : من ترونه ؟ قال لهذا الشيخ قالوا : ابن البرصاء الليثي ، فأرسل إليه فأتي به ، فقال : ما حملك على أن قلت لهذا الشيخ ما قلت ؟ قال الليثي : ذاك حق ما كنت أظنك تجترئ على الله وتفرق من سعد ، فقال له مروان : أوكلما سمعت تكلمت به ؟ أما والله لتعلمن برز جرد فجرد من ثيابه ، وبرز بين يديه ، قال : فبينا نحن على ذلك دخل حاجبه ، فقال : هذا أبو خالد حكيم بن حزام ، فقال : ائذن له ، ثم قال : ردوا عليه ثيابه أخرجوه عنا لا يهيج علينا هذا الشيخ كما فعل الآخر قبله . سعيد بن المسيب
[ ص: 181 ] فلما دخل حكيم قال مروان : مرحبا بك يا أبا خالد ، ادن مني ، فحال له مروان عن صدر المجلس حتى كان بينه وبين الوسادة ، ثم استقبله مروان ، فقال : حدثنا حديث بدر ، فقال : نعم ، خرجنا حتى إذا نزلنا الجحفة رجعت قبيلة من قبائل قريش بأسرها ، وهي زهرة فلم يشهد أحد من مشركيهم بدرا ، ثم خرجنا حتى نزلنا العدوة التي قال الله عز وجل ، فجئت عتبة بن ربيعة فقلت : يا أبا الوليد هل لك أن تذهب بشرف هذا اليوم ما بقيت ؟ قال أفعل ماذا ؟ قلت : إنكم لا تطلبون من محمد إلا دم ابن الحضرمي ، وهو حليفك فتحمل بديته ، وترجع بالناس ، فقال : وأنت ذلك ، فأنا أتحمل بدية حليفي ، فاذهب إلى ابن الحنظلية يعني أبا جهل ، فقل له هل لك أن ترجع اليوم بمن معك عن ابن عمك ؟ فجئته فإذا هو في جماعة من بين يديه ، ومن ورائه ، وإذا ابن الحضرمي واقف على رأسه وهو يقول : قد فسخت عقدي من عبد شمس ، وعقدي إلى بني مخزوم ، فقلت له : يقول لك عتبة بن ربيعة : هل لك أن ترجع بالناس عن ابن عمك بمن معك ؟ قال : أوما وجد رسولا غيرك ؟ قال قلت : لا ، ولم أكن لأكون رسولا لغيره قال حكيم : فخرجت أبادر إلى عتبة لئلا يفوتني من الخبر شيء ، وعتبة متكئ على إيماء بن رحضة الغفاري ، وقد أهدى إلى المشركين عشر جزائر ، فطلع أبو جهل الشر في وجه ، فقال لعتبة : انتفخ [ ص: 182 ] سحرك ، قال له عتبة : ستعلم ، فسل أبو جهل سيفه فضرب به متن فرسه ، فقال إيماء بن رحضة : بئس الفأل هذا ، فعند ذلك قامت الحرب .
وبه حدثنا الزبير قال : حدثنا محمد بن فضالة ، عن عبد الله بن زياد بن سمعان ، عن قال : كان حكيم بن حزام من المطعمين حيث خرج المشركون إلى بدر . ابن شهاب
وبه حدثنا الزبير قال : حدثني حسين بن سعيد بن هاشم بن سعد من بني قيس بن ثعلبة قال : حدثني يحيى بن سعيد بن سالم القداح ، عن أبيه ، عن ابن جريج ، عن عطاء قال : لا أحسبه إلا رفعه إلى قال : ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة قربه من مكة في غزوة الفتح : " إن بمكة لأربعة نفر من قريش أربأ بهم عن الشرك ، وأرغب لهم في الإسلام ، قيل : ومن هم يا رسول الله ؟ قال : عتاب بن أسيد ، وجبير بن مطعم ، وحكيم بن حزام ، وسهيل بن عمرو" .
