ذكر من حجه خصمه وأبى أن يحلف له
اختلف أهل العلم في فقالت طائفة : يرد اليمين على المدعي فإذا حلف استحق ما ادعاه ، وروينا هذا القول عن الرجل يدعي قبل آخر مالا فينكر ذلك المدعى عليه وتمنع من اليمين شريح والشعبي وبه قال وابن سيرين ، مالك بن أنس ، وسوار ، وعبيد الله بن الحسن ، والشافعي، وأبو عبيد ، وأبو ثور، والمزني . [ ص: 27 ]
6570 - حدثنا عن علي بن عبد العزيز، أبي عبيد قال : حدثنا عفان عن مسلمة ، عن عن داود بن أبي هند ، الشعبي: المقداد استسلف من عثمان سبعة آلاف درهم ، فلما اقتضاه أتاه بأربعة آلاف ، فقال أن عثمان : إنها سبعة . فقال المقداد : ما كانت إلا أربعة ، فلم يزالا حتى ارتفعت إلى عمر . فقال المقداد : يا أمير المؤمنين ليحلف أنها كما يقول وليأخذها . فقال عمر : أنصفك ، احلف أنها كما تقول وخذها .
6571 - حدثنا قال : حدثنا موسى بن هارون ، يحيى ، قال : حدثنا شريك ، عن الأسود بن قيس ، عن كلثوم بن الأقمر ، عن رجل من قومه يقال له : حسان قال : عرف حذيفة بعيرا له في يد رجل فصارت اليمين على حذيفة فقال : أفتدي (يميني) بعشرة . قال : لا قال : فبعشرين . قال : لا . قال : فبثلاثين . قال : لا . قال : فبأربعين . قال : لا . فحلف حذيفة وقال : أتراني أستحل أخذه ولا أحلف عليه . [ ص: 28 ]
قال أبو بكر : يرى والشافعي وذلك مثل النكاح والطلاق والدماء والجراح كلها التي توجب القصاص ، والعقل وفي الكتابة ، والتدبير ، والعتق ، والخلع ، والأكرية والأشربة وغير ذلك ، واحتج رد اليمين في كل شيء يقال للمدعى عليه احلف لقوله بخبر الشافعي سهل بن أبي حثمة .
6572 - أخبرنا الربيع، قال : أخبرنا قال : أخبرنا الشافعي الثقفي عن وابن عيينة ، يحيى بن سعيد، عن بشير بن يسار ، سهل بن أبي حثمة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ بالأنصاريين ، فلما لم يحلفوا رد الأيمان على يهود . عن
6573 - أخبرنا الربيع قال : أخبرنا قال : أخبرنا الشافعي ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، أن رجلا من سليمان بن يسار بني سعد بن ليث أجرى فرسا له فوطئ على إصبع رجل من جهينة ، فنزى فيها فمات . قال عمر للذين ادعى عليهم : تحلفون خمسين يمينا ما مات منها ، فأبوا وتحرجوا من الأيمان ، فقال للآخرين : احلفوا أنتم فأبوا .
قال : فقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمين على الأنصاريين ، فلما لم يحلفوا حولها على اليهود ويبرؤون بها قال : ورأى الشافعي عمر اليمين على الليثيين يبرؤون بها ، فلما أبوا حولها على الجهنيين يستحقون بها وكل [ ص: 29 ] هذا تحويل يمين من موضع قد رئيت فيه إلى الموضع الذي يخالفه فبهذا وما أدركنا عليه أهل العلم فقلنا بقول في رد اليمين وقد قال الله : ( تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله ) وقال : ( فإن عثر على أنهما استحقا إثما ) إلى قوله : ( فيقسمان بالله ) ، واحتج بأن أبو ثور واختلفوا فيما يجب فيه لم يجز أن يحكم باختلاف ؛ لأن طائفة أوجبت الحق بالنكول . المدعى عليه لما نكل عن اليمين
وقالت طائفة : لا يجب الحق حتى يحلف المدعي ، وإذا حلف المدعي فكل قد أوجب الحق للمدعي فحكمنا بما لا اختلاف فيه .
