ذكر إقامة الحدود بعد حين من الزمان وبعد أن يتوب منه الذي أصاب الحد
اختلف أهل العلم في إقامة الحد بعد مدة وزمان .
فقالت طائفة: يقام عليه الحد. هذا قول مالك بن أنس، . والأوزاعي
قال في الرجل يشهد عليه أنه شرب أو سرق منذ حين: أنه يقام عليه الحد. وقال مالك في رجل قتل رجلا ثم لحق بدار الحرب [ ص: 456 ] ثم جاء تائبا قال: يؤخذ بالقتل إلا أن يعفو ولي الدم، ولو أنه سرق مستخفيا ثم جاء تائبا من سرقته قطعت يده . الأوزاعي
وقال في رجل زنى، أو سرق، أو شرب الخمر أقيم عليه الحد ولو بعد عشرين سنة، وكذلك قال سفيان الثوري أحمد، وإسحاق. قال كذلك رأى إسحاق: عثمان في الوليد .
وحكي عن أنه قال كما قال ابن أبي ليلى وبه قال الثوري، فأما أبو ثور، فإنه قال: ذكر الله المحاربين فأخبر بما عليهم من الحد إلا أن يتوبوا، ثم ذكر حد الزنا والسرقة، ولم يذكر فيهما استثناء فاحتمل أن لا يكون الاستثناء إلا حيث جعل في المحارب خاصة، واحتمل أن يكون كل حد لله فتاب صاحبه قبل أن يقدر عليه سقط عنه، كما احتمل حين قال النبي صلى الله عليه وسلم في حد الزنا في الشافعي ماعز: "ألا تركتموه" .
قال ولأصحاب الرأي في هذا الباب كلام ينقض بعضه بعضا. قال أبو بكر: النعمان: إذا شهد الشهود على زنا قديم لم آخذ بشهادتهم ولم أحدهم، وإذا أقر بزنا قديم أربع مرات فإني أحده. وفي كتاب محمد بن الحسن قلت: أرأيت إن قذف رجلا فأتي به الإمام بعد زمان هل يحده؟ قال: نعم، وفي السرقة إذا أتي به بعد زمان لم يقطع، لأن هذا من حقوق الناس، وزعم النعمان وصاحباه في رجل شهد عليه شهود بسرقة بعد حين أو بشرب خمر أنه لا يؤخذ بشيء من ذلك [ ص: 457 ] إلا أنه يضمن السرقة، ولا تقطع يده، ولو أقر بعد حين قطع .
وقال النعمان ويعقوب: إذا أقر بشرب خمر بعد حين فلا حد عليه. وقال ابن الحسن: عليه الحد. فإسقاطهم جميعا ما أوجبه الله من القطع في السرقة بشهادتهم بعد حين غفلة، وإبطال النعمان ويعقوب الحد عن المعترف بشرب الخمر بعد إيجابهما القطع على المقر بالسرقة غفلة أخرى، وكل ذلك متناقض في نفسه خلاف ما أوجبه الله في كتابه. وقال أصحاب الرأي في الزنا إذا تقادم فإن على الزاني المهر، وقد ثبت أن نبي الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي .
9138 - أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا قال: أخبرنا الشافعي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، أن أبي مسعود الأنصاري، . رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن مهر البغي
قال وقد أجمع أهل العلم أن الزاني بالزانية لا مهر عليه، ولا مهر للزانية، وليس تخلو الشهادة على الزنا القديم من أحد معنيين، إما أن تكون جائزة فإقامة الحد يجب، لأن الله أمر بجلد الزاني، أو تكون غير جائزة ولا حد ولا مهر. فإما أن تكون جائزة في معنى غير مستعملة فيما أوجبه الله من إقامة الحد بل تستعمل فيما نهى عنه رسول الله من مهر [ ص: 458 ] البغي، فهذا خطأ من كل وجه، وحكاية هذا القول تجزئ عن الإدخال على قائله، وحجة أخرى قد أجمع أهل العلم على إيجاب الحد على الزاني بالزانية وقت زنيا، وإسقاط المهر عن الزاني على تلك الحال، وأجمعوا أنهما لو رفعا في ذلك الوقت إلى الحاكم لوجب إقامة الحد عليهما، وترك إلزام المهر، وغير جائز إلزام ما قد أجمعوا على أنه ساقط وهو المهر، وإسقاط ما أوجبه الله في كتابه مع إجماعهم على أن إقامته تجب لو جيء به وقت زنى . أبو بكر:
قال فأما أبو بكر: فغير جائز، لأن الله أوجب إقامة الحد ولم يذكر استثناء، ولو كان لله في ذلك [مراد] لبينه في كتابه كما ذكر توبة المحارب، والدليل على صحة هذا القول مجيء إسقاط الحد عن من جاء تائبا الغامدية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أمر برجمها، وسبها خالد فقال: "لا تسبها فلقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له" ولم يجعل توبتها مزيلة للحد عنها، وكذلك قال في قصة الجهينية حيث قال له عمر: أهل المدينة وسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها" فإقامة النبي صلى الله عليه وسلم الحد على هاتين مع [ثيوبتهما] دليل على أن سقوط الحد بالتوبة إنما خص به المحاربين دون غيرهم . [ ص: 459 ] يا رسول الله، رجمتها ثم تصلي عليها! فقال: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من