وقال محمد بن شجاع ابن الثلجي ، عن محمد بن عمر الواقدي ، عن أبي إسحاق بن أبي عبد الله ، عن عبد الرحمن بن محمد عبد القاري ، عن سعيد بن المسيب نجا حكيم بن حزام [ ص: 183 ] من الدهر مرتين ، لما أراد الله به من الخير ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من المشركين ، وهم جلوس يريدونه فقرأ "يس" ، وذر على رؤوسهم التراب ، فما انفلت منهم رجل إلا قتل إلا حكيم ، وورد الحوض يوم بدر فما ورد الحوض يومئذ أحد إلا قتل إلا حكيم .
قال الواقدي : قالوا : وأقبل نفر من قريش حتى وردوا الحوض ، منهم حكيم بن حزام ، فأراد المسلمون تحليتهم - يعني طردهم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "دعوهم" فوردوا الماء فشربوا فما شرب منه أحد إلا قتل إلا ما كان من حكيم بن حزام .
وقال أبو بكر بن أبي خيثمة : حدثنا أبو سلمة قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن أبا سفيان ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء أسلموا وبايعوا ، فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة يدعونهم إلى الإسلام .
وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر قال : حدثنا إبراهيم بن جعفر بن محمود ، عن أبيه ، وغيره ، قالوا : بكى حكيم بن حزام يوما ، فقال له ابنه : ما يبكيك يا أبة ؟ قال : خصال كلها أبكاني ، أما أولها فبطء إسلامي حتى سبقت في مواطن كلها صالحة ، ونجوت يوم بدر ، ويوم أحد ، فقلت : لا أخرج أبدا من مكة ، ولا أوضع مع قريش ما بقيت ، فأقمت بمكة ، ويأبى الله أن يشرح قلبي بالإسلام ، وذلك أني أنظر إلى بقايا من قريش لهم أسنان مستمسكين بما هم عليه من أمر الجاهلية فأقتدي بهم ، ويا ليت أني لم أقتد بهم فما أهلكنا إلا الاقتداء بآبائنا وكبرائنا ، فلما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعلت أفكر ، وأتاني أبو سفيان بن حرب ، فقال : أبا خالد ، [ ص: 184 ] والله إني لأخشى أن يأتينا محمد في جموع يثرب ، فهل أنت تابعي إلى شرف نستروح الخبر ؟ قلت : نعم . قال : فخرجنا نتحدث ، ونحن مشاة حتى إذا كنا بمر الظهران إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدهم من الناس ، فلقي العباس بن عبد المطلب أبا سفيان ، فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجعت إلى مكة فدخلت بيتي فأغلقت علي ، وطويت ما رأيت ، وقلت : لا أخبر قريشا بذلك ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، فأمن الناس فجئته بعد ذلك بالبطحاء فأسلمت ، وصدقته ، وشهدت أن ما جاء به حق ، وخرجت معه إلى حنين فأعطى رجالا من المغانم أموالا ، وسألته يومئذ فألحقت المسألة .
وقال محمد بن سعد أيضا : أخبرنا يزيد بن هارون قال : أخبرنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة : " " . من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن ، ومن دخل دار بديل بن ورقاء فهو آمن
وقال الزهري عن عروة بن الزبير ، عن حكيم بن حزام : " . قلت : يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة ، وعتاقة ، وصلة ، هل فيها من أجر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ ص: 185 ] "أسلمت على ما سلف من خير
وقال هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن حكيم بن حزام . فقال : يا رسول الله لا أدع شيئا صنعته لله في الجاهلية إلا صنعت في الإسلام لله مثله . وكان أعتق في الجاهلية مائة رقبة ، فأعتق في الإسلام مثلها مائة ، وساق في الجاهلية مائة بدنة ، فساق في الإسلام مائة بدنة . قلت : يا رسول الله أرأيت شيئا كنت أتحنث به في الجاهلية - قال هشام يعني يتبرر به - ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أسلمت على صالح ما سلف لك "
وقال الزبير بن بكار بالإسناد المتقدم : حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال : جاء الإسلام وفي يد حكيم الرفادة ، وكان يفعل المعروف ، ويصل الرحم ، ويحض على البر ، عاش ستين سنة في الجاهلية ، وستين سنة في الإسلام .