قال الذي قاله أبو بكر : إنما كان يلزم لو كان إجماعا ، وليس فيه إجماع ؛ لأن أبو ثور وغيره يقولون : يحبس إن لم يحلف ، وقالت طائفة : المال يلزم بنكول المدعى عليه ، واحتجوا بأخبار أنا ذاكرها إن شاء الله . [ ص: 30 ] ابن أبي ليلى
6574 - حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : أخبرنا قال : أخبرنا يزيد بن هارون ، يحيى ، أنه سمع يحدث ، سالم بن عبد الله بن عمر باع غلاما له بالبراءة بثمانمائة درهم ثم إن صاحب العبد خاصم ابن عمر إلى عبد الله بن عمر عثمان فقال : باعني غلاما وبه داء عرفه لم يبينه لي . فقال أن قد بعته بالبراءة . فقال ابن عمر : عثمان : تحلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه ، فأبى أن يحلف ورد العبد . فذكر ابن عمر سالم أن العبد صح عند حتى باعه بألف وأربعمائة . ابن عمر
6575 - حدثنا قال : حدثنا موسى بن هارون ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حفص ، عن عن ابن جريج ، عن ابن أبي مليكة، ، أنه أمره أن ابن عباس . يستحلف امرأة فأبت أن تحلف فألزمها ذلك
6576 - وحدثنا قال : حدثنا موسى بن هارون ، يحيى ، قال : حدثنا قيس ، عن واصل بن أبي حرة ، عن إسحاق بن أبي نباتة ، عن أبيه قال : فخاصمني إلى بعت من رجل جارية فمكثت عنده سنتين ، ثم ادعى أنها مجنونة شريح . فقال شريح: ما تقول ؟ فقلت : اشتراها مني منذ سنتين . قال : فاحلف بالله أنك ما بعتها إياه بهذا العيب . قلت : أنا أرد عليه اليمين فأبى شريح . فقال وهو إلى جنب علي بن أبي طالب شريح : قالون ، وعقد بيده ثلاثين . [ ص: 31 ]
6577 - وقد روينا عن الحكم أنه قال : لا أرد اليمين .
وكان يقول : لا ترد اليمين ولا يحلف الرجل مع بينته ، واختلف فيه عن أحمد بن حنبل فحكى إسحاق إسحاق بن منصور عنه أنه رأى رد اليمين ، وقال في موضع آخر : إن نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه ، وذكر قول في المرأتين اللتين تخرزان ، وقال أصحاب الرأي : إذا أبى أن يحلف ، لزمه الحق . وفسر ذلك بعض أصحابه فقال : إن أبى أن يحلف يقول له القاضي : إني أعرض عليك اليمين ثلاث مرات فإن حلفت وإلا ألزمتك دعوى الرجل . ابن عباس
قال وفي هذه المسألة قول ثالث : وهو أن أبو بكر : أخذه الحاكم باليمين ؛ لأن قوله : اليمين على المدعى عليه . إيجاب عليه أن يحلف ، فإذا امتنع مما يجب عليه أخذ به هذا قول قاله بعض أهل العلم ، وكان المدعى عليه إذا أبى أن يحلف يقول في الخصم يقول للقاضي : لا أقر ولا أنكر : أدعه حتى يقر أو ينكر . [ ص: 32 ] ابن أبي ليلى
قال أما من ألزم الحكم بالنكول ، فلسنا نعلم معهم حجة تلزم ، أما حديث أبو بكر : فإنما امتنع ابن عمر من اليمين ، فرد العبد ، وليس في شيء من الأخبار أن ابن عمر عثمان حكم عليه بالنكول ، إنما أخذ العبد من غير حكم حكم عليه ابن عمر عثمان ، وأما حديث فإنما رواه بعضهم على الاختصار ، وفي حديث ابن عباس عن حماد بن زيد ، أيوب أن المرأة أقرت .
