ذكر حد المقام الذي يجب على المسافر به إتمام الصلاة
اختلف أهل العلم في القدر الذي يجب على المسافر إذا أقام ذلك المقدار إتمام الصلاة، فقالت طائفة: إذا أجمع على إقامة خمس عشرة أتم الصلاة. روينا هذا القول عن ابن عمر، وبه قال وأصحاب الرأي. سفيان الثوري،
2266 - حدثنا يحيى بن محمد، قال: ثنا مسدد، ثنا يحيى، قال: ثنا أبو عيسى، قال: ثنا مجاهد، عن قال: ابن عمر، "إذا سافر الرجل فحدث نفسه بإقامة خمس عشرة أتم الصلاة".
2267 - حدثنا ، ثنا علي بن عبد العزيز ابن الأصبهاني : قال: ثنا شريك ، عن موسى الطحان، عن مجاهد ، عن قال: ابن عمر "إذا أجمع على إقامة خمس عشرة أتم الصلاة".
قال : أعلى ما يحتج به قائل هذا القول حديث أبو بكر ، وقد روينا عن ابن عمر رواية تخالف هذه الرواية، وهي أثبت من هذه الرواية، وهي مذكورة في بعض هذه الأقاويل، وإذا كان كذلك فالذي يحصل من القائلين بهذا القول، الثوري، وأصحاب الرأي. [ ص: 412 ] ابن عمر
وقالت طائفة: إذا أزمع إقامة ثنتي عشرة أتم الصلاة، هذا قول ، آخر أقواله كما ذكر عبد الله بن عمر بن الخطاب نافع .
2268 - حدثنا ، حدثنا علي بن الحسن عبد الله ، عن سفيان ، عن ، عن محمد بن عجلان نافع ، عن ، قال: ابن عمر "إذا أزمعت بالإقامة ثنتي عشرة فأتم الصلاة".
2269 - ومن حديث ، قال إسحاق الوليد بن مسلم : ثنا ، عن الأوزاعي نافع ، عن : "أنه كانت منه أشياء في ابن عمر مختلفة، ثم صار آخر أمره إلى أن كان إذا قدم بلدة فأجمع أن يقيم بها اثنتي عشرة فأكثر من ذلك أتم الصلاة، وإذا قدم بلدة لا يدري ما يقيم فيها قصر الصلاة فيما بينه وبين اثنتي عشرة، فإذا كملها أتم الصلاة، وإن خرج من غد". قصر الصلاة في إقامته في السفر
وكان يقول: ما دابق إلا بمنزل من منازل الأسفار، فمن نزله فعلم أنه يقيم فيه اثنتي عشرة ليلة فأكثر من ذلك أتم الصلاة حين [ ص: 413 ] يقدمها، وإن كان لا يدري ما وقت إقامته، ومتى [يجيئه] نفير لينفر، قصر الصلاة إلى اثنتي عشرة ليلة، ثم أتم الصلاة حتى يرتحل عنها. الأوزاعي
وقالت طائفة: إذا عزم على مقام عشر ليال أتم الصلاة، وهذا قول ، وروي ذلك عن الحسن بن صالح ، علي بن أبي طالب ، وليس ذلك بثابت عنهما، وقال به وابن عباس محمد بن علي .
2270 - حدثنا ، حدثنا موسى بن هارون قتيبة، ثنا الليث، عن نافع ، عن : ابن عمر مكة فيقيم عشرا فيقصر الصلاة". "أنه كان يخرج إلى
2271 - حدثنا محمد بن علي ، قال: ثنا سعيد ، ثنا خالد بن عبد الله ، عن ليث ، عن مجاهد ، عن ، قال: " ابن عباس
وقالت طائفة: إذا أقمت أكثر من خمس عشرة فأتم الصلاة. [ ص: 414 ] إذا قدمت بلدة فلم تدر متى تخرج فأتم الصلاة، وإذا قلت: أخرج اليوم، أخرج غدا فأقمت عشرا فأتم الصلاة ".
روي هذا القول عن ، سعيد بن جبير وعبد الله بن عتبة، وبه قال . الليث بن سعد
وفيه قول خامس، وهو: أن هكذا قال: من أقام أربعا صلى أربعا، ، مالك ، واحتج وأبو ثور بأنهم لما أجمعوا على ما دون الأربع أنه يقصر كان ذلك له، فلما اختلفوا في الأربع كان عليه أن يتم، وذلك أن الفروض لا تزال باختلاف. أبو ثور
وفيه قول سادس.
