باب الماشية إذا أتلفت مال الغير.
2169 - أخبرنا أبو الحسن الشيرزي ، أنا ، أنا أبو [ ص: 236 ] زاهر بن أحمد إسحاق الهاشمي ، أنا ، عن أبو مصعب ، عن مالك ، عن ابن شهاب حرام بن سعد بن محيصة ، دخلت حائطا، فأفسدت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها " للبراء بن عازب " أن ناقة .
قوله: ضامن، أي: مضمون على أهلها.
قال الإمام: ذهب إلى هذا بعض أهل العلم أن ما أفسدت الماشية بالنهار من مال الغير، فلا ضمان على ربها، وما أفسدت بالليل، يضمنه ربها، لأن في عرف الناس أن أصحاب الحوائط والبساتين يحفظونها بالنهار، وأصحاب المواشي يسرحونها بالنهار، ويردونها بالليل إلى المراح، فمن خالف هذه العادة، كان خارجا عن رسوم الحفظ إلى حد التضييع، هذا إذا لم يكن مالك الدابة معها، فإن كان معها، فعليه ضمان ما أتلفته سواء كان راكبها، أو سائقها، أو قائدها، أو كانت واقفة، وسواء أتلفت بيدها، أو رجلها، أو فمها، وإلى هذا ذهب ، مالك . [ ص: 237 ] . والشافعي
وذهب أصحاب الرأي، إلى أن المالك إن لم يكن معها، فلا ضمان عليه ليلا كان أو نهارا، واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم : " جرح العجماء جبار " وهذا حديث عام خصه حديث البراء ، وإن كان المالك معها، قالوا: إن كان يسوقها، فعليه ضمان ما أتلفت بكل حال، وإن كان قائدها أو راكبها فعليه ضمان ما أتلفت بفمها أو يدها، ولا يجب عليه ضمان ما أتلفت برجلها، واحتجوا بما روي عن ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: أبي هريرة " " الرجل جبار وهذا حديث غير محفوظ، معروف بسوء الحفظ. وسفيان بن حسين
وقال : كانوا لا يضمنون من النفحة، وهي الرمية بالرجل، ويضمنون من رد العنان، وقال ابن سيرين حماد : لا تضمن النفحة إلا أن ينخس إنسان الدابة، قال الحكم ، وحماد : إذا ساق المكاري حمارا عليه امرأة فتخر لا شيء عليه. [ ص: 238 ] .
وقال : إذا ساق دابة فأتعبها، فهو ضامن لما أصابت، وإن كان خلفها مترسلا لم يضمن، ولو غلبته الدابة، فأتلفت شيئا، فللشافعي فيه قولان، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الشعبي " جرح العجماء جبار، والمعدن جبار، والبئر جبار " وأراد بالمعدن، والبئر: أن يستأجر الرجل قوما ليعملوا في معدن له، فانهار المعدن عليهم، أو استأجر رجلا ليحفر له بئرا في ملكه، فانهارت عليه، فدماؤهم هدر، لأنهم أعانوا على قتل أنفسهم، وقيل: أراد بالبئر أن يحفر الرجل بئرا في ملك نفسه أو في موات، فتردى فيها إنسان فهلك، فهو هدر، وإن كانت في داره بئر، فأذن لإنسان بدخولها فدخل فسقط فيها، لا ضمان عليه إلا أن يكون ليلا، أو الداخل أعمى، أو كانت مغطاة، ولم يعلمه بها ضمن الدية عاقلته ولا قود.
وروي " والنار جبار " قيل: هو تصحيف، وإنما هو " البئر جبار" ، وإن صح، فتأويله النار يوقدها الرجل في ملكه، فتطير بها الريح إلى مال لغيره من حيث لا يمكنه ردها، فهو هدر.
قال الإمام: وهذا إذا أوقدها في وقت سكون الريح، ثم هبت الريح، فإن أوقد في أرض فلاة مملوكة له في وقت هبوب الرياح ولا [ ص: 239 ] حائل ثم يمنعها من أن تطيرها الريح، فتصيب زرع الغير، فيضمن، كما لو رمى من ملكه نارا إلى مال الغير فأحرقه.
وقال أبو عبيدة على قوله:"المعدن جبار": وهذا أصل لكل عامل عمل عملا بكراء، فعطب فيه أنه هدر لا ضمان على من استعمله، إلا أنهم إذا كانوا جماعة، ضمن بعضهم لبعض على قدر حصصهم من الدية، ومن هذا لو أن رجلين هدما حائطا، فسقط عليهما، فقتل أحدهما، كان على عاقلة الذي لم يمت نصف الدية لورثة الميت، ويسقط النصف، لأن الميت أعان على قتل نفسه.
ولو مال حائط إلى الطريق، فسقط فأصاب إنسانا، لم يضمن عند بعضهم، وهو قول ، إلا أن يبنيه مائلا، فيضمن، لأن الميل حادث لم يكن منه فيه تعد، وقال بعضهم: إن تقدم إليه رجل، وأشهد، فلم يهدم حتى سقط، ضمن ما أصابه، وهو قول الشافعي ، إبراهيم النخعي وأصحاب الرأي .