6578 - حدثنا قال : حدثنا علي بن عبد العزيز قال : حدثنا أبو النعمان عن حماد بن زيد ، أيوب ، عن قال : بعثني ابن أبي مليكة على قضاء ابن الزبير الطائف فقلت إن هذا قد بعثني على قضاء لابن عباس: الطائف ولا غنى لي عنك أن أسألك فقال لي : نعم اكتب لي فيما بدا لك - أو سل عما بدا لك - فرفع إلي امرأتان كانتا في بيت تخرزان ، فادعت إحداهما أنها طعنتها الأخرى في كفها وقوما في بيت فكتبت إلى أسأله عن ذلك فكتب إلي : أنه لا يقضي في مثل هذا إلا (بالروية) ولكن ادعها واتل عليها الآية ثم استحلفها : ( ابن عباس إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) إلى آخر الآية قال : فقرأت عليها ثم ذهبت أستحلفها فأبت أن تحلف وأقرت . [ ص: 33 ]
وحديث علي إسناده واهي ، وقد ثبت عن شريح من غير وجه أنه كان يرى . رد اليمين
6579 - حدثنا قال : حدثنا أبو حاتم الرازي ، سنة خمس عشرة سليمان بن حرب بمكة ، عن عن حماد بن زيد ، أيوب ، عن محمد ، أن شريحا كان يرى رد اليمين - قال سليمان : هذا قاضي عمر بن الخطاب ، وعثمان، وعلي .
قال فليس لأصحاب الرأي في شيء من هذه الأخبار حجة فإن احتج محتج بآية الملاعنة ، وقال : إن أبو بكر : يوجب عليها العذاب فهذا غلط من مدعيه ؛ لأن في قوله جل ذكره : ( نكول الزوجة عن الشهادة ويدرأ عنها العذاب ) أبين البيان على أنها إنما تدرأ عن نفسها العذاب [ ص: 34 ] الذي وجب عليها بشهادات الزوج لا بنكولها عن اللعان ، لأنها إنما تدرأ عن نفسها ما قد وجب لا ما لم يجب ، وليس كذلك المدعى عليه لم يجب عليه شيء يدفعه عن نفسه كما تدفع الملاعنة عن نفسها ما قد وجب عليها بشهادات الزوج ، على أن الكوفي ليس بتارك المناقضة في قوله : لأنه يزعم أن النكول يقوم مقام الإقرار ، ثم نقض ذلك ورجع عنه ، فقال : إذا ادعى رجل على رجل أنه قتل وليا له عمدا ، فنكل عن اليمين أن القياس أن يقتل ، ولكنه زعم : يستحسن فيحبسه حتى يقر فيقتل أو يحلف فيبرأ . فترك الحق الذي دعا إليه حيث جعل النكول يقوم مقام الإقرار ثم خالف القياس الذي زعم أنه حق إلى غير الحق واستحسن ما ليس بحق وقد لزمه الخطأ من جهة أخرى ، وهذا سبيل من ترك الحق إيجابه الحبس بغير حجة يرجع إليها ، وخالفه يعقوب فأحدث قولا لا دليل عليه خلاف أصولهم فأوجب عليه الدية ، وهم لا يرون أن الدية تجب في قتل العمد ، وزعموا في القتيل يوجد في محلة قوم أن يحلف من أهل المحلة خمسون فإذا حلفوا غرموا ، فلا هم أوجبوا عليه بالنكول القتل ولا الدية ولا هم أبرؤوهم بأيمانهم ، ولكنهم أحدثوا من عند أنفسهم حكما لا دليل عليه ، فإن زعموا أنهم اتبعوا فيه الخبر عن عمر فالخبر فيه عن عمر غير ثابت ؛ لأن رواه عنه وهو لم يلقه . الشعبي