2272 - حدثنا يحيى بن محمد قال: ثنا مسدد ، قال: ثنا ، عن أبو عوانة أو عاصم الأحول حصين ، عن عكرمة ، عن ، قال: ابن عباس "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر تسع عشرة قصر الصلاة. فنحن إذا سافرنا تسع عشرة نقصر الصلاة" .
وفيه قول سابع: قاله ، أحمد بن حنبل فإذا عزم على أن يقيم أكثر من ذلك أتم، واحتج بحديث إذا أجمع لعشرين صلاة مكتوبة قصر، جابر ، ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم لصبح رابعة. وابن عباس
قال: فأقام النبي صلى الله عليه وسلم الرابع والخامس، والسادس، والسابع، وصلى الفجر بالأبطح يوم الثامن، فكان يقصر الصلاة في هذه الأيام، وقد [ ص: 415 ] أجمع على إقامتها فإذا أجمع أن يقيم كما أقام النبي صلى الله عليه وسلم قصر، وإذا أجمع على أكثر من ذلك أتم.
وقد روينا عن في هذه المسألة أربعة أقاويل، أحدها: كقول سعيد بن المسيب والقول الثاني: كقول الثوري، ، والقول الثالث أنه قال: إذا وطنت نفسك بأرض أكثر من ثلاث فأتم الصلاة، والقول الرابع: أن المسافر إذا أقام ثلاثا أتم، فهذان قولان لا نعلم أحدا قال بهما. مالك
وفيه قول عاشر، ذكره ، قال: وقد قال آخرون: وهم الأقلون من أهل العلم: صلاة المسافر ما لم ترجع إلى أهلك، إلا أن تقيم ببلد لك بها أهل ومال فإنها تكون كوطنك، ولا ينظرون في ذلك إلى إقامة أربع ولا خمس عشرة، قال: ومما احتجوا لأنفسهم في ذلك ما إسحاق بن راهويه عن تقصير الصلاة، فقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من ابن عباس المدينة صلى ركعتين ركعتين حتى يرجع. سئل
2273 - حدثنا ، قال: نا محمد بن إسماعيل حدثنا أبو الوليد، ، قال: أخبرنا شعبة أبو إسحاق ، قال: سمعت أبا السفر، يحدث عن سعيد بن شفي، قال: ، عن الصلاة، في السفر، فقال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج من أهله صلى ركعتين حتى يرجع إليهم ابن عباس سئل ". [ ص: 416 ]
وروينا عن أن رجلا قال له: ابن عباس بخراسان فكيف ترى؟ فقال: صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين. إنا نطيل المقام بالغزو
وقال : الحسن البصري أنس بن مالك بسابور سنة أو سنتين يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين، وأقام عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس فكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين. أقام
وقال أبو إسحاق : أقمنا مع وال - أحسبه قال: بسجستان - سنين، وكان معنا رجال من أصحاب ، فصلى بنا ركعتين ركعتين حتى انصرف، ثم قال: كذلك كان ابن مسعود يفعل. ابن مسعود
وقال أبو مجلز : كنت جالسا عند ، قال: قلت يا ابن عمر أبا عبد الرحمن ، آتي المدينة طالب حاجة فأقيم بها السبعة الأشهر والثمانية، كيف أصلي؟ قال: ركعتين ركعتين.
وأقام ابن عمر بأذربيجان ستة أشهر يصلي ركعتين ركعتين، وكان الثلج حال بينهم، وبين القفول.
وأقام مسروق بالسلسلة سنين وهو عامل عليها فصلى ركعتين ركعتين حتى انصرف، يلتمس بذلك السنة.
2274 - حدثنا يحيى بن محمد بن يحيى ، ثنا ، قال: ثنا أبو بكر ، ثنا وكيع ، عن شعبة عن رجل من أبي التياح، عنزة يكنى أبا المنهال، قال: : إني رجل أقيم لابن عباس بالمدينة حولا، قال: صل ركعتين". قلت
2275 - حدثنا يحيى بن محمد ، حدثنا ، حدثنا أبو بكر ، حدثنا [ ص: 417 ] وكيع المثنى بن سعيد ، عن نصر بن عمران، قال: " : إنا نطيل المقام بالغزو لابن عباس بخراسان، فكيف ترى؟، قال: صل ركعتين وإن أقمت عشر سنين". قلت
2276 - حدثنا يحيى، ثنا ، ثنا أبو بكر جرير، عن مغيرة، عن سماك بن سلمة، عن ، قال: ابن عباس "إن أقمت في بلدة خمسة أشهر فاقصر الصلاة".