قال : وأخبرني عمي أن الإسلام جاء والرفادة والندوة في يد حكيم بن حزام قال : وكان حكيم بن حزام إذا حلف حيث أسلم يقول : لا والذي نجاني يوم بدر .
قال : وأخبرني محمد بن الضحاك ، عن أبيه قال : لم يدخل دار الندوة أحد من قريش للمشورة حتى يبلغ أربعين سنة ، إلا [ ص: 186 ] حكيم بن حزام ، فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة .
قال : وأخبرني مصعب بن عثمان قال : سمعت المشيخة يقولون : لم يدخل دار الندوة للرأي أحد حتى يبلغ أربعين سنة إلا حكيم بن حزام ، فإنه دخلها للرأي وهو ابن خمس عشرة سنة ، وهو أحد النفر الذين حملوا عثمان بن عفان ، ودفنوه ليلا .
قال : وحدثني عمي مصعب بن عبد الله قال : جاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم بن حزام فباعها بعد من معاوية بن أبي سفيان بمائة ألف درهم ، فقال له عبد الله بن الزبير : بعت مكرمة قريش ، فقال حكيم بن حزام : ذهبت المكارم إلا التقوى يا ابن أخي ، اشتريت بها دارا في الجنة ، أشهدكم أني قد جعلتها في سبيل الله . يعني : الدراهم .
قال : وأخبرني محمد بن حسن أن حكيم بن حزام ، وعبد الله بن مطيع اشتريا دار حكيم ، ودار عبد الله بن مطيع بالبلاط فتقاوماهما فصارت لحكيم داره بزيادة مائة ألف ، وصارت لعبد الله بن مطيع داره ، فقيل لحكيم : غبنك لشروع داره في المسجد . فقال : دار كدار وزيادة مائة ألف درهم ، وتصدق بالمئة الألف درهم على المساكين .
[ ص: 187 ] قال : وحدثني عمي مصعب بن عبد الله ، عن أبيه قال : كان حكيم بن حزام لا يأكل طعاما وحده ، إذا أتي بطعامه قدره ، فإن كان يكفي اثنين ، أو ثلاثة ، أو أكثر من ذلك قال : ادع من أيتام قريش واحدا أو اثنين على قدر طعامه ، وكان له إنسان يخدمه فضجر عليه يوما فدخل المسجد الحرام فجعل يقول للناس : ارتفعوا إلى أبي خالد فتقوض الناس عليه ، فقال : ما للناس ؟ فقيل : دعاهم عليك فلان فصاح بغلمانه هاتوا ذلك التمر ، فألقيت بينهم جلال البرني ، فلما أكلوا قال بعضهم : إدام يا أبا خالد ؟ قال : إدامها فيها .
وقال : قال عمي مصعب : وسمعت أبي يقول : قال عبد الله بن الزبير : قتل أبي وترك دينا كبيرا ، فأتيت حكيم بن حزام أستعين برأيه ، وأستشيره فوجدته في سوق الظهر معه بعير آخذ بخطامه يدور به في نواحي السوق فسلمت عليه ، وأخبرته بما جئته له ، فقال : البث علي حتى أبيع بعيري هذا ، فطاف وطفت معه حتى إني لأضع ردائي على رأسي من الشمس ، ثم أتاه رجل فأربحه فيه درهما ، فقال : هو لك ، وأخذ منه الدرهم فلم أملك أن قلت له : حبستني ونفسك ندور في الشمس منذ اليوم من أجل درهم ؟ فوددت أني غرمت دراهم كثيرة ، ولم تبلغ هذا من نفسك ، فلم يكلمني ، وخرجت معه نحو منزله حتى انتهيت إلى هدم [ ص: 188 ] بالزوراء فيه عجيزة من العرب ، فدنا إليها فأعطاها ذلك الدرهم ، ثم أقبل علي ، فقال : يا ابن أخي إني غدوت اليوم إلى السوق فرأيت مكان هذه العجوز ، فجعلت لله لا أربح اليوم شيئا إلا أعطيتها إياه ، فلو ربحت كذا وكذا لدفعته إليها ، وكرهت أن أنصرف حتى أصيب لها شيئا ، فكان هذا الدرهم الذي