257 - باب ذكر الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورحمة الله عليهم أجمعين
قال رحمه الله : محمد بن الحسين
ينبغي لمن تدبر ما رسمنا من فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفضائل أهل بيته رضي الله عنهم أجمعين ، أن يحبهم ويترحم عليهم ويستغفر لهم ، ويتوسل إلى الله الكريم لهم ، ويشكر الله العظيم إذ وفقه لهذا ، ولا يذكر ما شجر بينهم ، ولا ينقر عنه ولا يبحث .
فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطي به عن طريق الرشاد فقال : لم قاتل فلان لفلان ، ولم قتل فلان لفلان وفلان ؟ ! .
قيل له : ما بنا وبك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا اضطررنا إلى علمها .
فإن قال قائل : ولم ؟
قيل له : لأنها فتن شاهدها الصحابة رضي الله عنهم فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها ، وكانوا أعلم بتأويلها من غيرهم ، وكانوا أهدى [ ص: 2486 ] سبيلا ممن جاء بعدهم ؛ لأنهم أهل الجنة ، عليهم نزل القرآن وشاهدوا الرسول صلى الله عليه وسلم وجاهدوا معه ، وشهد لهم الله عز وجل بالرضوان والمغفرة والأجر العظيم ، وشهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير قرن . فكانوا بالله عز وجل أعرف وبرسوله صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وبالسنة ومنهم يؤخذ العلم وفي قولهم نعيش ، وبأحكامهم نحكم وبأدبهم نتأدب ولهم نتبع وبهذا أمرنا .
فإن قال قائل : وأيش الذي يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم والبحث عنه ؟
قيل له : لا شك فيه ، وذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا ، وعقولنا أنقص بكثير ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق ونتخلف عما أمرنا فيهم .
فإن قال قائل : وبم أمرنا فيهم ؟
قيل : أمرنا بالاستغفار لهم ، والترحم عليهم ، والمحبة لهم والاتباع لهم ، دل على ذلك الكتاب والسنة وقول أئمة المسلمين ، وما بنا حاجة إلى ذكر ما جرى بينهم ، قد صحبوا الرسول صلى الله عليه وسلم وصاهرهم وصاهروه ، فبالصحبة له يغفر الله الكريم لهم ، وقد ضمن الله عز وجل لهم في كتابه أن لا يخزي منهم واحدا .
وقد ذكر لنا الله تعالى في كتابه أن وصفهم في التوراة والإنجيل ، فوصفهم بأجمل الوصف ونعتهم بأحسن النعت .
[ ص: 2487 ] وأخبرنا مولانا الكريم أنه قد تاب عليهم ، وإذا تاب عليهم لم يعذب واحدا منهم أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ( أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون )
فإن قال قائل : إنما مرادي من ذلك لأن أكون عالما بما جرى بينهم فأكون لم يذهب علي ما كانوا فيه لأني أحب ذلك ولا أجهله .
قيل له : أنت طالب فتنة لأنك تبحث عما يضرك ولا ينفعك ، ولو اشتغلت بإصلاح ما لله عز وجل عليك فيما تعبدك به من أداء فرائضه واجتناب محارمه كان أولى بك .
وقيل له : ولا سيما في زماننا هذا مع قبح ما قد ظهر فيه من الأهواء الضالة .
وقيل له : اشتغالك بمطعمك وملبسك من أين هو أولى بك ، وتكسبك لدرهمك من أين هو ؟ وفيما تنفقه ؟ أولى بك .
وقيل : لا نأمن أن تكون بتنقيرك وبحثك عما شجر بين القوم إلى أن يميل قلبك فتهوى ما لا يصلح لك أن تهواه ، ويلعب بك الشيطان ، فتسب وتبغض من أمرك الله بمحبته والاستغفار له وباتباعه ، فتزل عن طريق الحق وتسلك طريق الباطل .
فإن قال : فاذكر لنا من الكتاب والسنة وعمن سلف من علماء المسلمين [ ص: 2488 ] ما يدل على ما قلت لترد نفوسنا عما تهواه من البحث عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم .
قيل له : قد تقدم ذكرنا لما ذكرته مما فيه بلاغ وحجة لمن عقل ، ونعيد بعض ما ذكرناه ليتيقظ به المؤمن المسترشد إلى طريق الحق .
قال الله عز وجل : ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار ) . . . . ثم وعدهم بعد ذلك المغفرة والأجر العظيم .
وقال الله عز وجل : ( لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ) . . . الآية .
وقال عز وجل : ( والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ) . . . إلى آخر الآية .
وقال عز وجل : ( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) . . . الآية .
[ ص: 2489 ] وقال عز وجل : ( كنتم خير أمة ) الآية .
وقال عز وجل ( لقد رضي الله عن المؤمنين ) إلى آخر الآية .
ثم إن الله عز وجل أثنى على من جاء بعد الصحابة فاستغفر للصحابة وسأل مولاه الكريم ألا يجعل في قلبه غلا لهم ، فأثنى الله عز وجل عليه بأحسن ما يكون من الثناء ؛ فقال عز وجل : ( والذين جاؤوا من بعدهم ) . . . إلى قوله : . . . ( رؤوف رحيم ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم" .
وقال صلى الله عليه وسلم : "إن الله عز وجل اختار أصحابي على جميع العالمين إلا النبيين والمرسلين ، واختار لي من أصحابي أربعة : أبا بكر وعمر وعثمان فجعلهم خير أصحابي وفي أصحابي كلهم خير ، واختار أمتي على سائر الأمم" . وعليا ،
وقال صلى الله عليه وسلم : "إن مثل أصحابي في أمتي كالملح في الطعام لا يصلح [ ص: 2490 ] الطعام إلا بالملح" .
روي هذا عن عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : فكان أنس ، إذا حدث بهذا يقول : قد ذهب ملحنا فكيف نصلح ؟ ! الحسن
وقال : "إن الله عز وجل نظر في قلوب العباد فوجد قلب ابن مسعود محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه ، وبعثه برسالته ، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صلى الله عليه وسلم فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد ، فجعلهم وزراء نبيه صلى الله عليه وسلم يقاتلون على دينه" .
قال رحمه الله : محمد بن الحسين
يقال لمن سمع هذا من الله عز وجل ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن كنت عبدا موفقا للخير اتعظت بما وعظك الله عز وجل به ، وإن كنت متبعا لهواك خشيت عليك أن تكون ممن قال الله عز وجل ( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) ، وكنت ممن قال الله عز وجل ( ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ) .
ويقال له : من جاء إلى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يطعن في بعضهم [ ص: 2491 ] ويهوى بعضهم ويذم بعضا ويمدح بعضا ؛ فهذا رجل طالب فتنة ، وفي الفتنة وقع ؛ لأنه واجب عليه محبة الجميع والاستغفار للجميع رضي الله عنهم ونفعنا بحبهم .
ونحن نزيدك في البيان ليسلم قلبك للجميع ، وتدع البحث والتنقير عما شجر بينهم .