الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 244 ] باب قدوم جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وأصحابه والأشعريين على النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر من أرض الحبشة وما جرى في قسمته لهم ولغيرهم ومن لم يقسم له وما روي في ذلك من دلالات النبوة

                                        أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الله الأديب، قال: أخبرنا أبو بكر الإسماعيلي، قال: أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أسامة، قال: حدثنا بريد، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، قال: فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهم أبو رهم، والآخر أبو بردة، إما قال: بضعا، وإما قال: في ثلاثة أو اثنين وخمسين رجلا من قومي، فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده، فقال جعفر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا وأمرنا بالإقامة، فأقيموا معنا، أي في الحبشة فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا، فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فتح خيبر، فأسهم لنا، وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر شيئا إلا لمن شهد معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم، قال: فكان أناس من الناس يقولون لنا - يعني لأصحاب السفينة - : سبقناكم بالهجرة.

                                        قال: ودخلت أسماء بنت عميس، وهي ممن قدم معنا على حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم زائرة، وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر إليه، فدخل عمر على حفصة، وأسماء عندها، فقال عمر حين رأى أسماء: من هذه؟ فقالت: [ ص: 245 ] أسماء بنت عميس، قال عمر: الحبشية هذه؟ البحرية هذه؟ فقالت أسماء: نعم، فقال عمر: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        فغضبت، وقالت كلمة: كذبت يا عمر، كلا والله، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يطعم جائعكم، ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله، وايم الله لا أطعم طعاما، ولا أشرب شرابا حتى أذكر ما قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ، ولا أزيد على ذلك، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما قلت له؟" قالت: قلت له كذا، قال: "ليس بأحق بي منكم، له ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان" .

                                        قالت: فلقد رأيت أبا موسى وأصحاب السفينة يأتوني أرسالا، يسألونني عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به أفرح، ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                        قال أبو بردة: قالت أسماء: فلقد رأيت أبا موسى وإنه ليستعيد هذا الحديث مني، وقال: لكم الهجرة مرتين: هاجرتم إلى النجاشي وهاجرتم إلي.


                                        رواه البخاري ومسلم في الصحيح عن أبي كريب.

                                        التالي السابق


                                        الخدمات العلمية