رزقت . قال : فلما صرت إلى المنزل دعا بطعامه ، فأكل وأكلت معه ، حتى إذا فرغ أقبل علي ، فقال : يا ابن أخي ذكرت دين أبيك ، فإن كان ترك مائة ألف فعلي نصفها ، قلت : ترك أكثر من ذلك ، قال : فإن كان ترك مائتي ألف فعلي نصفها. قلت : ترك أكثر من ذلك ، قال : فإن كان ترك ثلاث مائة ألف فعلي نصفها . قلت : ترك أكثر من ذلك ، قال : لله أنت ، كم ترك أبوك ؟! فأخبرته أحسب أنه قال : ألفي ألف درهم . قال : ما أراد أبوك إلا أن يدعنا عالة . قال : قلت : إنه ترك وفاء وأموالا كثيرة ، وإنما جئت أستشيرك فيها ، منها سبعمائة ألف درهم لعبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، وللزبير معه شرك في أرض بالغابة . قال : فاعمد لعبد الله بن جعفر فقاسمه ، وإن سامك قبل المقاسمة فلا تبعه ، ثم اعرض عليه فإن اشترى منك فبعه . فخرجت حتى جئت عبد الله بن جعفر ، فقلت له : قاسمني الحق الذي معك . قال : أو أشتريه منك . قال : قلت : لا ، حتى تقاسمني . قال : فموعدك غدا هنالك بالغداة . قال : فغدوت فوجدته قد سبقني ، ووضع سفرة وهو يأكل هو وأصحابه ، قال : الغداء . قلت : المقاسمة قبل . فأمسك يده ثم قال : قل ما شئت . [ ص: 189 ] قال : قلت إن شئت فاقسم وأختار ، وإن شئت قسمت واخترت . قال : هما لك جميعا ، قال : فقمت إلى الأرض فصدعتها نصفين ، ثم قلت : هذا لي ، وهذا لك ، قال : هو كذلك . قال : قلت : اشتر مني إن أحببت . قال : كان لي على أبي عبد الله شيء وهو سبعمائة بألف درهم ، وقد أخذتها منك بها . قال : قلت : هي لك . قال : هلم إلى الغداء . قال : فجلست فتغديت ، ثم انصرفت وقد قضيته . قال : وبعث معاوية إلى عبد الله بن جعفر فاشترى منه ذلك الحق كله بألفي ألف درهم .
وقال : حدثني مصعب بن عثمان ، ومحمد بن الضحاك بن عثمان الحزامي ، عن أبيه ، ومن شئت من مشيخة قريش : أن عمر بن الخطاب لما هم بفرض العطاء شاور المهاجرين فيه ، فرأوا ما رأى من ذلك صوابا ، ثم شاور الأنصار ، فرأوا ما رأى إخوانهم من المهاجرين في ذلك ، ثم شاور مسلمة الفتح فلم يخالفوا رأي المهاجرين والأنصار إلا حكيم بن حزام ، فإنه قال لعمر بن الخطاب : إن قريشا أهل تجارة ، ومتى فرضت لهم العطاء خشيت أن يأتكلوا عليه فيدعوا التجارة ، فيأتي بعدك من يحبس عنهم العطاء ، وقد خرجت منهم التجارة . فكان ذلك كما قال .
إلى هنا عن الزبير بن بكار .
وقال محمد بن سعد : أخبرنا محمد بن عمر قال : أخبرنا عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه قال : قيل لحكيم بن [ ص: 190 ] حزام : ما المال يا أبا خالد ؟ قال : قلة العيال .
وقال سعيد بن عامر ، عن خاله جويرية بن أسماء ، عن نافع مولى ابن عمر : مر حكيم بن حزام بعدما أسن بشابين ، فقال أحدهما لصاحبه : اذهب بنا نتخرف بهذا الشيخ ، قال : فقال له صاحبه : وما تريد إلى شيخ قريش وسيدها ، فعصاه ، فقال له : ما بقي أبعد عقلك ، قال : بقي أبعد عقلي أني رأيت أباك قينا يضرب الحديد بمكة . قال : فرجع إلى صاحبه وقد تغير وجهه ، فقال له : قد نهيتك . قال نافع : وكان حكيم لا يتهم على ما قال .