6580 - حدثناه قال حدثنا علي بن الحسن، عبد الله ، عن سفيان قال : حدثنا فراس ومخول ، عن أن قتيلا وجد بين وداعة [ ص: 35 ] وشاكر فقاسوا ما بين القريتين . وهذا منقطع لا تقوم به الحجة ، والأخبار الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على خلاف هذا القول ، وقد ذكرناها في كتاب القسامة واللعان الذي ذكروا أنهم اتبعوه ، هم تاركون له ، وزعموا أنهم يوجبون الشعبي، ويوجبون عليها الحبس إذا أبت أن تشهد في باب اللعان فأظهروا أنهم يقيسون على اللعان ، ثم خالفوه فأوجبوا حبسا لا حجة معهم توجب في ذلك على المال على المدعى عليه بنكوله ، ثم تخطوا ما قالوه إلى أن قالوا : لا يجب الحكم بالنكول في أول مرة كما يجب الحكم إذا أقر بالمال مرة ، فقالوا : لا يحكم عليه حتى يعرض عليه ذلك ثلاث مرار ، فإن كان النكول يقوم مقام الإقرار فإذا عرضت اليمين عليه فأباها مرة وجب أن يحكم عليه وما يكاد القوم يدعون إلى شيء فيقيسوا عليه . المرأة إذا أبت اللعان
قال وقد دفع ناس الحجج التي احتج بها أصحابنا في رد اليمين فمن ذلك أنهم قالوا : غير جائز أن يكون رد اليمين قياسا على القسامة ؛ لأن الأيمان في القسامة أن يبدأ بها مدعيها فيستحق المال أليس كذلك مدعي المال يدعي المال ابتداء فيحلف ويستحق المال كما يفعل في الأيمان في القسامة ، وكل واحد من هذين أصل في نفسه لا يجوز أن يجعل قياسا على غيره والأيمان في القسامة خمسون وهي في سائر الحقوق يمين واحدة ، فإذا افترقت من أصولها لم يجز أن [ ص: 36 ] يجعل فروعا قياسا على ما قد افترق الأصل فيه . وأما خبر أبو بكر : ، سليمان بن يسار وعراك بن مالك فمرسل والمرسل لا يجوز الاحتجاج به ، وأبعد من ذلك احتجاج من احتج منهم في هذا الباب بقوله : ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت ) الآية ، لأنهم يرون أن رد اليمين إنما يجب إذا امتنع المدعى عليه من اليمين والآخران من غيرنا اللذين شهدا وأقسما ليسا بمدعى عليهما لو أقرا وجب عليهما الحكم ، وإنما يشهدان ويقسمان بعد قسم الأولين فهما يمينان من الأولين والآخرين بعدهما وشهادتان والناكل عن اليمين إنما يحلف المدعي وحده وليس في هذين الصنفين مدعي ولا مدعى عليه على أن المحتج بهذه الآية يذكر أنها منسوخة ، فإذا كانت منسوخة في نفسها كيف تكون محكمة لأن يقاس عليها ما يشبهها فكيف يقاس عليها ما لا يشبهها ؟! هذا مستحيل من كل وجه أن يجعل بأن رد اليمين قياسا عليها .
قال وليس يجوز القول في هذا إلا واحد من قولين ، إما أن يجب المال بنكول المدعى عليه ويمين المدعي ، أو يجب أخذ المدعي باليمين حتى يخرج مما وجب عليه من اليمين فأما وجوب المال بالنكول فغير جائز ذلك إذ هو قول لا معنى له ، واختلفوا في المدعي يرد عليه اليمين فلا يحلف ، فقالت طائفة : بطل حقه إلا أن يأتي ببينة على أصل المال ، فيستحق المال ببينته . فممن قال : إذا رد اليمين على الطالب فلم يحلف لم يعط شيئا : أبو بكر : شريح، وعبد الله بن عتبة ، [ ص: 37 ] ومالك بن أنس ، . وقال والشافعي : إذا قيل للرجل : احلف مع شاهدك فيأبى فيرد اليمين على المدعي ثم يريد بعد ذلك أن يحلف ويستحق حقه قال : ليس ذلك له ويحلف المدعى عليه ويبرأ ، وقال مالك : أبو ثور قيل له : لك ملازمته حتى يحلف فيبرأ من المطالبة إلا أن يكون لك بينة على ما وصفنا ، ويحلف فيستحق الحق فإن سأل حبسه حتى يحلف ، ففيها قولان : أحدهما : أن يحبس . والآخر : لا يحبس ؛ لأن الحبس عقوبة ولا يجوز أن يعاقب من لا يعلم أنه مستحق لذلك . إذا نكل المدعى عليه ، وأبى المدعي أن يحلف