[ ص: 54 ] أسلم يوم فتح مكة ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق من خزاعة .
روى عن : النبي صلى الله عليه وسلم (د) .
روى عنه : حارثة بن مضرب ، ، وعامر الشعبي وأبو موسى عبد الله الهمداني (د) .
ذكره محمد بن سعد في الطبقة الرابعة ، وقال : يكنى أبا وهب ، وأسلم يوم فتح مكة ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق ، وولاه عمر بن الخطاب صدقات بني تغلب ، وولاه عثمان بن عفان الكوفة بعد سعد بن أبي وقاص ، ثم عزله عنها ، فلم يزل بالمدينة حتى بويع علي ، فخرج إلى الرقة فنزلها ، ، واعتزل عليا ومعاوية ، فلم يكن مع واحد منهما حتى مات بالرقة ، فقبره بعين الرومية على خمسة عشر ميلا من الرقة ، وكانت ضيعة له فمات بها ، وولده بالرقة إلى اليوم .
وقال أبو بكر ابن البرقي : قتل النبي صلى الله عليه وسلم أباه عقبة بن أبي معيط صبرا بالصفراء في رجوعه من بدر ، ويقال : بالأثيل فيما حدثنا ابن هشام ، وكان في زمان النبي صلى الله عليه وسلم رجلا له حديث .
وقال مصعب بن عبد الله الزبيري : كان من رجال قريش ، وشعرائهم ، خرج يرتاد منزلا حتى أتى الرقة فأعجبته فنزل على البليخ ، وقال : منك المحشر ، فمات بها . وأخوه عمارة بن عقبة [ ص: 55 ] نزل الكوفة ، وأبوهما عقبة بن أبي معيط قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر صبرا .
وقال الحافظ أبو بكر الخطيب : أدرك رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآه ، وهو طفل صغير ، وكان أبوه من شياطين قريش ، أسره رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، وضرب عنقه ، وهو الفاسق الذي ذكره الله تعالى في كتابه يعني قوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون
وقال أبو نصر بن ماكولا نحو ذلك .
وقال : الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو ، واسم أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، وقد قيل : إن ذكوان كان عبدا لأمية فاستلحقه ، والأول أكثر ، أسلم يوم الفتح هو وأخوه خالد بن عقبة ، وأظنه يومئذ كان قد ناهز الاحتلام . أبو عمر بن عبد البر
قال الوليد : . لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم ، فيمسح على رؤوسهم ، ويدعو لهم بالبركة ، قال : فأتي بي إليه ، وأنا متضمخ بالخلوق ، فلم يمسح على رأسي ، ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلقتني فلم يمسحني من أجل الخلوق
قال : وهذا الحديث رواه جعفر بن برقان ، عن ثابت بن [ ص: 56 ] الحجاج ، عن أبي موسى الهمداني عن الوليد بن عقبة ، قالوا : أبو موسى هذا مجهول ، والحديث منكر مضطرب لا يصح ، ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صبيا يوم الفتح .
قال : ويدل أيضا على فساد ما رواه أبو موسى المجهول أن الزبير وغيره من أهل العلم بالسير والخبر ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة ، وكانت هجرتها في الهدنة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أهل مكة ، ومن كان غلاما مخلقا يوم الفتح ليس يجيء منه مثل هذا ، وذلك واضح ، والحمد لله .
قال : ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز وجل : إن جاءكم فاسق بنبإ نزلت في الوليد بن عقبة ، وذلك أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقا ، فأخبر عنهم أنهم ارتدوا عن الإسلام ، وأبوا من أداء الصدقة ، وذلك أنهم خرجوا إليه ، فهابهم ، ولم يعرف ما عندهم ، فانصرف عنهم ، وأخبر بما ذكرنا ، فبعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد ، وأمره أن يتثبت فيهم ، فأخبروه أنهم متمسكون بالإسلام ، ونزلت يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا الآية .
قال : وروي عن مجاهد وقتادة مثل ما ذكرنا . ثم روى بإسناده عن هلال الوزان عن ابن أبي ليلى في قوله تعالى : إن جاءكم فاسق بنبإ قال : نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط .
قال : ومن حديث الحكم عن عن ابن [ ص: 57 ] عباس قال : نزلت في علي بن أبي طالب ، والوليد بن عقبة في قصة ذكرها سعيد بن جبير أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون قالا : ثم ولاه عثمان الكوفة ، وعزل عنها سعد بن أبي وقاص ، فلما قدم الوليد على سعد قال له سعد : والله ما أدري أكست بعدنا أم حمقنا بعدك ؟ فقال : لا تجزعن يا أبا إسحاق ، فإنما هو الملك يتغداه قوم ويتعشاه آخرون . فقال سعد : أراكم والله ستجعلونها ملكا .
قال : وله أخبار فيها نكارة وشناعة تقطع على سوء حاله ، وقبح أفعاله غفر الله لنا وله ، فلقد كان من رجال قريش ظرفا ، وحلما ، وشجاعة ، وأدبا ، وكان من الشعراء المطبوعين ، كان الأصمعي وأبو عبيدة وابن الكلبي وغيرهم يقولون : كان الوليد بن عقبة فاسقا شريبا ، وكان شاعرا كريما .
قال أبو عمر : أخباره كثيرة في شربه الخمر ، ومنادمته أبا زبيد الطائي كثيرة مشهورة ، ويسمج بنا ذكرها هنا ، ونذكر منها طرفا :
ذكر عمر بن شبة ، قال : حدثنا هارون بن معروف ، قال : حدثنا ضمرة بن ربيعة عن ابن شوذب ، قال : صلى الوليد بن عقبة بأهل الكوفة صلاة الصبح أربع ركعات ، ثم التفت إليهم فقال : أزيدكم . فقال عبد الله بن مسعود : ما زلنا معك في زيادة منذ اليوم .
قال : وحدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا جرير ، عن الأجلح عن الشعبي في حديث الوليد بن عقبة حين شهدوا عليه ، [ ص: 58 ] فقال الحطيئة . . .
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه . . . أن الوليد أحق بالعذر . . . نادى ، وقد تمت صلاتهم
. . . أأزيدكم سكرا ، وما يدري . . . فأبوا أبا وهب ولو أذنوا
. . . لقرنت بين الشفع ، والوتر . . . كفوا عنانك إذ جريت ، ولو
. . . تركوا عنانك لم تزل تجري
شهد الحطيئة حين يلقى ربه . . . أن الوليد أحق بالعذر
. . . خلعوا عنانك إذ جريت ولو . . . خلوا عنانك لم تزل تجري
. . . نادى وقد تمت صلاتهم . . . أأزيدكم ثملا ، وما يدري
. . . ليزيدهم خيرا ولو فعلوا . . . لأتت صلاتهم على العشر
. . . تكلم في الصلاة وزاد فيها . . . علانية وجاهر بالنفاق
. . . ، ومج الخمر في سنن المصلى . . . ونادى والجميع إلى افتراق
. . . أزيدكم على أن تحمدوني . . . فما لكم وما لي من خلاق
قال : وخبر صلاته بهم سكران ، وقوله : " أزيدكم " . بعد أن صلى الصبح أربعا مشهور من حديث الثقات من نقلة الحديث ، وأهل الأخبار .
[ ص: 59 ] قال : وقد روي فيما ذكر الطبري أنه تعصب عليه قوم من أهل الكوفة بغيا وحسدا ، وشهدوا عليه أنه تقيأ الخمر ، وذكر القصة وفيها : أن عثمان رحمة الله عليه قال له : يا أخي اصبر فإن الله يأجرك ، ويبوء القوم بإثمك . قال : وهذا الخبر من نقل أهل الأخبار لا يصح عند أهل الحديث ، ولا له عند أهل العلم أصل . والصحيح عندهم في ذلك ما رواه عبد العزيز بن المختار ، وسعيد بن أبي عروبة ، عن عبد الله الداناج ، عن حضين بن المنذر أبي ساسان أنه ركب إلى عثمان ، وأخبره بقصة الوليد ، وقدم على عثمان رجلان فشهدا عليه بشرب الخمر ، وأنه صلى الغداة بالكوفة أربعا ، ثم قال : أزيدكم ؟ قال أحدهما : رأيته يشربها ، وقال الآخر : رأيته يتقيأها ، فقال عثمان : إنه لم يتقيأها حتى شربها ، فقال لعلي : أقم عليه الحد ، وذكر الحديث .
قال أبو عمر : لم يرو الوليد بن عقبة سنة يحتاج فيها إليه .
قال : وروى أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب عن الوليد بن عقبة قال : ما كانت نبوة إلا كان بعدها ملك .
وقال عمار بن الحسن الرازي، عن سلمة بن الفضل ، عن محمد بن إسحاق : أقام الوليد على الكوفة خمس سنين .
وقال خليفة بن خياط : وفيها ، يعني : سنة خمس وعشرين : عزل عثمان سعد بن مالك عن الكوفة ، وولاها الوليد بن عقبة بن أبي معيط .
وقال فيها يعني - سنة ثمان وعشرين : غزيت أذربيجان [ ص: 60 ] وأمير المسلمين الوليد بن عقبة .
وقال : سنة تسع وعشرين ، فيها عزل عثمان الوليد بن عقبة عن الكوفة ، وولاها سعيد بن العاص .
وقال أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق الطوسي : حدثني محمد بن الحسن بن محمد بن الوليد بن سيار النخعي ، قال : حدثني الحسن بن حفص المخزومي : أن لبيدا جعل على نفسه أن يطعم ما هبت الصبا ، قال : فألحت عليه زمن الوليد بن عقبة ، فصعد الوليد المنبر ، فقال : أعينوا أخاكم ، فبعث إليه بثلاثين جزورا ، وكان لبيد قد ترك الشعر في الإسلام فقال لابنته : أجيبي الأمير ، فأجابت : .
. . .
إذا هبت رياح أبي عقيل . . . ذكرنا عند هبتها الوليدا
. . . أبا وهب جزاك الله خيرا . . . نحرناها ، وأطعمنا الثريدا
. . . طويل الباع أبيض عبشمي . . . أعان على مروءته لبيدا
. . . بأمثال الهضاب كأن ركبا . . . عليها من بني حام قعودا
. . . فعد إن الكريم له معاد . . . وظني يا ابن أروى أن تعودا
أخبرنا بذلك أبو العز ابن الصيقل الحراني قال : أخبرنا أبو علي بن الخريف ، قال : أخبرنا القاضي أبو بكر الأنصاري قال : أخبرنا أبو الغنائم حمزة بن علي السواق ، قال : أخبرنا أبو الفرج أحمد بن عمر الغضاري المعروف بابن البغل ، قال : أخبرنا جعفر [ ص: 61 ] ابن محمد بن نصير الخواص ، قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن مسروق ، فذكره .
وقد ذكرنا شيئا من أخباره في ترجمة جندب الخير الأزدي قاتل الساحر .
قال أبو عروبة الحراني : مات في أيام معاوية .
روى له أبو داود حديث الخلوق .