وقال الأصمعي عن هشام بن سعد الخشاب صاحب المحامل ، وكان مولى لآل أبي لهب ، عن أبيه قال حكيم بن حزام : ما أصبحت يوما وببابي طالب حاجة إلا علمت أنها من منن الله علي ، وما أصبحت يوما وليس ببابي طالب حاجة إلا علمت أنها من المصائب التي أسأل الله الأجر عليها .
وقال الزبير بن بكار : حدثني عمي مصعب ، قال : سمعت مصعب بن عثمان أو غيره من أصحابنا يذكر عن عروة بن الزبير قال : لما قتل الزبير يوم الجمل جعل الناس يلقوننا بما نكره ، ونسمع منهم الأذى ، فقلت لأخي المنذر : انطلق بنا إلى حكيم بن حزام حتى نسأله عن مثالب قريش ، فنلقى من يشتمنا بما نعرف . فانطلقنا حتى ندخل عليه داره ، فذكرنا ذلك له ، فقال لغلامه : أغلق باب الدار ، ثم قام إلى وسط راحلته فجعل يضربنا وجعلنا [ ص: 191 ] نلوذ منه حتى قضى بعض ما يريد ، ثم قال : أعندي تلتمسان معايب قريش ؟ ايتدعا في قومكما يكف عنكما مما تكرهان . فانتفعنا بأدبه .
وقال أبو القاسم البغوي : كان حكيم عالما بالنسب ، ويقال : أخذ النسب عن أبي بكر ، وكان أبو بكر أنسب قريش .
وقال الزبير أيضا : قال مصعب بن عثمان : وكان يشرب - يعني : حكيم بن حزام - في كل يوم شربة ماء لا يزيد عليها ، فلما بلغ مائة سنة دعا غلامه بالماء ، وقد كان شرب ، فقال له : يا مولاي قد شربت شربتك . قال : فلا إذا ، فأقام على شربة واحدة كل يوم حتى بلغ مائة وعشر سنين ، ثم استسقى الغلام ، فقال له : قد شربت شربتك . قال : وإن . فأقام على شربتي ماء في كل يوم حتى مات .
وقال الزبير أيضا : حدثني إبراهيم بن المنذر ، عن سفيان بن حمزة الأسلمي قال : حدثني كثير بن زيد مولى الأسلميين عن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة قال : كبر حكيم بن حزام حتى ذهب بصره ، ثم اشتكى فاشتد وجعه ، فقلت : والله لأحضرنه فلأنظرن ما يتكلم به عند الموت ، فإذا هو يهمهم ، فأصغيت إليه فإذا هو يقول : لا إله إلا أنت أحبك وأخشاك ، فلم [ ص: 192 ] تزل كلمته حتى مات . وفي رواية أخرى : فإذا هو يقول : لا إله إلا الله ، قد كنت أخشاك فإذا اليوم أرجوك .
قال مصعب بن عبد الله الزبيري ، وإبراهيم بن المنذر الحزامي ، وخليفة بن خياط وغير واحد : مات سنة أربع وخمسين . زاد بعضهم : بالمدينة .
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام : سنة أربع وخمسين فيها توفي حكيم بن حزام ، وحويطب بن عبد العزى ، وسعيد بن بريوع المخزومي ، وحسان بن ثابت الأنصاري ، ويقال : إن هؤلاء الأربعة ماتوا وقد بلغ كل واحد منهم مائة وعشرين سنة .
وقال يحيى بن بكير : مات سنة أربع وخمسين ، وقيل : سنة ثمان وخمسين .
وقال ابن جريج : أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة ، عن عروة قال : توفي حكيم بن حزام لعشر سنوات من إمارة معاوية .
وقال البخاري وغيره : مات سنة ستين .
روى له الجماعة .