2114 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا ، أنا زاهر بن أحمد ، أنا أبو إسحاق الهاشمي ، عن أبو مصعب ، عن مالك ، عن أبيه ، [ ص: 151 ] هشام بن عروة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: جاءتني عائشة فقالت: إني كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية، فأعينيني. بريرة
فقالت : إن أحب أهلك أن أعدها لهم، عددتها لهم، ويكون لي ولاؤك. عائشة
قالت: فذهبت إلى أهلها، فقالت لهم ذلك، فأبوا عليها، فجاءت من عند أهلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فقالت: إني قد عرضت عليهم ذلك فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم. بريرة
فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها فأخبرته ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خذيها، واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق " . عائشة
قالت : ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: " أما بعد، فما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله، ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، وإنما الولاء لمن أعتق " عائشة عن .
هذا حديث متفق على صحته.
أخرجه ، عن محمد ، [ ص: 152 ] عن عبد الله بن يوسف ، وأخرجه عن مالك عبيد بن إسماعيل .
وأخرجه ، عن مسلم . أبي كريب
كلاهما عن ، عن أبي أسامة . هشام بن عروة
وقولها: إن أحب أهلك أن أعدها لهم، إنما ذكرت بلفظ العد، لأن أهل المدينة كانوا يتعاملون بالدراهم عددا، وقت مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن أرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الوزن، وجعل العيار وزن أهل مكة .
قال الإمام: في هذا الحديث فوائد منها: جواز بيع رقبة المكاتب، واختلف فيه أهل العلم، فذهب قوم إلى أنه يجوز بيع رقبته، لأن ملكه لم يزل بالكتابة، بدليل أن حكمه حكم المماليك في الشهادات والحدود والجنايات، وأنه لا يستحق السهم إذا حضر القتال، وإلى هذا ذهب ، وهو قول إبراهيم النخعي ، مالك ، واتفقوا على أنه إذا بيع لا ينفسخ عقد الكتابة، حتى لو أدى المكاتب النجوم إلى المشتري، عتق، وولاؤه للبائع الذي كاتبه. وأحمد
وقال : يكره بيع المكاتب قبل العجز للخدمة، ولا بأس أن يباع للعتق. الأوزاعي
وذهب قوم إلى أنه لا يجوز بيع المكاتب، وهو قول ، الشافعي وأصحاب الرأي ، وتأول حديث الشافعي على أنها بيعت برضاها فكان ذلك فسخا للكتابة منها. بريرة
وذهب قوم إلى أنهم باعوا نجوم كتابتها، واختلفوا في جوازه، فأجازه قوم، وبه قال ، واحتجوا بقول مالك : إن أحب أهلك أن [ ص: 153 ] أعدها لهم. عائشة
وفي رواية: إن أحبوا أن أقضي عنك كتابتك.
وذهب الأكثرون إلى أن بيع نجوم الكتابة لا يجوز، لأنها غير مستقرة، بدليل أن للمكاتب أن يعجز نفسه، فيسقطها عن نفسه، فهو كبيع المسلم فيه قبل القبض لا يجوز.