2277 - حدثنا يحيى بن محمد ، ثنا ، ثنا أبو بكر عبد الأعلى ، عن يونس، عن الحسن، أقام أنس بن مالك بسابور سنة أو سنتين يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين". "أن
2278 - حدثنا ، عن إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير حفص بن عبيد الله ، : "أقام أنس بن مالك بالشام شهرين مع يصلي ركعتين ركعتين". عبد الملك بن مروان أن
2279 - حدثنا ، عن إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن هشام بن حسان الحسن، عن - قال: عبد الرحمن بن سمرة [ ص: 418 ] "كنا معه ببعض بلاد فارس سنتين فكان لا يجمع ولا يزيد على ركعتين".
2280 - حدثنا ، عن إسحاق ، عن عبد الرزاق عن الثوري، ، عن حبيب بن أبي ثابت عبد الرحمن بن المسور، سعد - قال: " كنا معه بالشام شهرين فكنا نتم، وكان يقصر، فقلنا له: فقال: إنا نحن أعلم ". عن
2281 - حدثنا ، عن إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر أبي إسحاق ، قال: بسجستان - سنين، وكان معنا رجال من أصحاب ، فصلى بنا ركعتين ركعتين حتى انصرف، ثم قال: كذلك كان ابن مسعود يفعل". ابن مسعود "أقمنا مع وال - أحسبه قال:
2282 - حدثنا ، عن إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان يزيد الرشك، قال: حدثنا أبو مجلز ، قال: ، قال: فقلت: يا ابن عمر أبا عبد الرحمن ! آتي المدينة طالب حاجة فأقيم بها السبعة الأشهر والثمانية، كيف أصلي؟ قال: ركعتين ركعتين". "كنت جالسا عند
قال : احتج أبو بكر بهذه الأخبار للقول الذي حكاه - القول العاشر - واعتذر في تخلفه عن القول به، بما أجمع عليه علماء الأمصار على توقيت وقتوه فيما بينهم، فكان مما أجمعوا على توقيته أقل من عشرين ليلة. إسحاق
وفيه قول حادي عشر: وهو أن هذا قول المسافر يصلي ركعتين ركعتين إلا أن يقدم مصرا من الأمصار، . [ ص: 419 ] الحسن البصري
وفيه قول ثاني عشر: وهو قول من فرق بين المقام للخوف والمقام لغير الخوف، قال : فأشبه ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من مقام المهاجر ثلاثا حد مقام المسافر وما جاوزه كان مقام الإقامة، وليس يحسب اليوم الذي كان فيه سائرا ثم قدم، ولا اليوم الذي كان فيه مقيما ثم سار، فكل ما كان في هذا غير مقام حرب ولا خوف حرب قصر، فإذا جاوز مقامه أربعا أحببت أن يتم، وإن لم يتم أعاد ما صلى بالقصر بعد الأربع، وإن كان مقامه لحرب أو خوف حرب فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام عام الفتح يحارب الشافعي هوازن سبع عشرة أو ثمان عشرة يقصر، فإذا أقام الرجل ببلد آمنا به ليس ببلد مقامه لحرب أو خوف حرب، أو تأهب حرب قصر ما بينه، وبين ثمان عشرة ليلة، فإذا جاوزها أتم الصلاة حتى يفارق البلد تاركا للمقام به آخذا في سفره.
