باب ذكر خبر رابع يدل ظاهره على الأمر بالتسوية بين الأولاد والعدل بينهم.
8820 - حدثنا قال: حدثنا محمد بن إسماعيل أبو نعيم قال: حدثنا فطر، عن أبي الضحى، قال: ، قال: انطلق بي النعمان بن بشير أبي بشير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشهده على عطية يعطيه، وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "هل لك ولد غيره؟" قال نعم، قال بيده هكذا: " (سو) ". سمعت
قال : وقد اختلف أهل العلم في أبو بكر فممن قال: ذلك جائز: مالك، الرجل ينحل بعض ولده دون بعض، . والشافعي
قال مالك: قد نحل أبو بكر دون ولده. عائشة
قال: وإنما يكره من ذلك أن ينحل الرجل بعض ولده ماله كله.
وذكر حديث الشافعي النعمان الذي بدأنا بذكره، قال: وفي هذا دلالة على شيئين:
أحدهما: أن من قبل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فارجعه" ودلالة على أن للوالد أن يرجع فيما وهب لولده، وقول أصحاب الرأي كقول هؤلاء. العطية على الأثرة جائزة في الحكم
وروينا عن شريح أنه قال: لا بأس أن يفضل بعض ولده على بعض. [ ص: 26 ]
ورخص في ذلك أبو الشعثاء.
وكان لا يرى بذلك بأسا إذا فعل ذلك لله لصلاح عنده ولقلة حيلة، وكان الحسن بن صالح يكره ذلك، ويجيزه في القضاء، وكرهت طائفة ذلك، وممن كرهه الحسن البصري ، قال: لا يجوز ذلك، ولا رغيف محترق. طاوس
وسئل عن أحمد بن حنبل رجل فضل بعض ولده على بعض، قال: بئس ما صنع.
وقال : فإن نحل بعضهم دون بعض فمات فهو ميراث بينهم، لا يسع أحدا أن ينتفع بما أعطي دون إخوته وأخواته، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "جئت بمال ... " "هو جور" مما سنبين لك ما وصفنا حيث قال: "اردده". إسحاق بن راهويه
قال: وقال مجاهد مثل هذا: إذا لم ينحل الباقي مثل ذلك فهو ميراث.
قال : يرد من حيف الناحل ما يرد من حيف الموصي. عروة بن الزبير
ورآه من أحكام الجاهلية، تلا قول الله - عز وجل - : ( طاوس أفحكم الجاهلية يبغون ) الآية.
فكل ما أراد به حرمان البقية فهو كما وصفنا، فإن كان أعطى بعض ولده دون بعض عند نائبة إما تزويج ولد أو ما أشبهه، ثم لم يكن له يومئذ ولد غيره ثم ولد له ولد بعد، ثم لم يعط الباقين وإرادته على إعطائهم لم يكن ميراثا.
والحجة في ذلك قول أبي [ ص: 27 ] بكر حيث نحلها، فقال: وددت أنك حزتيه قبل مرضي، حتى أنه قال لها: إنما هو اليوم مال وارث. لعائشة
وقد اختلف أهل العلم في التسوية بينهم، وتفضيل الذكر على الأنثى: فقالت طائفة: يقسم بينهم في حياته كما يقسم المال بينهم بعد وفاته، للذكر مثل حظ الأنثيين، كذلك قال أحمد بن حنبل وإسحاق ، قال : وكتاب الله ( إسحاق للذكر مثل حظ الأنثيين ) فإذا قسم في الحياة حكم بحكم الله.
8821 - وروينا عن شريح، أبا أمية إني قد قسمت مالي بين ولدي، ولم آل أن أعدل بينهم، وقد أشهدتك، فقال شريح: قسمة الله أعدل من قسمتك، فارددهم إلى سهام الله وفرائضه، وأشهدني؛ فإني لا أشهد على جور. أن رجلا قال له: يا
وروينا عن غير واحد أنهم أوجبوا التسوية بينهم، ليس في أخبارهم ذكر الذكر والأنثى، قال : لا يفضل أحدا على أحد بشعيرة، وقد روينا عن طاوس عطاء أنه قال: سو بينهم، وقال : قلت ابن جريج لعطاء : أحق تسوية النحل بين الولد على كتاب الله؟ قال: نعم.
وكان يحب أن [ ص: 28 ] يسوي بينهم حتى في القبلة. النخعي
قال : بلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره أن يخص الرجل بعض ولده بالعطية، ولكن ينبغي له أن يسوي بينهم، الذكر والأنثى. سفيان الثوري
قال : والذي هو عندي أولى القولين التسوية بين البنين والبنات، يدل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : أبو بكر "سو بينهم" إذ لو كان بين ذلك فرق لأمر بتفضيل البنين على البنات.
فإن قال قائل: إن بشيرا لم يكن له بنات ففي حديث:
8822 - رواه عن زياد بن عبد الله البكائي، ، قال: وحدثني [ابن] إسحاق أنه حدث أن سعيد بن ميناء، ابنة بشير بن سعد أخت النعمان بن بشير قال: دعتني عمرة بنت رواحة، فأعطتني حفنة من تمر، وقالت: يا بنية اذهبي إلى أبيك، وخالك بغدائهما. وذكر الحديث. عبد الله بن رواحة
8823 - حدثنا محمد بن علي ، قال: (حدثنا سعيد، قال) : حدثنا ، عن إسماعيل بن عياش سعيد بن يوسف، عن ، عن يحيى بن أبي كثير عكرمة ، عن ، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ابن عباس "سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلا أحدا لفضلت البنات". [ ص: 29 ]
وقد احتج بعض من رأى أن يفضل الرجل بعض ولده على بعض بحجتين:
إحداهما: قوله: "ارجعه" وقد بدأنا بذكره في أخبار النعمان ، قال القائل منهم: ففي قوله "ارجعه" بيان على أن النحل الذي نحله والد النعمان كان جائزا.
وحجتهم من النظر أنهم لما أجمعوا على أنه مالك لماله، فإن له أن يعطي ما شاء من ماله من شاء من الناس، فكذلك له أن يعطي ما شاء من ماله من شاء من ولده؛ إذ لا فرق بين ولده وبين سائر الناس.
وعارضهم بعض من لا يرى أن لا يفضل بعضهم على بعض، فقال: قوله "ارجعه" يحتمل معنيين:
يحتمل: ما قال من خالفنا.
ويحتمل: أن يريد ارجعه؛ لأنه لا يجوز، فلما احتمل المعنيين وجب على أهل العلم طلب الدلالة على أصح المعنيين، فوجدنا الثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو قوله: يدل على أن معنى قوله "ارجعه" لأن ذلك لا يجوز، وأما ما احتج به مما ذكر أن النظر يدل عليه فإنما يجب استعمال النظر فيما لا خبر فيه، فأما ما فيه خبر يمنع منه فلا معنى للاشتغال بالنظر فيه. "لا تشهدني على جور"