والمراد من قولها: أعدها لهم أو أقضي عنك: هو الثمن الذي تعطيهم على البيع عوضا عن الرقبة، بدليل ما روى القاسم ، عن ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عائشة . " اشتريها وأعتقيها"
واستدل بهذا الحديث على جواز بيع الرقبة بشرط العتق، وموضع هذا الدليل ليس بالبين في صريح لفظ الحديث، وإنما هو مستنبط منه، وذلك أن القوم لا يشترطون الولاء إلا وقد تقدمه شرط العتق. الشافعي
وفي رواية من روى: ، وروى " اشتريها وأعتقيها " ، عن ابن شهاب ، عن عروة عائشة بيان هذا المعنى. " ابتاعي وأعتقي"
واختلف أهل العلم في شراء العبد بشرط العتق، فذهب في أظهر قوليه، وهو قوله الجديد: إلى أن الشراء صحيح، والشرط لازم. الشافعي
وقال : كل شرط في البيع يهدمه البيع إلا شرط العتاق، وكل شرط في النكاح يهدمه النكاح إلا الطلاق. النخعي
وذهب جماعة إلى أن البيع صحيح، والشرط باطل، قاله في القديم، وهو مذهب الشافعي ، ابن أبي ليلى ، وكذلك مذهبهم في سائر الشروط الفاسدة. وأبي ثور
وذهب قوم إلى أن البيع فاسد، وهو قول أصحاب الرأي، ثم إنهم حكموا [ ص: 154 ] بالملك للمشتري في البيوع الفاسدة إذا اتصل بها القبض، وأوجبوا على المشتري القيمة إذا هلك المقبوض في يده أو أعتقه، إلا فيما اشتراه بشرط العتق، فإن ، قال: إذا قبضه المشتري وأعتقه، عتق، وعليه الثمن، وعند صاحبيه تجب القيمة، وهو الأقيس على مذاهبهم. أبا حنيفة
فأما إذا باع بشرط العتق، وشرط الولاء لنفسه، فالبيع باطل عند الأكثرين، وهو أظهر قولي ، وقال في القديم: البيع صحيح والشرط باطل، وهو قول الشافعي ، ابن أبي ليلى ، واحتجوا عليه بحديث وأبي ثور ، أن أهلها باعوها وشرطوا لأنفسهم الولاء، ثم أجاز النبي صلى الله عليه وسلم البيع، وحكم ببطلان الشرط، وقاسوا عليه سائر الشروط الفاسدة في أنها لا تمنع صحة العقد. بريرة
والصحيح أن شرط الولاء لم يكن في البيع، لكن القوم رغبوا في بيعها للعتق، وطمعوا في ولائها لجهلهم بالحكم في أن الولاء لا يكون إلا للمعتق، فلما عقد البيع، وزال ملكهم عنها، وأعتقتها ، بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم حكم الشرع، أن الولاء لا يكون لغير المعتق. عائشة
فإن قيل: كيف وقد روي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: قلنا: هذه اللفظة تفرد بها " خذيها واشترطي لهم الولاء " ، لم يوافقه عليها أحد من الرواة، فإن هشام ، روى عن ابن شهاب ، عن عروة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال لها: عائشة ، وقالت " ابتاعي وأعتقي، فإنما الولاء لمن أعتق " ، عن عمرة : عائشة وقال " ابتاعيها وأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق " القاسم ، عن : عائشة ولم يذكر أحد منهم " اشتريها وأعتقيها، فإنما الولاء لمن [ ص: 155 ] أعتق " . " اشترطي لهم الولاء "
قال : وهذا أولى به، لأنه لا يجوز في صفة النبي صلى الله عليه وسلم وفي مكانه من الله أن ينكر على الناس شرطا باطلا، ويأمر أهله بإجابتهم إلى باطل، وهو على أهله في الله أشد، وعليهم أغلظ. الشافعي
وقيل: لو صحت هذه اللفظة، كانت متأولة على معنى: لا تبالي ولا تعبئي بما يقولون، فإن الولاء لا يكون إلا لمعتق، لا أنه أطلق لها الإذن في اشتراط الولاء.
بدليل ما روى عبد الواحد بن أيمن ، عن أبيه ، عن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: عائشة فأشار إلى أن ذلك الكلام لغو من جهتهم لا يلتفت إليه إلى أن يبين لهم الحكم بعده. " اشتريها وأعتقيها ودعيهم يشترطوا ما شاؤوا "
وتأول المزني قوله: "اشترطي لهم الولاء" فقال: معناه اشترطي عليهم الولاء، كما قال الله سبحانه وتعالى: ( أولئك لهم اللعنة ) أي: عليهم اللعنة، وقال جل ذكره: ( وإن أسأتم فلها ) أي: عليها.
وتأول بعضهم قوله: "اشترطي لهم الولاء" على معنى الوعيد الذي ظاهره الأمر وباطنه النهي، كقوله عز وجل: ( اعملوا ما شئتم ) .
وقوله: " ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله " يريد أنها ليست على حكم كتاب الله، وعلى موجب قضاياه، ولم يرد أنه ليس [ ص: 156 ] في كتاب الله مذكورا نصا، فإن ذكر الولاء غير موجود في كتاب الله نصا، ولكن الكتاب أمر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأعلم أن سنته بيان له، وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم الولاء لمن أعتق، فكان ذلك الحكم مضافا إلى الكتاب على هذا المعنى، والله أعلم.