وفيه قول ثالث عشر: روي ذلك عن ، قال: يفصل بين الحضر والسفر اليوم والليلة، فمن أجمع مسير يوم وليلة روحته [ ص: 420 ] وغدوته ودلجته، فقد أجمع سفرا فله صلاة السفر ورخصة فطر الصوم، ومن أجمع إقامة يوم وليلة صلى صلاة الحضر وعليه الصوم، وذلك أن أرض المسلمين كلها مساكن الآن، اليوم والليلة يجمعان الدنيا ويعقد بهما الزمان، ويكمل فيهما الصلوات كلهن، ويكون فيهما الصوم. ربيعة بن أبي عبد الرحمن
وفيه قول رابع عشر: حكاه ، قال إسحاق بن راهويه : وقد خالف ما وصفنا بعض المتكلمين، وقالوا: قد مضت السنة من النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في التقصير للمسافر إذا كان ظاعنا، فإذا وضع المزاد والزاد وترك الرحيل، وأقام أياما لحاجة أو تجارة، أو نزهة فهو بالمقيم أشبه منه بالمسافر، فعليه الإتمام، لأن الصلاة لا تقصر إلا بأمر مجتمع عليه، قال: وقد وقع على هذا الاسم الإقامة، قال إسحاق : وقد قالت إسحاق : إذا وضعت الزاد والمزاد فصل أربعا. عائشة
قال : احتج بعض من رأى أن يقصر المسافر الصلاة ما لم يجمع مقام خمسة عشر يوما بظاهر حديث أبو بكر عمر: وبقول "صلاة المسافر ركعتان تمام غير قصر على لسان النبي صلى الله عليه وسلم"، : ابن عباس قال: فكل مسافر فهذا فرضه، إلا مسافر خصه كتاب [ ص: 421 ] أو سنة أو إجماع، وقد أجمع أهل العلم على أن على "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين"، فوجب الإتمام على من أقام خمس عشرة ليلة بالإجماع. من عزم على مقام خمس عشرة ليلة الإتمام،
وقد اعتل المزني بمثل هذه العلة، وقال: يقال له: يعني ، الشافعي والمدني: أجمعتم على قصر الصلاة، ثم اختلفتم في المقام الذي يتم، فلا يزيد ما اجتمعتم عليه من الإقصار إلا بمقام تجمعون عليه ويتم خمسة عشر يوما، قال: كان إذا أراد أن يقيم خمسة عشر يوما سرح ظهره، وصلى أربعا قال: فإن اعتل ابن عمر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: الشافعي بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا"، قال: لازم لمن قال هذا القول أن يوجب عليه التمام بأول صلاة من اليوم الرابع. "يقيم المهاجر
قال : فأما من قال: إن من أقام عشرا أتم الصلاة، ومن أقام أقل من عشر قصر، فحجته حديث أبو بكر ، يقول: أنس بن مالك مكة فأقام بها عشرا يقصر حتى رجعنا. خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقصر الصلاة حتى جاء
قال : قول أبو بكر أنس: يريد "أقام بها عشرا يقصر" بمكة ومنى وعرفة، خبر جابر يدل على ذلك [ ص: 422 ] .
2283 - حدثنا يحيى، ثنا مسدد ثنا يحيى، ثنا ، قال: أخبرني ابن جريج عطاء ، قال: سمعت ، في ناس معي، قال: جابر بن عبد الله "أهللنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج خالصا فقدم النبي صلى الله عليه وسلم صبيحة رابعة مضت من ذي الحجة".
قال : فأقام أبو بكر بمكة بيوم رابع وخامس وسادس وسابع، وخرج يوم التروية فصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والصبح بمنى، ثبتت الأخبار عنه بذلك، وبخروجه إلى عرفة، ورجوعه إلى المزدلفة، وبمقامه بمنى ليالي التشريق، وبمسيره إلى مكة في آخر أيام التشريق بعد زوال الشمس، فأقام بها حتى صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ورقده رقدة بالمحصب، فهذه العشرة التي أقام صلى الله عليه وسلم بمكة ومنى وعرفة، فإذا كان هكذا فلا حجة لمن زعم أن من أقام ببلد عشرا أتم الصلاة محتجا بحديث أنس، إذ سبيل حديث أنس بهذا السبيل.
قال : وأسعد الناس بحديث أبو بكر جابر الذي ذكرناه ومن وافقه، لأنه نظر إلى عدد الصلوات التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام مقامه أحمد بن حنبل بمكة في حجته، فأجاز أن يقصر من أقام مقدار ما يصلي ذلك العدد من الصلوات، وأمر من زاد مقامه على ذلك المقدار بالإتمام، وهذا القول أولى بمن اتبع فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقصد الأخذ بحديث جابر في هذا الباب من قول غيره [ ص: 423 ] .