الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                              ذكر اختلاف أهل العلم في دخول الجنب أو الحائض المسجد وجلوسهما فيه

                                                                                                                                                                              اختلف أهل العلم في مقام الجنب في المسجد فقالت طائفة: لا يدخل الجنب المسجد إلا وهو عابر سبيل مارا فيه. روي هذا القول عن ابن مسعود، وبه قال ابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن، وعطاء، وعمرو بن دينار، وقتادة.

                                                                                                                                                                              2512 - حدثنا علي بن عبد العزيز، حدثنا أبو نعيم، قال: ثنا أبو جعفر الرازي، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) قال: لا تدخل المسجد وأنت جنب، إلا وأنت عابر [ ص: 121 ] سبيل، إلا وأنت مار فيه.

                                                                                                                                                                              2513 - حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة بن عبد الله، عن ابن مسعود : أنه كان يرخص للجنب أن يمر في المسجد مجتازا، ولا أعلم إلا قال: ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) .

                                                                                                                                                                              وكان الحسن لا يرى بأسا أن تمر الحائض في المسجد ولا تقعد فيه، وقال مالك بن أنس: لا يدخل الجنب المسجد إلا عابر سبيل، وقال جابر بن عبد الله: كان أحدنا يمر في المسجد جنبا مجتازا.

                                                                                                                                                                              وقالت طائفة: [يمر] الجنب في المسجد ويقعد فيه. روينا عن زيد بن أسلم أنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [يمشون] وهم جنب في المسجد [ ص: 122 ]

                                                                                                                                                                              2514 - حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الجنيد الدقاق، قال: ثنا أبو عاصم، عن الدراوردي، عن زيد بن أسلم، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [يمشون] وهم جنب في المسجد.

                                                                                                                                                                              2515 - حدثنا علي بن عبد العزيز، قال: ثنا أبو نعيم، قال: حدثنا هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أبي مجلز، عن ابن عباس سئل عن هذه الآية ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) قال: هو المسافر.

                                                                                                                                                                              2516 - حدثنا محمد بن علي، قال: حدثنا أحمد بن شبيب، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، عن لاحق بن حميد وهو أبو مجلز أن: ابن عباس كان يتأولها: ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) يقول: تحريمها أن لا يقرب الصلاة وهو جنب، إلا وهو مسافر لا يجد ماء، فيتيمم ويصلي. [ ص: 123 ]

                                                                                                                                                                              2517 - حدثنا زكريا بن داود، قال: ثنا محمد بن يحيى، قال: ثنا عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن زر، عن علي في قوله: ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) قال: لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة ولا يجد الماء فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء.

                                                                                                                                                                              وكان أحمد بن حنبل يقول: يجلس الجنب في المسجد ويمر فيه إذا توضأ، وكذلك قال إسحاق.

                                                                                                                                                                              واحتج بعض المرخصين للجنب في دخول المسجد والمقام فيه بحديث حذيفة .

                                                                                                                                                                              2518 - حدثنا يحيى بن محمد، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا يحيى، عن مسعر، عن واصل الأحدب، عن أبي وائل، عن حذيفة : أن النبي صلى الله عليه وسلم لقيه فأهوى إليه، فقال: إني جنب، فقال: "إن المسلم ليس بنجس".

                                                                                                                                                                              وإذا كان المسلم ليس بنجس فهو طاهر، كحالته قبل أن يجنب، غير أنه مأمور بالاغتسال، عبادة تعبد الله بها عباده، وكما أمر من خرج من دبره ريح أن يغسل أعضاء الوضوء، وهو قبل أن يغسل أعضاء الوضوء طاهر الأعضاء، غير أنه متعبد بالطهارة كما تعبد الجنب بالاغتسال. وإذا قال من خالف هذا القول إن المشرك يدخل المساجد غير المسجد الحرام استدلالا بأن وفد ثقيف لما قدموا المدينة وهم مشركون نزلوا [ ص: 124 ] المسجد، ودخل أبو سفيان مسجد المدينة وهو إذ ذاك على دين قومه قبل أن يسلم؛ فالمسلم الجنب الذي ثبتت له الطهارة بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بالإباحة.

                                                                                                                                                                              وقد قال بعض أهل العلم: ليس في قول الله جل ذكره: ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) دليل على أن الجنب لا يجلس في المسجد، لأن المسجد ليس بمذكور في أول الآية فيكون آخر الآية عائدا عليه، وإنما ذكرت الصلاة، فالصلاة لا يجوز للجنب أن يقربها إلا أن يكون عابر سبيل مسافرا لا يجد ماءا، فيتيمم صعيدا طيبا.

                                                                                                                                                                              وقد روينا عن علي، وابن عباس، وغير واحد من التابعين: أنهم رأوا أن تأويل قوله: ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) مسافرين لا يجدون ماءا. روينا عن علي: أنه قال في قوله: ( ولا جنبا إلا عابري سبيل ) - قال: لا يقرب الصلاة إلا أن يكون مسافرا تصيبه الجنابة ولا يجد ماء، فيتيمم ويصلي حتى يجد الماء. وروي ذلك عن ابن شهاب، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة، وقد ذكرنا بعض أسانيدها فيما مضى.

                                                                                                                                                                              ولعل من حجة من كره دخول الجنب المسجد حديثا:

                                                                                                                                                                              2519 - حدثناه يحيى بن محمد، قال: ثنا مسدد، قال: ثنا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا أفلت بن خليفة، قال: حدثتني جسرة بنت دجاجة سمعت عائشة، قالت: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيوت أصحابه شارعة في المسجد، فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد". ثم دخل النبي عليه السلام، ولم يصنع القوم شيئا رجاء أن ينزل لهم في ذلك [ ص: 125 ] رخصة، فخرج عليهم بعد فقال: "وجهوا هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب".

                                                                                                                                                                              قال أبو بكر: أفلت عندهم مجهول، ويبطل إذا كان كذلك أن يقوم بهذا الحديث حجة [ ص: 126 ]

                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية